العلاقة بين التربية والتعليم والتنمية مرتبطة ومتبادلة، فالتعليم يقود الى التنمية، والتنمية رافعة للتعليم ، والتعليم في السودان مصاب بنوع من الأزمات . في الماضي كان التعليم صفوياً ولم يساهم بصورة فاعلة في التنمية لأنها لا تعمل بالصفوة وإنما تعمل بالقاعدة؛ لأنه إذا لم تكن هناك قاعدة موسعة تقبل فكر الصفوة وتنميه لا نستطيع أن نصل إلى تنمية،وقد لعب مهندس السلم التعليمي محي الدين صابر، وزير التربية والتعليم في عهد النميري، دورا في توسيع قاعدة التعليم،وكذلك في عهد "الانقاذ" توسع التعليم بصورة كبيرة وان كان على حساب الجودة. ولا يختلف خبراء التنمية على أن الاهتمام بالتعليم وتوجيهه حسب حاجات البلاد التنموية لسد نواقصها من أبدى أولويات السير في الدرب الصحيح الى مستقبل أفضل ،والعلاقة بين التعليم ومردوده على النمو الاقتصادي تصل لدرجة أنه يقدر أن دراسة سنة اضافية واحدة للشخص ،تؤدي الى زيادة تبلغ نحو 6% في المتوسط الناتج القومي المحلي، كما أن التعليم هو أحد الأدوات القوية للحد من الفقر وانعدام المساواة، وتحسين الصحة والرفاه الاجتماعي. لكن واقع التعليم في السودان حاليا ومؤشراته يدعو للأسى، فنسبة الأمية متصاعدة ووصلت الى أكثر من 80%، والتسرب من المدارس يتضاعف ووسائل الاجلاس وندرة الكتاب المدرسي وانعدام أبسط المقومات لدرجة أن المدرسة قد يغيب حتى مبناها فتتخذ ظلال الأشجار أو الخيام فصولا في بعض الولايات. و أصبح التعليم حقلا للتجارب الفاشلة وتغيير المناهج الدراسية بلا أساس علمي حيث يستند على الحفظ والتلقين ولا يشجع على التفكير والنقد والإبداع والابتكار، وتكاد تكون الحكومة رفعت يدها عن التعليم ودعمه إذ لا يتعدى الصرف الفعلي على العملية التعليمية نسبة 1% من الميزانية العامة، بينما تبلغ نسبة الصرف على الامن والدفاع ما يتجاوز 70%من الميزانية العامة للدولة ،وبالتالي فإن السودان يقدم اضعف مساهمة في التعليم على مستوى الدول الافريقية والعربية ماعدا موريتانيا والصومال،وبات ارتفاع تكاليف التعليم عبئا كبيرا على المحليات المتواضعة ويتحمل المواطن 6 اضعاف ما تنفقه الدولة على التعليم. وتضيع قضية مجانية وإلزامية التعليم بين الشد والجذب بين المحليات ووزارات التربية والتعليم فى الولايات، إضافة الى وجود فوارق شاسعة في التعليم بين المدن والأرياف، بجانب تدهور البنى التحتية وتردي المناهج التعليمية وضعف تدريب المعلمين. وثمة ضرورة لمراجعة ما يتصل بصياغة مفهوم حب الوطن في نفوس الطلاب، و تعزيز التربية الوطنية في نفوس النشء، ويبدو أن تراجع الوطنية وراء نظام المنهج المحوري والنشاط المدرسي الذي بث التربية الوطنية في كل المناهج والمحاور في الدراسة عقب تعديل السلم التعليمي. وقد مضى على المؤتمر القومي السابق لقضايا التعليم ، الذي عقد في مطلع تسعينيات القرن الماضي أكثر من عشرين عاماً بعد ان اقر المؤتمر اجراء تعديلات في السلم التعليمي شملت (الغاء المرحلة المتوسطة) وتغيير المناهج، وتوسعة نسب الاستيعاب في المدارس، ووضع خطط وبرامج لتدريب وتأهيل المعلمين، لكن ما عرفت ب "ثورة التعليم"، أخفقت في تطوير المنظومة التعليمية في البلاد ولم تلتزم بالصرف على التعليم،ومع اقتراب موعد المؤتمر القومي للتعليم فإن الجميع مطالبون بطرح رؤى ومقترحات عملية لانقاذ عملية التعليم قبل تطويرها،وصياغة برنامج فاعل يحقق طفرة في العملية التعليمية والتفكير في موارد حقيقية لمواجهة الصرف على التعليم؛ لأنه أس النهضة ويقاس تقدم الأمم بمستوى تعليمها واهتمام الدولة بالمعلم،ولا يزال وعد قادة الحكم بأن يصبح المعلم الاعلى راتبا في الدولة معلقا في الهواء ..