يُحكى أن أحد الإخوة من شمال الوادي جاء للسودان في رمضان وكان الجو حارا والحر قائظا ورأى كيف يصوم الناس في السودان الشهر الفضيل بكل صبر وجلد، وكان أن علق على ذلك بقوله إن الله لن يدخل أهل السودان الجنة وحسب ولكنه سوف يشكرم كمان وهذا القول وإن جاء على طريقة الإخوة المصريين في الحديث حيث يشبه جدهم الهزل إلا أنه ليس بعيدا عن الدين فالله يجزي الشكر لعباده المحسنين وقال جل شأنه من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا صدق الله العظيم . وحال أهلنا المناصير ليست بعيدة عن هذا الفهم وهم يقدمون طلبا بسيطا ومتواضعا وهو أن يعيشوا إلى جوار بحيرة خزان مروي بعد أن غمرت مياه السد أراضيهم وهو ما يسمى عندهم بالخيار المحلي ولم تأتِ هذه التسمية من فراغ إن لم يكن هذا الخيار مطروحا بالفعل وقد تم إستبعاده في مرحلة من المراحل وبواسطة جهة محددة هي وحدة السدود ومديرها السابق ووزير الكهرباء والسدود حاليا أسامة عبد الله ، وكما هو معلوم فإن إدارة السدود تدفع بإستبعاد الخيار المحلي للمناصير بدفوع من بينها الدراسة العلمية التي تتحدث عن عدم صلاحية المنطقة المجاورة للخزان للعيش لكون مياه السد سوف تغمرها مستقبلا ولكن هناك دراسة أخرى تؤكد إمكانية العيش إلى جوار بحيرة الخزان والزراعة وصيد الأسماك وغيرها من الأنشطة الإقتصادية التي يمكن أن يزاولها أهالي المنطقة . ولعلي آخر من تناول هذا الأمر إلا أن الوضع بالنسبة لأهلنا المناصير لم يتغير حيث لا يزالون معتصمين إلى جوار رئاسة حكومة ولاية نهر النيل ولم تسفر المفاوضات بين والي الولاية وبينهم عن جديد. وفي ظل هذا الوضع يترقب الناس الزيارة المقررة لرئيس الجمهورية للولاية والتي من المنتظر أن تضع حدا للمشكلة وتضع القرارات السابقة للرئيس في أمر المناصير موضع التنفيذ وإلا فإن الزيارة إما أن تؤجل أو تتم من غير حل للمشكلة ولن يكون ذلك في مصلحة ولاية نهر النيل أو حكومة الولاية ولا مواطني الولاية ولا المناصير ولا الشعب السوداني الذي ساءه كثيرا أن يرى في حكومته المركزية والولائية بنهر النيل عجز القادرين على التمام وحل المشكلة بأن يمضي المناصير إلى الخيار المحلي وما يترتب على ذلك من مطالب مشروعة في قسمة الثروة وعائدات المشروع الذي يقضي منطق الأشياء بحقهم فيه والشواهد على ذلك كثيرة في السودان وخارج السودان حيث وضعت إتفاقية نيفاشا التي نفذتها الإنقاذ حرفيا بحق المناطق بالثروة التي تنتج في أراضيها مثل النفط واليوم يتمسك المواطنون الذين يمارسون التعدين العشوائي عن الذهب في مناطقهم بحقهم في عائدات الذهب الذي تقوم شركات التعدين بإنتاجه وتسويقه وإذا خصصت الحكومة ميزانية محددة لتنمية المنطقة كما تم الإعلان عن ذلك في الميزانية الجديدة وفي غيرها فهو أيضا من الحلول المفضية لنيل رضاء مجتمع المناصيروهذا هو عين التخطيط التنموي الذي يستمد نجاحه من رغبة المجتمع المحلي صاحب الشأن. وقد رضي المناصير بإقامة خزان مروي وإذا لم يكن رضاهم وموافقتهم أمرا مهما لكي يشيد الخزان ما سعت الحكومة لذلك ووضعت الخيارات والقوانين اللازمة لتعويضهم والتعويض في هذه الحالة يكون وفقا لرضى المتأثرين بقيام المشروع وعلى الدولة أن تتجاوب مع الشروط التي يضعونها طالما كان ذلك يحقق مصالحهم ويمكن المشروع من القيام، وقد حدث ذلك مع مواطني جزيرة توتي المتأثرين بإنشاء كوبري توتي وعندما رفض أحد المتأثرين التعويض ذهب له والي الخرطوم السابق الدكتور عبد الحليم المتعافي عابرا النيل الأزرق بالمركب ولم يشرع العمل في الكبري حتى تم تعويض المتأثرين والحال أيضا مع مطار الخرطوم الجديد وتعويض الجموعية الذين صارت أراضيهم وقراهم وأملاكهم جزءا من المطار وطالما أن الدولة ملزمة بتعويض المواطنين وهذا ما حدث في الأمثلة التي أشرت إليها وفي غيرها ماضيا وحاضرا ومستقبلا فما هو المانع من حصول المناصير على التعويض ولو بأثر رجعي طالما كان الأمر حساباً والحساب ولد كما يقول المثل السوداني . ومن المؤسف أن لا نسمع من السيد وزير الكهرباء حديثا واضحا في هذا الخصوص على الرغم من أنه المعني بالأمر لدرجة أن المناصير خصصوا جمعة كاملة للوقوف والمطالبة بإغالته من منصبه وكما قال لي أحد ابناء المناصير إننا قد تجاوزنا مرحلة أسامه عبد الله والذي يقول تاريخ مشكلة المناصير أنه لم يحدث أن تحدث معهم ولم يبحث معهم هذا الأ مر منذ بدايته وإلى يومنا هذا فهل الأستاذ أسامه عبد الله كثير على أهله المناصير يا ترى أم هو مصمم على رفض مطلبهم علي طريقة يا رومي يا أكسر قرنك وهذا لا يليق بالتعامل مع مواطن متأثر فقد أرضه ومرتع صباه وهو يقف اليوم موقفاً صعباً وهو الإعتصام في مكان واحد وبالآلاف وهذا لن يقوم به أناس إلا إذا أضطروا لذلك إضطرارا ورغم صعوبة الإعتصام إلا أنه سلوك حضاري يشبه المناصير وهم رجال أهل فراسة وكرم يستحقون كل خير؟ وهناك من يتحدث عن كون قضية المناصير هي قضية سياسية وقد إمتطى بعض الساسة والجهات القضية لكي يحقق من ورائها أهدافاً سياسية ولكن الحكومة قامت بتعويض الأحزاب السياسية بل قامت بتعويض من يدعون أنهم اصحاب ممتلكات قامت الحكومة بمصادرتها على ضؤ الإنقلاب العسكري في يونيو 1989م بعد أن أعادت الحكومة الممتلكات التي صادرتها من السيد محمد عثمان الميرغني راعي الحزب الإتحادي الدميقراطي ومن السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وبعد إعادة الممتلكات والتعويض العيني والمادي تمت مكافأة هؤلاء السادة الذين لم يقدموا للشعب السوداني غير البؤس عبر تاريخهم البعيد والقريب ولم يتم سؤالهم من أين لهم كل هذه الممتلكات التي تتجاوز المليارات من الدولارات المتطاولة وكيف حصلوا عليها من الإستعمار الإنجليزي والتركي وبدلا من سؤالهم ورد الأموال للشعب السوداني يكافأون ويزادون في المكافاءات ولكن مواطني المناصير يتهمون بالسياسة إذا طالبوا بحقهم المشروع . وطالما أن الحكومة تعوض الأحزاب فإن السياسة لا تمنع التعويض هذا على إفتراض أن قضية المناصير قضية سياسية ولكن حسب علمى فإن المشكلة بعيدة عن الأحزاب بما في ذلك الحزب الحاكم وهذا بإتفاق المعتصمين من ابناء المناصير الذين أقسموا أن لا يدخل بينهم حزب من الأحزاب ولكن قضيتهم قضية رأي عام وهي قضية قومية وهم على إستعداد لطرحها عبر كل المنابر وإبلاغها لكافة الجهات الداخلية من وسائل إعلام وغيرها. وقد وصلت الرسالة وما نريده هو إعطاء المناصير ما يريدونه من خيار محلي وقيام مفوضية قومية لرعاية حقوقهم في السد وتعويضهم ماليا (ونشكرم كمان). [email protected]