٭ عاد إلى أرض الوطن - بعد غياب - الدكتور عبد السلام نور الدين، وهو - الآن - محل حفاوة الأهل والأصدقاء والزملاء والأحباب والتلاميذ. ٭ ولا شك، عندي، أن د. عبد السلام، عندما وطئت أقدامه مطار الخرطوم، أخذ (نفساً طويلاً)، وأنشد في داخله مع محمد المكي ابراهيم: (هذا المطار من دون المطارات يعرفني). ٭ منذ أن بلغ قلمه الحلم، واستوى على الصحائف عرفت أقدامه الترحال، وصار أقرب إلى (الظاعن) من المقيم، يبدو لي هذا واضحاً في سيماه وقلقه وتوقه للمغامرة و(المقامرة) على مستوى التجريب في الفكرة والكتابة. ٭ عبد السلام نور الدين من مواليد أبو زبد، درس فيها الأولية، وانتقل إلى النهود في المرحلة الوسطى، وتخرج في الفاشر من مدرسة الفاشرالشرقية. ٭ ثم جاء إلى الخرطوم (العاصمة)، ليلتحق بالجامعة في يوليو 2691م ، ولم تك المرة الأولى، التي يزور فيها الخرطوم، سبق أن جاءها في 51/21/0691م وقضى بها اسبوعين ضمن طلاب (الكديت)، الذين عسكروا في خور عمر - وعاد ثانية إلى مسقط رأسه في 2/1/1691م. ٭ في المرة الأولى، كانت (جيته) إلى الخرطوم - عفو الخاطر - بقطار الغرب و(قطار الغرب يدمدم في إرزام تتساقط أغشية الصبر المترهل حين يجيء ألوان الجدة في وديان الصبر تضيء والريح الناشط في القيعان يمر يا ويل الألوية الرخوة يا ويل الصبر) ً٭ وفي المرة الثانية، كانت جيته للخرطوم، (للحذف والإضافة) ولعشقه بال (الترحال)، غادر الخرطوم إلى براغ، (براغ المعسكر الشرقي حين كان المعسكر الشرقي في عنفوانه) ، ألم أقل إنه أقرب ل(الظاعن). ٭ وفي تيشكوسلوفاكيا، درس الفلسفة (ماجستير ودكتوراة) في جامعة كارولينا - وخلال دراسته إبتعثته الجامعة إلى المانيا، (الشرقية آنذاك بالتحديد) حيث درس الألمانية، في جامعة هالا وعمل معيداً في الجامعات الألمانية. ٭ عبد السلام نور الدين (وفق أوراقه الثبوتية): فارع كالجبل - لا ككل الجبال -، وإنما ذات الجبل الذي حادثه ابن خفاجة الأندلسي وتحادث معه: أرعن طماح الذؤابة باذخ، يطاوع عنان السماء يغارب، يسد مهب الريح من كل وجهة ويزحم ليلاً شهبه بالمناكب، وقور على ظهر الفلاة كأنه طوال الليالي مفكر في العواقب. ٭ وعبد السلام، عذب كالماء، لا ككل المياه - وإنما ذات الماء الذي (يسكبه النيل فيسبك عسجداً، والأرض يغرقها فيحيا المغرق). ٭ وعميق كالغابة، لا ككل الغابات، وإنما ذات الغابة، التي اختال فيها النمر.. النمر الذي خاطبه الشاعر الإنجليزي وليام بليك: هل الذي خلق الحمل الوديع هو الذي خلقك أيضاً؟! ٭ وفي يقيني، أن د. عبد السلام، قرأ بليك، ودورزوث، وشيلي، وكيتس واليوت.. بذات الطريقة التي قرأ بها المجذوب، وعبد الحي، وعالم عباس، وفضيلي جماع، وغيرهم، والسياب، وحجازي، وأمل دنقل، وغيرهم. ٭ وفي يقيني، أن انفتاح د. عبد السلام، على أمهات الكتب العربية والإسلامية، باكراً، هو الذي دفعه ليصطحب أبا الطيب المتنبي لاحقاً. كان لأبيه (نور الدين) خلوة، وفي الخلوة (اختلى).. والخلوة تمنح المختلي ما لا تمنحه لغيره. ٭ وصف د. عبد السلام، في كتابه (العقل والحضارة)، أبا الطيب المتنبي ب(الشاعر الحكيم)، وفي كتاب له (تحت الطبع)، وصف المتنبي بأنه (شاعر بلا قلب). ٭ قرأ عبد السلام كثيراً وهضم ما قرأ وتجول مع الفلاسفة والمفكرين، وتوقف (برهة) مع هيجل وماركس، واصطحب فلاسفة الشرق والغرب، من لدن القرن الثامن عشر، ومشى معهم الخطوة بالخطوة. ٭ ثم أضافت له الغربة (قيمة مضافة) يستحق ديوان الضرائب أن يأخذ عنها نصيباً. ٭ عمل د. عبد السلام باليمن لفترتين، وعندما احترقت صنعاء، نُهب بيته، وخرج منها بشنطة (صغيرة).. وفترة عمله باليمن جعلت منه خبيراً في الشأن اليمني: تاريخاً وثقافة وسياسة. ٭ ثم اتجه إلى (العالم الأول) وهو الآن يعيش في بلاد (تموت من البرد حيتانها). ٭ عندما كان أستاذاً للفلسفة في جامعة الخرطوم، كنت أزوره يومياً، وكنت مأخوذاً بطريقته في تعامله مع تلاميذه، وهي عندي، أقرب لما عبر عنه الشاعر محمود درويش حين قال مخاطباً شاعراً شاباً: لا تصدق خلاصاتنا وابتدي من كلامك أنت كأنك أول من يكتب الشعر أو آخر الشعراء كنت أعتبر حديثه في الفلسفة (زهرة جميلة على مقبرة) وأتحسس عنفوان مفرداته، وحماسته بعيدة المدى، لأصول الفكر، (يضع الهامشي إلى جانب الجوهري.. يأخذ الجنين ويكشح الموية)، بحذاقة ومهارة بذات الطريقة التي كانت تكشح بها أمي (فرحين) عليها رحمة الله. (اللقيمات على الصاج): ٭ (الله.. الله عليها ست البنات أمي.. الله.. الله على عينيها التي لولاها، ما أمسك أبي (بالطورية) وزرع النخلة الله.. الله على مسايرها التي لولاها ما تحدث أبي، فأحسن القول فاستقام المعنى.. رحمة الله عليها ست البنات أمي..) ٭ قال شوقي بغدادي في قصيدته (اقتناص اللحظة) باحثاً عني/ ولا أبصر إلا الآخر الساكن في بيتي / وفي غرفة نومي وعلى الأدراج والأسطح/ وفي الفجوة بين نعاسي وانتباهي قلت لشوقي بغدادي (حين التقيته في بيروت): لعلك تعني شخصاً بعينه رسماً واسماً ووجهة؟! اكتفى برشفة من فنجان قهوة، واكتفيت أنا بتقليب كتاب الدكتور عبد السلام نور الدين (العقل والحضارة).. كان للتو خارجاً من المطبعة وكنت أعمل - آنذاك - بدار التنوير البيروتية - ، كنت سعيداً أيما سعادة وأنا أهاتف (الزنابيلي) المدير العام لدار التنوير (وكان وقتها بالخرطوم): كتاب عبد السلام طلع!! التهمته كما يلتهم الجائع رغيف الخبز الساخن، قبل أن أعود للخرطوم، وعندما عدت إلى الخرطوم، لم يفارقني إلا لماماً. ٭ حاز د. عبد السلام نور الدين، على (نصف دين) في العام 1977م بزواجه من إحسان خضر الطاهر، وله من الأبناء وضاح (وضاح اليمن، كتب كتابه على مغربية من طنجة - ونحن من الشاهدين). وبجانب وضاح، ناظم ونور الدين ونوار. ٭ وله من الاخوة والأخوات: (من الأب.. عبد الله وابراهيم وحماد واسحق وعمر وشارفة)، و(من الأم: عبد الله وابراهيم والأطرش وكلثوم). ٭ وله من الكتب والأبحاث: (العقل والحضارة) و(النزاع بين الحقيقة والشريعة) و(قراءة تحليلية لدولة المدينة) و(الإسلام والمجتمع المدني) و(ولاية المرأة على نفسها)، و(الجذور الوثنية للحجاب) و(البحر الأحمر) و(مأزق القرية السودانية) و(الفارابي) و(ابن سينا) و(ابن رشد). ٭ د. عبد السلام نور الدين في الخرطوم، (سأصطحبه لاصطياد السمك، معي الطعم وعلبة تبغي، وعيني مدّربة، ومعي الأصدقاء - يستريحون على الجرف - شبكتي محكمة، والسنارة جاهزة، والبحر غريق، ومع هذا من يضمن لي أني سأعود بالسمك)!!