بدأت منذ يوم الثلاثاء، الثلاثين من مارس 2010، إرهاصات إنسحاب الأحزاب المعارضة من المشاركة في الإنتخابات السودانية التي من المزمع القيام بها في الحادي عشر من هذا الشهر. فقد بدأت الصحف ووسائل الإعلام الإقليمية والدولية تتحدث عن إجتماع لقوى المعارضة. يتحدد في الإجتماع ما إذا كانت الأحزاب السودانية المعارضة ستتم مشوار الإنتخابات أم ستقوم بالإنسحاب. وعشية الإعلان عن هذا الإجتماع، الخميس الأول من أبريل 2010، وقبيل إنعقاده فعلا كانت أخبار سحب الحركة الشعبية لمرشحها الرئاسي في الشمال (ياسر عرمان) قد ملأت القرى والحضر. كانت وسائل الإعلام تنقل الأخبار ويتناقلها الناس في الطرقات وعلى المواقع الإليكترونية، وكثير ما بين مصدق ومكذب. البعض كان يعتقد أنها كذبة أبريل وإشاعة روجت لها الحكومة السودانية حتى تشغل الرأي العام بخبر ليس بالصحيح. لكن كانت الصدمة أكبر حيث أكتشف أن الخبر لا يمت للأكاذيب أو الإشاعات بصلة. أولا كان هنالك توقيت الإعلان عن إنسحاب عرمان، فالحركة الشعبية لم تكلف نفسها حتى عناء التظاهر بالإتفاق مع القوى التي يحمل إجتماعها إسم مدينتها (جوبا)، بل سعت إلى الإعلان عن نفسها أولا وبدون أن تعطي للقوى المعارضة حتى حسنة أنها متحالفة وإياها. ثم كانت هنالك واحدة من المسببات التي ذكرتها الحركة الشعبية للإنسحاب من الإنتخابات وهي أن إقليم دارفور لا يزال يتعبر في حالة حرب وأن الوضع به لا يسمح بقيام إنتخابات حرة ونزيهة، إذن السؤال، هل تأزم الوضع في إقليم دارفور في خلال الأيام الماضية فقط؟ إن الحركة الشعبية تدرك تماما أبعاد القضية في دارفور وليس هنالك جديد طرأ على الساحة السياسية، فإذن لماذا دخلت الحركة السباق في المقام الأول؟ والسؤال أعلاه ليس موجها فقط للحركة الشعبية، بل لبقية الأحزاب السودانية التي قررت الخروج من الإنتخابات. فمن ضمن الأسباب التي ذكرتها الأحزاب الرئيسية المنسحبة (الأمة، الإتحادي والحزب الشيوعي)، هي أن الإنتخابات الرئاسية القادمة لن تكون نزيهة لأن هنالك خروقات قام بها حزب المؤتمر الوطني في إطار الإستعداد لهذه الإنتخابات. لقد شملت هذه الخروقات الكثير بداية بتقسيم الدوائر الإنتخابية وحتى مرحلة تسجيل الناخبين، وهذه حقيقة. لكن المحير أن هذه الخروقات ليس بأخبار جديدة على المرشحين، بل وأكثر من هذا، لقد أعلن معظم المرشحين عن عزمهم خوض الإنتخابات بعد مرحلة التسجيل، أي أن الخروقات التي إنسحبوا من أجلها لم تكن هي الأسباب في حد ذاتها وإلا لما كانوا قد قاموا بترشيح أنفسهم في المقام الأول. وليت المعارضة إكتفت بالإنسحاب من الإنتخابات فحسب، بل قامت بعد دقائق بتناقض في مواقفها. فكانت الأخبار العاجلة التي تظهر أن الحزب الإتحادي قد قرر خوض الإنتخابات التشريعية، ثم كان هنالك موقف حزب الأمة الذي قرر تأجيل البت في أمر الإنتخابات حتى تنتهي الأربعة أيام التي أمهلها للإستجابة لشروطه، فظهرت المعارضة وكأنها ترسم خطوط الرجعة لقرار لم يكن قد كتب إلا بقلم من رصاص. لقد كان من الأحرى لمعارضتنا أن تتفق منذ البداية، هل ستخوض الإنتخابات أم لا وتبقى على هذا القرار، أم أن ال (جهجهة) صارت لعنة تطارد الشعب والوطن؟