الصدفة وحدها قادتني للتعرف على منزل أحد الجهاديين الذين استشهدوا في الصومال التي يطلقون عليها أرض ( أفغانستان الثانية )، فقد أشارت لي صديقتي التي زرتها هذا الاسبوع - بيدها - على بناية ضخمة وجميلة وواسعة بحي الصفا بالعيلفون وقالت لي : هذا منزل ( مهند عثمان يوسف ) أحد أفراد الخلية التي اغتالت الدبلوماسي الامريكي جون غرانفيل وسائقه السوداني عبد الرحمن عباس، ثم كان مهند هو العقل المدبر لعملية خروج المجموعة من سجن كوبر العتيق ومنها هربوا لخارج السودان واستقروا بالصومال للانضمام لكتائب الشباب المجاهدين التي تقاتل الامريكان وحكومة المحاكم الاسلامية بقيادة رئيسها شيخ شريف ... توقفت كثيرا أمام المبنى مثل وقفتي في وقت سابق حول المعاني والدلالات التي حملها خبر استشهاد مهند بالقرب من العاصمة الصومالية مقديشو ... ربما لا فالامام الشهيد حسن البنا مؤسس تنظيم الاخوان المسلمين لم يكن يدري ان نشيد الاخوان المسلمين المشهور ( أضحى الاسلام لنا دينا * وكل الكون لنا وطن ) ان هذا النشيد سيأتي ويلتقط قفازه جهاديو السودان ليحيلوا الشعر والشعار الى واقع يمشي بين الناس ويترجموا مقولة الامام البنا ( الجهاد غايتنا والموت في سبيل الله أغلى أمانينا ) وتصبح كلمات الشهيد سيد قطب ( ستظل كلماتنا عرائس من الشمع لا روح فيها ولا حياة حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة ) وتصبح هذه الكلمات هي حادي وهادي الجهاديين السودانيين من لدن الشهيد الدكتور محمد صالح عمر مرورا بالشهيد علي عبد الفتاح وحتى مهند عثمان يوسف ... حسنا فالسرد أعلاه يفتح الكثير من القضايا في مقدمتها اهتمام المجاهدين السودانيين بقضايا القتال والحرب وحبهم للفروسية وحمل السلاح ليس داخل البلاد ولكن بمفهموم يتجاوز الزمان وحدود المكان بلا خرائط ولا جوازات ولا حدود جغرافية طالما ان كل الكون لهم وطن ... فالشيخ ياسر عثمان جاد الله الذي هاتفته أول أمس وسألته عن كسب الاخوان المسلمين في الجهاد خارج السودان أطلعني من ذاكرته على العديد من النماذح وحصر بعضها قائلا : ( ان جيل الرواد من حركة الاخوان المسلمين شاركوا في قيادة عمليات عسكرية كثيرة خارج السودان وتحديدا في القدسالمحتلة بأرض فلسطين حينما تم استنفار العديد من الاسلاميين لقتال العدو الصهيوني ومناصرة القضية الفلسطينية ومنهم على سبيل المثال الشهيد الدكتور محمد صالح عمر الذي كان من أوائل المؤسسين لحركة فتح الفلسطينية وقاتل بضراوة المغتصبين اليهود ثم رافق الامام الهادي في رحلته الشهيرة من الجزيرة أبا بالنيل الأبيض وحتى مدينة الكرمك بالنيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية _ الاثيوبية لينتقل الى رحاب ربه في بيروت متأثرا بجراحه ... ويمضي الشيخ ياسر جاد الله مواصلا استعراض سيرة شهداء الاخوان المسلمين السودانيين بأفغانستان ضد المحتل السوڤيتي بسرد قائمة منهم : ابراهيم جبريل من محلية أم بدة بام درمان - صديق المساعد من الفكي هاشم - أحمد موسى من الجزيرة - طارق محمد عثمان من بورتسودان - نصر الدين عبد الله من شمبات - محي الدين رمضان من الثورة الحارة الخامسة - وكلهم استشهدوا في افغانستان في الفترة من 89- 1992م وكانوا ضمن الجهاديين الذين كونوا ما يسمى ب( مأسدة العرب ) التي أسسها الشهيد عبد الله عزام أمير المجاهدين وهو من فلسطين حيث استنفر الرجل كثيراً من شباب المجاهدين من الدول العربية والإسلامية وكانت استجابة أخوان السودان حسب محدثي ياسر جاد الله كبيرة فمنهم من تم تفويجه عبر التنظيم ومنهم من فرّ الى الله بمفرده ويذكر الشيخ ياسر نموذجا آخر وهو الشيخ عبد الله محمد يوسف الذي رحل عن الدنيا قبل اسبوعين وكان مديرا لجمعية قطر الخيرية - مكتب السودان _ مبينا لي ان الشيخ عبد الله قاتل في الفلبين مع جبهة تحرير مورو وجاهد مع المقاتلين العرب في أفغانستان بل وحينما حاول المجاهدون اختيار امير للجهاد بفلسطين تم ترشيحه مع الشهيد عبد الله عزام لمكانه في نفوس العرب والمسلمين ،ثم بعد مجئ الرجل للسودان هاجر للجهاد بأرض الصومال لكنه مات على فراشه رغم تشبعه بأشواق الجهاد والاستشهاد ... فالشاهد ان الاخوان المسلمين ليسوا وحدهم في هذا المضمار فانصار السنة التحقوا في يوم من الايام بصفوف القتال ضمن كتائب حركة الجهاد الاسلامي الارتري لاخراج الاثيوبيين من إرتريا وتحرير بلدتهم من الاستعمار الاثيوبي. ومن جماعة انصار السنة السودانيين الذين ارتبطوا بالجهاد في ارتريا ( أبو الفاروق السوداني ) واسمه عوض الكريم الفاضل وهو خريج الدفعة الاولى للدعاة الدارسين بالمعهد العالي للدراسات الاسلامية التابع لانصار السنة وانضم لكتائب المجاهدين مع تأسيس حركة الجهاد الاسلامي الارتري حينما كانت موحدة ( أخوان مسلمين وسلفيين ) على عهد أميرها السابق الشيخ عرفة محمد أحمد، وأبو الفاروق نال عضوية قيادة المكتب العسكري الذي قام ( بالخطوة التصحيحية ) في العام 1993م والتي تم بموجبها اقصاء قيادة الأمير عرفة محمد أحمد والوقوف الى جانب القيادة الجديدة بزعامة الامير الشيخ أبوسهيل أحمد محمد صالح. واستشهد ابو الفاروق السوداني في معركة بين قوات حركة الجهاد الاسلامي الارتري مع قوات النظام الحاكم بأسمرا في العام 2001م، أما الرجل السوداني الآخر الذي شارك في الجهاد بإرتريا فهو الشيخ محمد أحمد النجومي وهو من أبناء خشم القربة بشرق السودان ... حسنا وحينما ظهرت قضية البوسنة والهرسك فإن الكثير من الشباب السودانيين قاتلوا هناك وأذكر منهم على سبيل المثال الشهيد علي عبد الفتاح وغيره آخرون ... فيبدو ان العناصر السودانية يستهويها شعار الجهاد وتميل للحاق بركب القتال أين ما كان فعندهم ( الحرب صبر واللقاء ثبات .... والموت في شأن الاله حياة ) وكما يقال اطلبوا الموت توهب لكم الحياة ... وشعارهم الذي يكتب في الشارة والعصابة الحمراء هو بيت الشعر المشهور : النور كيف ظهوره ان لم يكن منا الوقود ... والقدس كيف نعيده ان لم نكن نحن الجنود ... وها هي مسيرة الجهاديين مستمرة فجيل النيولوك له نصيب وحصة، فأبو إدريس المهاجر واسمه أسامة صلاح الذي ولد وترعرع وتربى بالسعودية قرأ كتاب ( الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية ) الذي كان بمثابة بداية للشاب الذي لم يتجاوز عمره ال18 عاما ليعلن انه مجاهد ضد الامريكان، فتم اعتقاله بسجن عليشة ثم ترحيله للسودان لينضم لخلية السلمة التي تبنت عملية التفجير الشهيرة في العام 1997م ليتم اعتقاله ثم اطلاق سراحه ليخرج بعدها للصومال ويستشهد هناك بعد ان قطع دراسته الجامعية وسنه في ذلك الوقت 22 عاما ،وكذا الحال بالنسبة ل( أبو مسلم ) محمد صالح ورفيقه مصعب بشير وأخيرا مهند يوسف عثمان والقائمة تطول ... ومن قبل كان شباب الاتجاه الاسلامي يردد نشيده : قد عشقت البندقية هاتفا عندي قضية لحزب حزب الماركسية انه حزب ضلالي ... لا أبالي لا أبالي إنني شعب رسالي ... قد تربى بين قرآن وساحات القتال ... وبالطبع فساحات القتال لا زالت فسيحة من أرض فلسطينوأفغانستان وبلاد الرافدين بالقارة الآسيوية وحتى الصومال بالقارة الافريقية ... لتكون طبعة الشهادة ليست صكا محليا ولكنها نسخة عالمية عابرة للقارات ...