لم تعد لهم أية ذرائع ليعتمدوها في الحاق المزيد من الأذى بالوطن العربي وشرذمته وتحويله الى كيانات هزيلة لا حول لها ولا قوة ولا تستطيع البقاء الا بالمعونات التي لا تمنح الا باشتراطات مذلة. إن النموذج العراقي الماثل للعيان هو المطلوب ان تكون عليه بقية البلدان العربية العريقة فما الذي فعله العراق ليلحق به كل هذا العدوان الذي لم يلحق بشعب؟ كيف جيّشت القوى العظمى حامية الحمى والمدافعة عن الديمقراطية وحقوق الشعب كل جيوش الحقد هذه لتفعل ما تفعله بالعراق الواحد المتجانس الذي لم يعرف الطائفية رغم انه يتكون من مجموعة أعراق وديانات ولكن الأكثرية العربية كانت تحتضن الجميع وتضمهم الى صدر الكيان الواحد والانتماء الواحد والهوية الواحدة؟ وقد فضحهم الزعيم القذافي من منبر منظمتهم المسماة منظمة الأممالمتحدة، وأظهرهم مخادعين لا يهمهم أمر الشعوب بل مصالحهم، وكانت تساؤلاته محرجة لهم لأنهم لا يعرفون جوابا عنها، سألهم عن العراق فطأطأوا رؤسهم لأن عملية ذبح هذا البلد العربي الكريم مازالت متواصلة حتى اللحظة هذه حيث تتقاتل الدمى الطائفية على وزارات ومجلس نواب مهما كانت تظل في المحصلة الأخيرة تابعة للاحتلال ومشاريعه في المنطقة العربية. ولعلنا نسأل ايضا : ماذا يريدون من اليمن؟ ولماذا يشعلون فيه حربا طائفية ضحاياها هم من أبنائه البسطاء الذين كانوا دائما متآخين في اليمن الذي وصف بالسعيد؟ ثم ها نحن أمام الجرح القديم الجديد، جرح السودان البلد العربي العريق الذي تآخت فيه هو الآخر الأكثرية العربية مع الأفارقة في كيان كان دائما وأبدا سيدا، حصلت فيه انقلابات عسكرية وصراعات على السلطة ولكن طبيعة الانسان العربي السوداني المتسامحة الميالة الى السلام والهدوء كانت هي المنتصرة دوما. ومن يقرأ ابداع هذا البلد الذي عرفناه في روايات الطيب صالح وأشعار محمد الفيتوري وسيد أحمد الحردلو ومن جاء بعدهم من المبدعين ستستوقفه نبرة المحبة والأمان والصدق بل والتحدي الذي يبوح به ابداعهم. لكن المؤامرة على السودان لا حدود لها فبعد حرب الجنوب التي تواصلت عدة سنوات استطاعت قيادة الرئيس البشير وضع حد لها، وهي الحرب التي اجهدت البلد وأوقفت الكثير من المشاريع الاقتصادية والزراعية والعمرانية، ها هو البلد يواجه تحديا آخر، اذ ان دعاة حقوق الانسان الذين لم يقاضوا القتلة الحقيقيين، قتلة الشعب العربي الفلسطيني قادة الكيان الصهيوني، وقتلة الشعب العراقي من أمريكان وبريطانيين يتوجهون الى دارفور السودانية لا حبا في أهلها ولكن لما تحويه من خيرات وعلى رأسها النفط فيعملون على تحويلها الى مثقب للاطاحة بنظام الرئيس البشير بل والدولة السودانية، وليس بمستغرب أن تحتضن اسرائيل مكاتب احدى المنظمات المسلحة التي تتحدث باسم دارفور. لقد وظفوا ما يجب ان تكون محكمة جنايات دولية حقا نرى فيها كل القتلة الحقيقيين وهم معروفون بأسمائهم وأفعالهم انحرفت عن مسارها وذهبت الى الرئيس البشير وأصدرت بحقه مذكرة إلقاء قبض لم يتوقف عندها بل تحداها وأقسم أن لا يسلم أي سوداني لها. وكل هذا كما وصفه مستشار الرئيس السوداني الدكتور قطبي المهدي في حواره مع (الشروق) بأنه (مشروع أمريكي صهيوني لتمزيق السودان). وعندما عجزت هذه المحكمة أمام التحدي الذي أبداه الرئيس البشير صعّدت من الموضوع وأعطت تعليماتها الى مدعيها العام لويس مورينو أوكامبو الذي يستعمل أداة لتنفيذ مآرب من هم اكبر من هذه المحكمة التي يأمل الكثيرون في أن لا تحيد عن خطها وأن تطارد اعداء الشعوب الحقيقيين وقتلتها. إن كل هذا الذي يجري ضد السودان ورئيسه يجعل المواطن العربي واضعا يده على قلبه إذ هناك غايات أبعد وبالنسبة الى السودان لن يكون أقلها تأجيج حروب لا أول لها ولا آخر ثم تعطيل الانتخابات القادمة التي ليس الرئيس البشير وحده المرشح لها بل هناك مرشحون آخرون من أحزاب سودانية معارضة وصندوق الاقتراع هو الذي يوصل كلمة الحق. وعداه (الفوضى) الدامية التي لن تكون (خلاقة) أبدا، وكأن ما جرى للعراق دولة وشعبا لم يكفهم. وها هم يستغلون (محكمة الجنايات الدولية) لملاحقة نظام شرعي تماما كما استغلوا مجلس الأمن لتدمير العراق. لكن ثقتنا بأهلنا في السودان كبيرة وأنهم سيفشلون كل هذه المساعي المعادية ويحمون بلدهم وكيانهم السياسي من الهرم الى القاعدة الشعبية ونحن واثقون من هذا وجرح العراق فينا مازال يهمي دما ويقول لنا: حاذروا، ردّوا كيدهم ٭ صحيفة الشروق التونسية- 6 فبراير 2010م