قبل أيام..وبالتحديد فى الثانى من أبريل ينشط العالم كله فى التضامن مع مرضى التوحد ،لعلكم تذكرون الطفل مأمون والذي أطل علينا عبر شاشة التلفزيون قبل بضع سنوات لقدراته المذهلة في عمليات الحساب من قسمة وضرب مطول. ولعل البعض منكم من عشاق السينما يذكر فيلم رجل المطر (Rain Man) بطولة داستن هوفمان والذي يحكي قصة رجل يعاني من قصور عقلي وفي نفس الوقت يملك إمكانيات مذهلة في علم الرياضيات، تجلت هذه الإمكانيات في أن يحفظ هذا الرجل دليل التلفونات بكامل أسمائه وأرقامه في ليلة واحدة! هذان المثلان نسوقهما كنموذج لمرض التوحد (Autism) وهو مرض يصيب الأطفال قبل سن ثلاثة سنوات. كثير من الآباء وعامة الناس يخلطون ما بين إشارات النبوغ المبكر لدى الأطفال الطبيعيين وما بين أعراض مرض التوحد الذي يكتسب ضحاياه أحياناً مهارات لا تصدق في الرسم والموسيقى والعلوم الرياضية. إن طفل التوحد قد يكتسب قدرات عالية في العمليات الحسابية كما في المثالين اللذين أوردناهما في صدر هذا العمود، ولكنها مهارات آلية ونمطية لا تعين الطفل في أداء أبسط المهارات الأخرى التي يستوعبها الأطفال العاديون. تشير الدراسات إلى أن مرض التوحد تم اكتشافه عام 1943م وأن 75% من حالات الإصابة تكون وسط الذكور كما أن نسبة انتشار المرض هي (1-500) شخص، وتوجد أكثر من (500) ألف عائلة متأثرة بهذا المرض في بريطانيا وحدها. ما هي أعراض مرض التوحد لدى الطفل المصاب؟ المرض له علاقة مباشرة مع السلوك حيث تكون لدى الطفل صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية، ولا تكون لديه القدرة على تحسين لغة التخاطب وتطوير سلوكه وعاداته. مريض التوحد يصعب عليه تكوين علاقات حميمة مع أهله ومن هم حوله لأنه لا ينظر إلى العين بشكل مباشر حيث تتم مخاطبته. طفل التوحد لا يحب أن يمسك أحد بيده ولا حتى يعانقه ولا يستجيب لأي نداء ولا يرفع وجهه ليرى المتحدث ولا يحب أن يغير ترتيب أو لون أو ملابس أو أي شيء من البيئة المحيطة به، وهو يميل إلى الروتين في حياته ويتضح هذا في تكراره لسلوك معين بشكل روتيني. فأطفال التوحد يلعبون بشكل روتيني ومتواصل ولا يستفيدون من هذا اللعب لأنه لا يوجد لديهم خيال. أيضاً طفل التوحد قد يكون نشطاً أكثر من المعتاد، أو تكون حركته أقل من المعتاد مع وجود نوبات من السلوك غير السوي كان يضرب رأسه بالحائط بشكل متوالي، أو يصر على الاحتفاظ بشيء ما أو التفكير في فكرة بعينها وقد يظهر سلوكاً عنيفاً وعدوانياً على نفسه والآخرين. إذا أراد طفل التوحد على سبيل المثال شيء ما فهو لا يتحدث إلى أمه بشكل مباشر أو يشير إليه بل يضع يد أمه على الشيء الذي يريده بدون كلام. أطفال التوحد يكون لهم رد فعل بالبكاء والصراخ عند الشعور بالألم، ولكن المخيف أن مريض التوحد لا يشعر بالخطر المحيط به حيث أنه من الممكن أن يضع يده على النار لتحرقه ولا يشعر أن هذا خطأ، وقد يعبر الطريق بدون أن يحس بالخوف من خطر الاصطدام بسيارة وهم للأسف لا يتعلمون من أخطائهم. نأمل أن يكون ما أوردناه قد أسهم ولو بقدر ضئيل في تسليط الضوء على هذا المرض الذي اتفق العلماء على أنه إعاقة نمائية تحدث في الطفولة وتستمر طوال العمر، وهي دعوة للمختصين لإبداء الرأي وتوضيح الخيط الواهي الذي يفصل ما بين هذا المرض والنبوغ المبكر والعبقرية.