هذه العبارة وردت على لسان المرشح الرئاسي لحزب المؤتمر الوطني الرئيس عمر البشير في إطار حملته الإنتخابية بمدينة سنجة،وهو يخاشن أحزاب المعارضة معرّضاً بارتباكها جراء تطابق موقف أمريكا مع موقف حزبه في شأن قيام الإنتخابات في ميقاتها المعلوم ورفض تأجيلها. هناك مقولة لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق ومستشار الأمن القومي هنرى كيسنجر في حقبة السعبينيات على عهدي الرئيسين نيكسون وفورد يقول فيها:- (إذا ما قامت أية مشكلة أو أزمة سياسية في أية بقعة من بقاع العالم،فإن أمريكا غير معنية بإيجاد حل لهذه الأزمة ولكنها معنية بإمساك كافة خيوط الأزمة وتوظيفها لتصب في صالح الإستراتيجية الأمريكية).هذه المقولة لهنري كيسنجر أصبحت وإلى يومنا هذا إنجيلاً سياسياً يتعبد في محاربة كافة خبراء الإستراتيجية الأمريكية ..يستوى في ذلك الجمهوريون والديمقراطيون وكل سدنة السياسة الأمريكية،وهذه المقولة تجسد فعلياً السياسة الأمريكية المعتمدة تجاه الأوضاع المعقدة في السودان. أمريكا ليست معنية بإيجاد الحلول الأخلاقية للصراع السياسي بشأن بقاء الجنوب في إطار السودان الموحد أو إنفصاله،وهي أيضاًَ ليست معنية بإيجاد حل لأزمة دارفور،ولكنها كما قال كيسنجر تسعى للإمساك بكافة خيوط الأزمات السودانية لتوظيفها في خدمة الإستراتيجية الأمريكية.أدركت أمريكا أن قيام دولة الجنوب المستقلة تتوافق وتخدم خططها الإستراتيجية أكثر مما كان يطرحه الراحل قرنق بشأن السودان الجديد ، فعملت على تقوية وتفعيل هذا الخط وسط قيادات الحركة الشعبية التي إستطابت عسل السلطة ودولارات النفط فآثرت الإنكفاء جنوباً وجعل الإنفصال خياراً أوحد لا رجعة عنه.هذا الموقف بشأن الجنوب عبر عنه المبعوث الأمريكي الجنرال سكوت غرايشن حينما صرح قبل بضعة أيام بقوله(إن أمريكا تفضل طلاقاً مدنياً للجنوب على قيام حرب أهلية). أما في شأن التعجيل بالإنتخابات القادمة فإن خبراء الإستراتيجية الأمريكية يرون أن بقاء نظام الإنقاذ وإعادة إنتاجه عبر الإنتخابات يخدم التطلعات السياسية الأمريكية طالما بقى هذا النظام مدموغاً وملاحقاً بالإتهامات وقرارات مجلس الأمن المتعاقبة،فمثل هذا الوضع يجعل النظام القادم عبر الإنتخابات أكثر هشاشة ويملك القابلية والمشروعية للنيل منه سياسياً في مستقبل الأيام..أكثر من أىّ وافد جديد تحمله رياح الانتخابات ليربك المعادلات السياسية التى تم اعتمادها. السياسة الأمريكية لها عقل صلد ولا تملك قلباً دافئاً كما يتوهم الحالمون.