تمر الساحة السياسية السودانية هذه الأيام بأغرب مرحلة، فيها ما هو ظاهر ومعلن، وفيها ما يفهمه العالمين ببواطن الأمور، لكن أعتقد أن الجميع فقد البوصلة في هذه الأيام، ولا أحد يدري من يقود من، ومن يقود السودان؟ هذا على المستوى الحكومي، أما المعارضة فتلك مصيبة أخرى، فتجد الحزب مشاركاً في الحكومة وموالياً للمعارضة، ومنهم من بدل تبديلا ومنهم من أبقى على شعرة «عبد الرحمن» في السلطة يعني عصا قائمة وعصا نائمة!! هذا واقعنا المرير، ولكن المؤسف كلنا نحكي عن المشكلات ولا نطرح حلولاً، ودائماً ما أفكر في القادة السياسيين في السودان الذين لا يتبدلون سواء حاكمين أو معارضين، وهذا هو بيت الداء، لذلك نحتاج لنوع معين من الثورات لا كالتي حدثت أخيراً في بعض الدول العربية، بل نحتاج إلى ثورة داخل أحزابنا وتنظيماتنا السياسية بدون استثناء، وفي رأيي المتواضع أن أولى خطوات الحل تتمثل في حل جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية، وبناء مؤسسات قوية قائمة على أسس وطنية تحت قيادات مؤهلة، بشرط ألا تكون من البيوتات التي سئمنا منها وجربناها بما فيه الكفاية لذلك «كفاية». لماذا لا تندمج أحزاب الأمة والاتحادي والمؤتمر «بشقيه الحاكم والمعارض» في حزب واحد وتحت قيادة جديدة قادرة على إحداث تغيير ملموس في الواقع السياسي، بطرح برامج تستوعب كل ما يدور في الساحة، وكذلك تندمج أحزاب مثل البعثي والشيوعي وكل قبيلة اليسار في تنظيم واحد لأنهم أقرب لبعض ، ويصبح للسودان حزبين كبيرين ليس تقليد لأمريكا «لا سمح الله»، لكن لأنها فكرة تصلح للسودان، خاصة أننا جربنا أن تكون لنا أحزاب وتنظيمات حتى مسجل الأحزاب لا يستطيع أن يحصيها عدداً، وغالبيتها أحزاب على الورق، وحتى الكبيرة منها والتاريخية شاخت ولم تعد مواكبة للمرحلة لأن هناك قيادات هرمة في كل شيء جاثمة عليها ولن تتنازل عن هذا الدور ماداموا أحياءً يرزقون، فالحل في انقلاب على القيادات التي تسمى «التاريخية»، وجميعهم معروفون ولا داعي لذكر أسمائهم، ويجب أن نصدر لهم شهادة وفاة سياسية، ونقول لهم خلاص كفاكم تدميراً للسودان وشبعتونا عذاباً. الحركة الإسلامية في السودان بعد غيبة طويلة استيقظت من نومها فجأة!! وطالبت بتصحيح الأوضاع التي أعتقد أن تصحيحها من المستحيلات، لأن البنيان عندما ينهار لا ينفع معه الترميم، فالمسألة تحتاج لإعادة بناء برؤية تختلف عما كنا نعرفه من «فقه» الضرورة والستر، وكل المصائب التي نمر بها سببها غياب الشفافية، لكن رغم كل ذلك فهي بعثت في النفوس شيئاً من الأمل الموءود، ونتطلع إلى أن تكون طوق نجاة للسودان لا الحركة الإسلامية وحدها، إذا صدقت النوايا، ويجب أن نعتبرها خطوة نحو التغيير وليس التصحيح، وهذه الفرصة الأخيرة، لأن الأوضاع أصبحت محبطة ومخيفة للسودانيين في الداخل والخارج وربنا يستر. [email protected]