الزواج نهج حياتى أوجده الله منذ بدء الخليقة، وذلك عندما خلق أمنا حواء لتكون زوجا لأبينا آدم عليه السلام، وهذا يؤكد أن الزواج أمر أساسى فى هذه الحياة، لأنه يحقق الكثير من الأهداف الربانية والمهمة لعبادته سبحانه وتعالى ولحياة الإنسان فى هذه الدنيا، ولعل من أبرزها الراحة النفسية والسكينة اللتان توفران للشخص مناخا مريحا ودافعا قويا لكى يؤدى دوره الذى خلق من أجله، وكذلك للإبداع فى هذه الحياة، لذلك فقد اهتم الإسلام بأمر الزواج وحض عليه بصورة واضحة، وأمر بتيسيره حتى يكون سهلاً لكل شاب وفتاة، فقد قال سبحانه وتعالى: «وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم» إلخ الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشرالشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. ومن الأشياء المهمة والتى يترتب عليها استقرار الحياة الزوجية بين الزوجين، هى عملية اختيار الزوج أو الزوجة، حيث نراها فى الكثير من الأحيان تأخذ طابعا ماديا ومظهريا، رغم أن الله سبحانه وتعالى قد نبهنا لأشياء مهمة، إلا أنها لا تجد أى نوع من الامتثال من الناس وذلك بقوله تعالى: «لأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم». وفى السودان نجد أن عملية اختيار الزوجة أو الزوج ومعاييرها شهدت تبايناً خلال العقود الخمسة الأخيرة، فقد كانت الأجيال السابقة من آبائنا وأمهاتنا يتزوجون بطريقة معينة تتبع نظاماً ثابتاً لم يشذ عنه إلا قلة، وهى الطريقة المعروفة ب «غطى قدحك» بأن يتم تزويج الشاب وبعد بلوغه بسنة أو سنتين من ابنة عمه أو خاله، وطبعا ولى الأمر هو من يتكفل بمصاريف الزواج، وقد استمرت هذه الطريقة لعشرات السنين، حتى جاء الجيل الذى نال حظاً جيداً من التعليم وتغرب، فحدث الانصهار بين القبائل خاصة فى المدن. وأصبحت هنالك حرية فى عملية الاختيار، بحيث يتم الاتفاق أولاً بين الشاب والفتاة على الزواج، ويتوج بالموافقة من أسرتيهما بعد التأكد من النواحى الأخلاقية وغيرها لكلا الطرفين، ونجد أن ظاهرة الزواج من خارج العائلة أو القبيلة انتشرت فى فترة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى بصورة أكثر، وكانت أكثر رواجاً بين فئة المغتربين، إلا أنها أحيانا كانت تأخذ طابع المزاوجة ما بين المال من جانب المغترب والحسب أو العلم والجمال من جانب الفتاة. ولكن ومن الملاحظ أنه وبعد ثورة الاغتراب في الزواج فى تلك الحقبة التى ذكرناها، وبالذات فى العقدين الأخيرين، أن هنالك عودة من قبل الشباب إلى طريقة «غطى قدحك»، فمن خلال متابعتنا للزيجات التى تمت نجد أن الكثير منها يكون داخل نطاق العائلة والأقارب، سواء أكانوا من الدرجة الأولى أو الثانية أو الثالثة، مع اختلاف واضح فى الطريقة المتبعة في «غطي قدحك» هذه الأيام، فالاختيار يكون فى الغالب برغبة الطرفين دون إجبار أو تقييد من جانب أولياءالأمر من الجانبين، وأن هنالك استقلالية فى الجانب المالى بحيث يتكفل الشاب بمتطلبات الزواج بصورة كبيرة. «الصحافة» استطلعت آراء بعض الشباب المتزوجين من الأهل عن الأسباب التى أدت للجوء العديد من الشباب والشابات للزواج من الأقرباء، حيث تحدث «م.ع» وهو متزوج من ابنة عمه، قائلا: إن من أسباب عودة ظاهرة الزواج من الأهل بصورة مكثفة ضيق ذات اليد عن البعض، باعتبار أن صلة القرابة تجعل الأسرتين يتجاوزان الكثير من الأشياء والمستلزمات الزواجية. وقال إن هنالك أسباباً تتعلق بمستقبل الحياة الزوجية، مشيراً إلى أن الشاب والشابة يريان أن ما يجمعهما من قرابة يجعل تفاهمهما أكثر يسراً. كما تحدث إلينا «ز.ن» الذي يعمل موظفاً ومتزوج من ابنة خالته، قائلاً إنه عندما فكر فى الزواج لم يكلف نفسه عناء البحث، حيث قال إنه حصر تفكيره فى بنات أهله، مرجعاً ذلك لعدم وجود عقبات كثيرة كالتي تكون فى حالة تغربه، وأكد أن زواجه من ابنة خالته تم بصورة مبسطة ولم يرهقه. إلا أن «أ. ك» تاجر ومتزوج من غريبة، اختلف مع النموذجين السابقين، حيث قال إن الزواج من خارج الأهل أفضل من نواحٍ كثيرة، منها كما قال إن فيه تغييراً للزوجين وخلق روابط اجتماعية جديدة، وإن هذا الأمر يجنى ثماره الأبناء فى المستقبل، وقال إن زواج الأقارب فى حال حدوث أية مشكلة قد تتسبب فى قطيعة وخصومة بين الأشقاء والأهل. بعض خبراء الاجتماع والنفس قالوا إن لجوء العديد من الشباب إلى الزواج من الأهل فى السنوات الأخيرة، جاء نتيجة لأسباب سياسية واجتماعية عديدة، منها تفشي الجهوية والقبلية فى المجتمع بعد أن نسيها الناس لفترة طويلة، مؤكدين أن هذه الظاهرة حصرت علاقات الناس الاجتماعية فى نطاق الأهل والقبيلة، مشيرين إلى أن الزواج يكون فى الغالب نتيجة للعلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، فكلما كان المجتمع منصهراً بقبائله المختلفة كانت النتيجة زيجات متنوعة دون تقييد بصلة قرابة أو قبيلة، وقالوا إن العامل الاقتصادى يلعب دوراً فى ذلك أيضاً، مشيرين إلى أن زواج الأقارب لا يرهق الشاب، بينما يكون هنالك نوع من المغالاة فى حالة الزواج من غريبة بسبب التفكير المادى من جانب معظم الأسر.