فاجأ والي ولاية البحر الأحمر محمد طاهر ايلا المراقبين باعتزامه تكوين حكومته خلال هذا الشهر ، منتهجا طريقا شوريا لاختيار الوزراء والمعتمدين لم يسبقه عليه والٍ من الذين كونوا حكوماتهم ، وهو الامر الذي احدث تبايناً واضحاً في الآراء بين التيارات السياسية بالولاية . وتأتي المفاجأة الاولى من واقع استبعاد الكثير من المراقبين قيام الوالي بتعيين حكومته بعد فترة زمنية محدودة عقب قرار اقالتها الاخير، مستندين على حقائق لازمت مرحلة توليه ادارة الولاية قبل ست سنوات والتي شهدت تأخيرا في اعلان الحكومة امتد لستة اشهر عمل خلالها الوالي دون وزراء ومعتمدين مستعينا بالمديرين العامين والتنفيذيين للوزارات والمحليات في تسيير دولاب العمل بالولاية، وتوقعوا ان يلازم التأخير اختيار حكومته الرابعة، بيد انه بدد الظنون باعلانه اقتراب تعيين طاقمه الدستوري، والذي سلك طريقا جديدا اليه لم يكن مألوفا لاختياره وهو الامر الذي مثل المفاجأة الثانية للمتابعين الذين ظلوا يتهمونه بالديكتاتورية والانفراد في اتخاذ القرارات وعدم الرجوع لقيادات الحزب وحكومة الولاية لأخذ آرائهم في مختلف القضايا ، فالوالي قرر اشراك مجالس الشورى بالمحليات العشر في اختيار المعتمدين والوزراء وذلك عبر ترشيح كل عضو من مجالس الشورى بالمحليات لثلاث معتمدين ومثلهم من الوزراء وذلك عبر التصويت السري، وتم تكوين لجنة لفرز الترشيحات وذلك لرفع الاسماء المرشحة لتولي المناصب الدستورية والتي حظيت باجماع إلى والي الولاية لاختيار مايراه مناسبا ،والخطوة الاخيرة التي اتخذها والي ولاية البحر الاحمر لاختيار طاقمه الوزاري تشابه ما نص عليه قانون الحكم المحلي لسنة 2011 المقترح والذي ذهبت احدى مواده ناحية ان يقوم مجلس تشريعي المحلية بانتخاب المعتمد بدلا من تعيينه من قبل الوالي وذلك لمنحه صلاحيات واسعة ، ورغم ان هذا الاقتراح قوبل برفض شبه كامل من حكام الولايات، الا ان ما اقدم عليه والي البحر الاحمر يمثل تجربة جيدة بحسب مراقبين تصب في مصلحة توسعة مواعين الشورى عبر اشراك مواطني المحليات في اختيار المعتمدين والوزراء. وان كان الامر في حالة البحر الاحمر اقتصر على عضوية الحزب الحاكم. ولكن مشككين في حسن مقاصد والي البحر الاحمر من هذه الخطوة يقولون ان الاخير لن يأخذ بمقترحات مجالس الشورى بالمحليات ، بل ذهب بعضهم بعيدا في شكوكهم مؤكدين ان الوالي اختار تشكيلة حكومته وان مايقوم به يماثل عملية ذر للرماد في العيون، مشيرين الى ان ايلا لا يمكن ان يغير طريقته في إدارة الولاية ، ولكن عضو مجلس الولايات والقيادي بالحزب الحاكم بولاية البحر الاحمر حامد محمد آدم ينفي الاتهامات التي يسوقها معارضو ايلا حول طريقة الاختيار الجديدة ، ويشير في حديثه ل(الصحافة) الى ان الوالي يملك الحق الدستوري الذي يتيح له اختيار حكومته دون الرجوع الى مجالس الشورى وذلك لأنه منتخب من قبل المواطنين ومفوض لاتخاذ مايراه مناسبا ، ويصف حامد الخطوة بالشجاعة والجيدة والموفقة التي قال انها تجسد الشورى في افضل ثيابها ، وتوضح ان الوالي يبحث عن الاستقرار عبر اشراكه لقيادات الحزب في المحليات وان مسلكه هذا ينفي عنه تهمة الانفراد بالقرارات وتهميش قيادات الحزب بالولاية ، وطالب عضو مجلس الولايات بتشجيع مثل هذه المبادرات ، مشيرا الى ان الذين انتقدوا هذه الخطوة طبيعي ان يشككوا في هذه الخطوة وذلك من واقع انهم معارضون لسياسة الحزب الحاكم ووالي الولاية. تيار ثالث عد طريقة الاختيار الجديدة التي طبقها والي البحر الاحمر بمثابة تراجع من الوالي عن سياسته السابقة التي يعتبرونها السبب المباشر للخلافات الكثيرة التي ظلت تضرب جسد الحزب الحاكم بالولاية ، مشيرين الى ان الوالي اذا كان صادقا في مقصده من هذه الخطوة يكون قد احدث تغييرا كبيرا في طريقة ادارته السياسية والتنفيذية للولاية ، واعتبر عضو مجلس تشريعي الولاية حامد ادريس ان اشراك مجالس شورى الحزب الحاكم في اختيار المعتمدين والوزراء كلمة حق اريد بها باطل ، مشيرا في تصريح ل(الصحافة) الى عدم وجود مجالس شورى للمؤتمر الوطني بالمحليات ، وقال ان مايحدث مسرحية سيئة الاخراج ابطالها شخصيات لاعلاقة لهم بالمحليات ، وقال اذا كان الوالي جادا في طريقته الجديدة كان عليه ان يجري عمليات الاختيار بالمحليات وليس بحاضرة الولاية ، واضاف: لاتوجد لجنة لمعرفة حقيقة الاختيار ومن يقم بالترشيح ولا يعرف نتيجة العملية برمتها ،واذا اراد الوالي تأكيد منهج الشورى كان عليه ان يعلن عن نتائج الترشيحات امام الملأ ، ويشير ادريس الى ان الوالي يهدف من وراء هذه الطريقة الى تبرئة ساحته اذا قوبلت تشكيلته الوزارية القادمة برفض من المركز والاعلام والشارع ، حيث يمكنه القول ان اعضاء مجالس الشورى هم من قاموا باختيار التشكيلة الوزارية ، وعبر عضو المجلس التشريعي عن استغرابه من المسلك الذي اقدم عليه معتمد طوكر الاسبق بمنعه لقيادات من المنطقة المشاركة في عملية الاختيار وقال ان هذا يحمل الكثير من المدلولات ، مشيرا الى ان والي الولاية عمد من وراء ذلك الى شق صف منطقة طوكر لتيارين يمثل احداهما شمال المنطقة والآخر جنوبها وذلك لزرع الفتنة بين مكونات المجتمع بالمحلية. فيما يرى الكاتب الصحفي عبد القادر باكاش ان مثل هذه التجارب يجب ان تحظى بالدعم والتأييد وذلك لأنها ترسخ لقيم الشورى وتوسيع ماعون المشاركة في اتخاذ القرارات ، مشيدا في حديث هاتفي ل(الصحافة) بالطريقة السرية التي تم بها الاختيار ، وقال انها جنبت قيادات الحزب الدخول في حرج وجنبتهم الصراعات التي كانت ستتولد اذا كان الاختيار يتم على الملأ ، مؤكدا ان الوالي ورغم امتلاكه حق التعيين الا انه اراد اشراك الجميع معه في اختيار حكومته لتأتي وسط قبول من مواطني الولاية . من جانبه اعلن القيادي البارز بتيار قوى الاجماع الوطني هاشم كنه المحامي عن اهتمامهم بما يدور داخل اجهزة الحزب الحاكم بالولاية ، معتبرا ما يحدث في المطبخ السياسي للمؤتمر الوطني شأن داخلي لاعلاقة لهم به ، مشيرا الى ان جل تركيزهم كقوى اجماع يتمحور في السعي لدولة الديمقراطية القائمة على الشفافية وسيادة حكم القانون والتداول السلمي للسلطة .