كتبت من قبل أن هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا في حقبة السبعينيات هو الأب الروحي وعراب المحافظين الجدد الذين حكموا أمريكا خلال السنوات الثمان المنصرمة، أي ولايتي جورج بوش الإبن. كان بوش الإبن بحكم ذكائه المحدود دمية في يد هؤلاء المحافظين بقيادة نائبه ديك تشيني ورامسفيلد وفولفويتس وكونداليزا رايس وغيرهم الذين حكموا بلادهم وحكموا العالم من خلف الكواليس. كذلك ذكرت أن لهنري كيسنجر مقولة تجسد فلسفة هؤلاء المحافظين، يقول فيها: (إذا حدثت أية أزمة في أنحاء العالم المختلفة، فإن أمريكا غير معنية بحل هذه الأزمة ولكن المطلوب الإمساك بخيوط هذه الأزمة وتوجيهها لتصب في مصلحة الإستراتيجية الأمريكية). إذاً هي إستراتيجية بلا قلب تعرف المصالح ولا تقيم وزناً للمشاعر، فالأنظمة الدكتاتورية التي ظلت طوال سنين حكمها تقهر شعوبها وتلعق أحذية سادة البيت الأبيض كانت تتوهم أن أمريكا ستحفظ الجميل وستكون سندهم وعضدهم إذا ما أدبرت عنهم الدنيا. والأمثلة كثيرة من ماركوس ديكتاتور الفلبين إلى شاه إيران ونوريغا حاكم بنما وإنتهاءً بالجنرال مشرف حاكم باكستان السابق. ف(ماركوس) عندما استنفذ كل تاريخ صلاحيته لحكم الفلبين وحاول تزوير الانتخابات كما كان يزورها لسنين عديدة، في مواجهة مرشحة المعارضة أكينو، أوقفه الأمريكان عند حده وخلعوه من السلطة كحذاءٍ بالٍ بعد أن استشعروا المد الجماهيري الهادر المطالب بتنحيه، مما يؤكد نظرية كيسنجر في الإمساك بخيوط الأزمة وتوجيهها لتصب في خدمة الإستراتيجية الأمريكية. أما نوريغا حاكم بنما والذي كانت أمريكا تغض الطرف عن تورطه في الشبكات الدولية لتجارة المخدرات إنقلب به الحال إلى سجين بائس في زنازين السجون الأمريكية. والجنرال مشرف الذي جعل من باكستان حديقة خلفية استباحتها الإستراتيجية الأمريكية لغزو أفغانستان والتنكيل بالتطرف الأصولي الإسلامي، إنتهى به الأمر كشبح باهت يستجدي المنفى من المملكة السعودية بعد أن أدارت له أمريكا ظهرها. أما شاه إيران والذي خلعته الثورة الإيرانية فقد كان يعيش وهم التزام واشنطن تجاهه كحليف وصديق. كان بعد خلعه مريضاً بالسرطان وطلب زيارة أمريكا للعلاج وسمح له بذلك لكنه قبل استكمال العلاج أُبلغ بقرار طرده من الولاياتالمتحدة. ثم اشترى لنفسه ملجأ في بنما بمساعدة حاكمها القوي وقتها الجنرال (عمر توريخوس) فعقد الأمريكان صفقة مع الجنرال لتسليم الشاه إلى إيران مقابل الإفراج عن رهائن السفارة الأمريكية بطهران، مما اضطره للهرب إلى مصر التي مات بها بعد بضعة شهور طريداً ومنبوذاً. كتب محمد حسنين هيكل في هذا الأمر يقول (في بداية عصر الفلسفة الإغريقية حاول «أرسطو» أن يقيم جسراً بين الأخلاق والسياسة، وفي بداية عصرنا هذا حاول «ميكياڤيلي» أن يزيل هذا الجسر بين الأخلاق والسياسة. والمتأمل للسياسة الأمريكية سيكتشف أن أرسطو رجل له ماضيه الفلسفي بينما ميكياڤيلي رجل له مستقبله السياسي!)