نادى متحدثون في ندوة الوجود الاسرائيلي في دولة جنوب السودان وتأثيره على الامن القومي السوداني التي نظمها مركز التنوير المعرفي مؤخراً بتجنب التعامل بردود الافعال بين دولتي الشمال والجنوب لاعتبارات اهمها حداثة الفكر السياسي لدى القادة الجنوبيين، وذلك في اشارة الى محاولات الخرطوم الحد من مخاطر التدفق الاسرائيلي نحو الجنوب. وقد سلطت اغلب المداخلات في الندوة الضوء على ضرورة الاهتمام بالدراسات الاسرائيلية، وفي مقدمتها تعلم اللغة العبرية، وذلك للتفادي المبكر للمخططات الصهيونية، المعلنة والخفية تجاه السودان. وتناول الدكتور شمس الهدى ابراهيم في مداخلته البعد التاريخي للوجود الاسرائيلي داخل العمق العربي والافريقي وارتباطه بالانظمة العربية الحاكمة السابقة والبروتوكولات الانتقالية التي وقعت بينها، والتي تتعرض الآن اسرائيل لمخاطر فقدها، بفعل التغيرات التي ضربت تلك البلدان، وهو ما دعا باسرائيل الى السعي من اجل ايجاد البديل الناجح وهذا ما توفر الآن من جنوب السودان. ووصف شمس الهدى الوجود الحالي لاسرائيل بجنوب السودان بأنه يمثل اكبر تهديد امني لدولة الشمال، بتعمد دولة الجنوب استضافة الحركات المتمردة بدارفور وسعيها المحموم الى الدعم الاسرائيلي ، علاوة على تحرك اسرائيل للعبث بمياه النيل عبر اتفاقية مياه حوض النيل والتي تخول للدول الجارة لدول المجرى الانتفاع من مياهه لذلك تتجه اسرائيل لاحتضان الجنوب من اجل الجلوس مع دول حوض النيل ومناقشة مسألة مياه النيل. وقال شمس الهدى ان اسرائيل تسعى اليوم الى الضغط على السودان لتتجنب مواجهة اتحاد التيار الاسلامي في البلدين، بعد صعود الاسلاميين الى السلطة في مصر، مما يمثل تهديدا حقيقيا لها. اشار ان تل ابيب تخشى تبعات المد الاسلامي الذي بدأت ملامحه فى اطلالة حكومات ذات توجه اسلامي في اكثر من دولة بعد الربيع العربي. ويقول شمس الهدى «باعتبار ان الولاياتالمتحدةالامريكية تمثل اكبر داعم لاسرائيل، تخطط اسرائيل للاستحواذ على كل مداخل البحر الاحمر خدمة لاعتبارات امنية مشتركة بين امريكا والكيان العدواني، بخاصة بعد بروز اهمية البحر الاحمر اثناء حرب (1967). لافتا الى ان اسرائيل ظلت تعمل لوقف الدعم السوداني لحماس حسب ما تزعم، وهو ما تبرر به اعتداءها وغاراتها الجوية على الساحل السوداني والتي فاقت العشر غارات، وارجع الرجل ما عده تساهلاً من قادة الجنوب مع دولة الكيان العدواني، الى فواتير قديمة مستحقة يجب تسديدها ولن تجد دولة الجنوب ازاءها بد من الانصياع. ودعا شمس الهدى الحكومة السودانية للابتعاد عن التعامل بردود الافعال مع الدولة الوليدة، وضرورة التعامل معها نسبة لحداثة التجربة السياسية لها. واشار الدكتور ياسر ابو في مداخلته بالندوة الى الفاعلية والنشاط والحيوية التي تتصف بها دولة الكيان العدواني، وذلك على الرغم من حجمها وقلة سكانها، واتصافها بالعنصرية المفرطة. ومضى ياسر في استعراض نشأة الدولة اليهودية بعد مؤتمر يهود (1897) م، في سويسرا الذي كان النواة الحقيقية لانطلاق الحركة الصهيونية ، ومن ثم التحاق العديد من المجموعات والعصابات ادت فيما بعد لاقامة الجيش الاسرائيلي وجهاز الموساد الاستخباراتي. وكشف عن مؤتمر يهودي يعقد في يناير من كل عام تناقش فيه القضايا اليهودية كامتنان للاب الروحي لدولة اليهود.. ويضيف ياسر» على الرغم من قلة اليهود مقارنة بمن حولهم من شعوب،الا انهم يشكلون تحديا للعالم العربي لتملكهم كل مفاصل الحياة، وارتباطاتهم المتشعبة بالعالم. وكشف ابو عن ان اول علاقة لدولة اسرائيل مع افريقيا كانت مع غانا من ثم امتدت العلاقات لدول افريقيا الاخرى، لتمثل هذه العلاقات بعداً استراتيجياً لها في العمق الافريقي ، وفي هذا الاطار سعت الى ايجاد ارضية لها بالسودان منذ عهدي عبود ونميري . وذهب الرجل الى التأكيد على وجود تشابه بين دولتي اسرائيل والجنوب بخاصة في ما يتعلق بالمواقف التاريخية من العرب، فقد صرح الراحل د.جون قرنق في احدى المقابلات ان العرب سيخرجون من السودان كما خرجوا من الاندلس. وقد حذر ابو من مخاطر ما سيحدث في المستقبل من دولة الجنوب، مشيرا الى انها لن تقنع بحدودها، وستهدف الى الاستيلاء الكلي على اطراف السودان، وهذا ما ينطبق ايضا على المطامع الاسرائيلية ذاتها في البلاد.!. وللحد من التدخل الاسرائيلي في الجنوب دفع ابو بعدد من المقترحات منها ضرورة تعلم اللغة العبرية،وتطبيع علاقة السودان مع الجنوب، وحلحلة الخلافات الداخلية بالتوزيع العادل للسلطة والثروة والاراضي على المواطنين ، وايقاف حملات العداء مع الجنوب ،الذي الآن يتعرض للاستهداف. ورأى الدكتور عبد الرحمن رمضان ان هنالك اربعة عناصر ربما ان تم فهمها والتعامل معها، يمكن التقليل من التأثير الامني للتغلغلات الاسرائيلية على الشمال.. وهي الامبريالية العالمية والتي تهدف الى استعمار العالم والصهيونية العالمية و اليهودية، بالاضافة للاستراتيجية العامة للاحاطة بالعالم العربي. وفي تعقيبه على المداخلات لفت د. اسامة زين العابدين الى ان قيام البنك الدولي بتسعير المياه العذبة تم من اجل هدف واحد هو سد الفجوة ما بين الاحتياجات والطلب، اذ ان هناك وفرة للمياه العذبة في بعض الدول، وهو ما دعا لاتجاه من يفتقدونها للدول التي تتوافر على منابع المياه العذبة. واكد زين العابدين ان الوجود الاسرائيلي بالسودان قديم جدا، ولكن يصبح التحدي امامنا هو مجاراته لقطع الطريق امام اسرائيل لتجنيد جواسيس هنا، مناديا بضرورة تطبيع العلاقات بين دولة جنوب السودان والشمال لعوامل التاريخ والجغرافيا وعوامل اقتصادية اخرى تتطلب التكامل لا غيره.