تلقيت حزمة رسائل عقب نشر مقال «حكومة نساء المغتربين من يسقطها؟!»، وقد حفلت بردود واسعة من قبل رجال ونساء، تراوحت بين مؤيدٍ لحقيقة علو صوت «بعض» سودانيات المهجر على الرجال، بينما صبَّ البعض الآخر جام غضبه على المقال رافضين حقيقة أن تكون نساء المغتربين يسيطرن على رجالهن.. وفضل فريق آخر أن يتنفس عبر الشبكة العنكبوتية «لهم جميعاً الشكر والتقدير». حقيقة عندما كتبت المقال لم أتحسب لأية ردة فعل غاضبة او مستحسنة، فالحديث الذي جئت به، ليس من بنات أفكاري، بل هو واقع يمشي على ساقين في أرض المهجر .. وبطبيعة الحال عندما نتحدث عن «نساء يمسكن بزمام الأمور» فإننا نقول «بعض النساء»، فالتعميم في هذه الحالة يبقى فعلاً لا ينطبق أبداً على الكل، كما أن القصة ليست هي معركة لإثبات الذات، ولكنه واقع يصعب علينا الفكاك منه بإنكار أن بيننا وفي بيوتنا نساء باطشات، وللأسف في أحيان كثيرة يتصرفن في تدبير شأن الأسرة، بل وتقرير مصيرها.. وإلا كيف نقنع النفس الأمارة بالسوء أن سودانية ينتقل زوجها الى الدارة الآخرة تصرُّ بإلحاح على أن تبقى بالغربة.. وأخرى تفتح حسابات بنكية باسمها بالسودان في حين زوجها لم تطأ قدمه السودان إلا قبل «20» عاماً.. وغيرها تبيع وتشتري، وصاحبنا آخر من يعلم، وهناك من أُصيب بالشلل، في حين ترفض المدام فكرة الحديث عن العودة.. ومنهم من انقطع عونه لأسرته الكبيرة «بفعل فاعل»، في حين أصبحت الغربة أحب إليه من الديار، التي ربما لا يعود اليها البعض حتى داخل «صندوق»، وحينما نتحدث عن العودة ندرك ما تعانيه بلادنا من مشكلات وأزمات توجع القلب وترهق البدن، ولكن أليس من سنة الحياة أن نعود يوماً إلى حضن الوطن مهما بلغت حدة شظف العيش خاصة إذا ألمت بنا ظروف تجعلنا عاجزين عن تدبير شأن أسرنا. «يا نفس ويحك في التغرب ذلةُ فتجرعي كأس الأذى وهوان وإذا نزلت بدار قوم دارهم فلهم عليك تعذر الأوطان وهناك المزيد من القصص المؤلمة التي تجسد حقيقة المعاناة، ورغم ذلك يبقى القطاع العريض من المغتربين السودانيين معافى من هذه الفواجع، ولعل الذين يعانون من الدوران في فلك المدام هم الذين أمسكوا زمام الأمور لزوجاتهم كاملاً، وكأني بهم يقولون لها فكري واعملي ما ترينه مناسباً»، وحينما تجد «بعض» من بنات حواء سانحة منحها فرصة التفكير والتدبير «وحدها» فحتماً أن الأمور «غالباً» لن تسير كما ينبغي لها، في حين ينسحب «صاحبنا» المغلوب على أمره من الحياة العامة وبإرادته. نعم هو واقع يحتم علينا جميعاً أن ندير نقاشاً موضوعياً بدلاً من دفن رؤوسنا في الرمال، فإنكار الظاهرة لن يلغيها، لأنها حية تتغذى من إهمالنا لها. .. دعوني أعدل عن دعوتي «بإسقاط حكومة نساء المغتربين».. لإصلاحها فقط، وليس إسقاطها.. «واعذروني» للتراجع، لأسباب «داخلية».