غير آبهة بمآلات قرارها أعلنت دولة الجنوب بصورة أحادية وقف ضخ النفط تدريجياً عبر الخط الناقل شمالاً ، وذلك الى حين انشاء خط أنابيب جديد لنقل البترول المنتج من آبار النفط الموزعة في الولاياتالجنوبية . وهي اذ تفعل ذلك فانها تُدخل تهديداتها السابقة حيز التنفيذ ، فقد سبق وأكدت عزمها وقف ضخ النفط الجنوبي عبر الأنبوب الشمالي لأن الحكومة السودانية تقوم بنهب البترول الخاص بالجنوب من غير وجه حق _ حسب جوبا _ ، التي أعلنت أمس عبر وزيرها للنفط استيفن ديو عن خطوات فعلية لوقف انتاج البترول وأن وزارة النفط قامت باخطار رسمي للشركات الأجنبية العاملة في مجال النفط لتنفيذ هذا القرار خلال اسبوعين من الأن . فيما تعاملت الخرطوم مع ما صدر من جوبا بكثير من التروي المحسوب، وبدا جيداً من ردة الفعل الرسمية أن الحكومة السودانية لن تحيد عن قرارها القاضي بأخذ حقها من النفط عيناً وان كانت ترجع الخطوة برمتها الى أنها تكتيك سياسي الخاسر الأكبر منه دولة الجنوب وهو فعل لن تكتب له الاستمرارية طويلاً ، وتبدو الخرطوم في حالة من التيقن بأن مطالباتها المالية التي على جوبا سوف تستردها وان أوقف ضخ النفط شمالاً ، فما هو موجود داخل الأنبوب الان سيوفر مبلغا كبيرا من ديون السودان على الجنوب ، وأوضح وزير الدولة بوزارة رئاسة الجمهورية أمين حسن عمر ل« الصحافة » أن ديون السودان على الجنوب مضمونة بما يحتويه الأنبوب الأن، وأضاف « ما حدث تحرك تكتيكي لا يمكن ان يستمر والجنوب هو الخاسر الاكبر من اي توقف للنفط ولا تعنينا تصريحات الجنوب الاعلامية، كما أن ديون السودان مضمونة بما يحتويه الأنبوب الان « . ويطالب السودان دولة الجنوب بدفع مليار دولار هي قيمة رسوم عبور غير مؤداة منذ يوليو 2011 اضافة الى 36 دولارا رسوما على كل برميل نفط يمر عبر أراضيه، وهو ما يمثل ثلث قيمة صادرات نفط الجنوب. ولماّ كان الاقتصاد في دولة الجنوب يعتمد بصورة كلية على النفط، يرى متابعون أن مسألة انهياره مسألة وقت ليس الاّ لا سيما مع غياب أي مصادر اقتصادية أخرى، فيما تؤكد القيادة في دولة الجنوب أن قرارها خضع لدراسة شملت احتياطات الخزينة المركزية في جوبا حيث أكد وزير رئاسة مجلس الوزراء دينق ألور أن حكومتة تمتلك احتياطيا نقديا يكفيها مدة خمسة أعوام من الآن، وقال ألور ل« الصحافة » « بدأنا فعلياً وقف ضخ البترول منذ لحظة الاعلان عن ذلك ، ولن يتأثر اقتصاد الدولة بتلك الخطوة فنحن نمتلك من النقد لتسيير الحكومة ما يكفينا لمدة خمس سنوات « . واعتبر الوزير الجنوبي أنه حتى وان تأثر الاقتصاد بوقف انتاج البترول فان ذلك أفضل بالنسبة لهم من أن ينهب من قبل الحكومة في الشمال ، وأضاف « لن نعود لمنشآت الشمال النفطية مهما حدث وهذا « طلاق ثلاثة « على حد تعبيره . مشيراً في ذات الوقت أن حكومته ستشرع في انشاء خط أنابيب جديد وأن ذلك لن يستغرق سوى عام واحد ، على الرغم من كلفة المشروع العالية . ويبدو أن الموانئ الكينية هي المرشح الأقرب والأقوى للاضطلاع بمهمة ايصال نفط الجنوب للعالم الخارجي. غير أن خبراء جيولوجيين يرون من الصعوبة بمكان انشاء خط أنابيب جديد يمر من دولة الجنوب الى جارها الجنوبي الشرقي كينيا وذلك لأن كينيا تقع في منطقة مرتفعة حيث الهضبة الكينية التي يزيد ارتفاعها نحو الغرب والجنوب الغربي ،ويتراوح الارتفاع بين 1.500 م و 2.500 م، أكثر من الدولة الوليدة مما يُصعّب من عملية إنشاء خطوط أنابيب تعمل على انسياب السائل الأسود داخلها بسهولة ويُسر . وحتى يكتمل بناء الخط الجديد فان جوبا ستعمل على نقل النفط بالشاحنات الى موانئ دول مجاورة لتصديره الى الدول الخارجية ، وقال وزير النفط الجنوبي في تصريحات صحفية ان حكومة الجنوب قامت بارسال خبراء أجانب لدراسة الآثار السالبة لعملية وقف انتاج النفط وكيفية تداركها مقللاً من مضاعفات الايقاف على آبار النفط . وتأتي تلك التطورات في الوقت الذي تقود فيه اللجنة الأفريقية التابعة للاتحاد الأفريقي برئاسة ثامبو أمبيكي جهودا لتقريب وجهات النظر بين الدولتين في القضايا العالقة وعلى رأسها قضية النفط ، وحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية العبيد أحمد مروح فان المفاوضات لم تُعلّق حتى الأن والعملية التفاوضية ما تزال مستمرة، وقال ل« الصحافة » من المنتظر أن تنظر الوساطة اليوم في وجهة نظر وفدي البلدين حول رؤيتها الخاصة في مسألة النفط تحديداً ، وكانت لجنة أمبيكي قد قدمت رؤيتها الخاصة بمسألة النفط أمس الأول وعلى ضوء ما ستتسلمه من تعليقات الطرفين ستحدد الوساطة ما اذا كان هناك تقارب في وجهات نظر الطرفين أم لا ، غير أن دولة جنوب السودان قد حددت خيارها الذي لا رجعة فيه ، وأقر دينق الور بفشل لجنة أمبيكي قبل الاستماع لما تم التوصل اليه في أديس أبابا، قائلاً « ما لم تحدث مبادرة جديدة في المستقبل فان مبادرة أمبيكي فشلت في الوقت الراهن في تقريب الشقة بين الدولتين «. ويرجح اقتصاديون ان تعود جوبا الى رشدها سريعاً ، لأن القرار الذي اتخذته تترتب عليه شروط جزائية ضخمة من قبل الشركات الأجنبية المساهمة في انتاج النفط وعلى رأسها الشركات الصينية حيث أوضح السفير الصيني في الخرطوم لي شيغ عدم تلقي بلاده اخطارا من حكومة جنوب السودان بالقرار حتى الآن، مشيرا الى أن القرار سيكون أحاديا «لعدم اخضاعه للتشاور مع الشركات العاملة فيه « ، وأشار شيغ -في تصريحات صحفية- الى صعوبة القرار «اذا ما تم تنفيذه»، وألمح الى استحالة تنفيذه «لوجود اتفاقيات وارتباطات تلزم جميع الأطراف بمواصلة الانتاج»، محذرا من مغبة القرار الذي من شأنه أن يلحق أضرارا بجميع الأطراف لكن ما يبدو مستحيلاً لدى الصين بدا ممكناً لدى حكومة أحدث دول العالم التي أبلغت الأممالمتحدة والاتحاد الافريقي بخطوتها ، كما قامت أيضاً باخطار الشركات المستثمرة في مجال النفط بما فيها الشركات الصينية غير أنها اخطرتها من باب العلم وهي لا تخشي من أن يوقع عليها أي جزاءات مالية جراء اتخاذها قرار ايقاف الانتاج لأن العقودات الموقعة في وقت سابق تم توقيعها مع حكومة السودان وليس حكومة جنوب السودان وفق « دينق الور» الذي أكد أن القرار الذي أتخذته حكومته هو قرار سيادي لن يسمح لأي كائن بالتدخل فيه وأن تبعاته مهما عظمت فانها أهون من سرقة نفطهم من قبل الشمال . .