الفكر الصوفي والسلفي ظلا متلازمين ومتعايشين منذ دخول الاسلام في السودان، لم تفرق بينهما اختلاف الرؤى والأفكار، كل منهم يدعو الى منهجه في حريه كاملة ،الا من بعض الأحداث الصغيرة التي يتبوأ اثمها الجهلة من الجانبين. هذه السماحة في العلاقات تجلت في اسمى معانيها في زمن دولة الفونج، حيث عين الشيخ دشين قاضيا على أربجي، وكان سلفيا صرفا، يتمسك بالنصوص الشرعية الظاهرة ،وقصته مع الشيخ الهميم خير دليل على ذلك. الشيخ الهميم بن عبدالصادق بن مالك أخذ الطريقة الصوفية من الشيخ تاج الدين البهاري، حيث تزوج وجمع بين بنات ابوندوره في رفاعة ، مخالفا بذلك النصوص الشرعية في نكاح الاختين في آن واحد، كما جمع بين بنات الشيخ بانقا الضرير خادم الله وكلتوم ، وتبدأ القصة كما رواها البروفسور يوسف فضل في كتابه الطبقات (ص 318) ان قدم الشيخ محمد الهميم الى اربجي يوم الجمعة ، وحضر الصلاة في الجامع الكبير ، وعند انتهاء الصلاهة ، خرج وركب حصانه ، فصادفه القاضي دشين وانكر عليه زواج الاختين ، فامسك لجام الفرس وقال له:( خمست وسدست وسبعت ، وكمان تجمع بين الاختين ، تخالف كتاب الله وسنة نبيه) ، فقال له الشيخ الهميم:( الرسول اذن لي )) فرد عليه القاضي دشين ( جميع هذه الانكحة فسختها) فرد عليه الشيخ الهميم قائلا :( الله يفسخ جلدك) وشطح وقال قصيدة طويلة في هجاء الشيخ دشين كان مطلعها: فان كنت يا قاضي قرأت مذاهبا فلم تدر يا قاضي رموز مذاهبنا قطعنا البحار الزاخرات وراءنا فلم يدر الفقهاء أين توجهنا ويقصد بالفقهاء هنا المتمسكين بظاهر النصوص الشرعية وهم السلفيون وكان الشيخ فرح ود تكتوك يساند القاضي دشين في تمسكه بالنصوص الشرعية، (وهو امام الموحدين السلفيين في السودان) فاعجب بحكمه ، ونظم قصيدة طويله يمدحه فيها وكان مطلعها: وين دشين قاضي العداله ..................المابيميل للضلاله نسله نعم السلاله............................الاوقدوا نار الرساله تلك صور ونماذج من الفكر الصوفي والسلفي في تاريخ السودان الوسيط ، لم يتعاركوا ، ولم يتنابذوا، ولم يقذف بعضهم بالحجارة والعصي ، وإنما كان سجالا فكريا راقيا. وفي أيامنا هذه ، كان شيخ الاسلام، الشيخ محمد هاشم الهدية (رحمه الله)) ذلك الشيخ الورع التقي الزاهد ، يحب معظم شيوخ الطرق الصوفية و يحبونه ، رغم إختلاف الأفكار، عملوا سويا في كل المناشط الدعوية والاجتماعية والسياسية المختلفة، وكان يعلم تماما ان العدو واحد، لا يفرق بين سني وصوفي، وعلى نهجه سار شيوخ انصار السنة، الشيخ ميرغني عمر( رحمه الله) والشيخ الدكتور اسماعيل عثمان(أطال الله في عمره). يبدو ان هذا التآلف والاخاء، قد ازعج كثيرا أعداء الاسلام والدين ( وهم العنصر الثالث المفقود) فعمدوا علي زرع الفتنة بينهم ، ففعلوا فعلتهم بضريح الشيخ أرباب العقائد وضريح الشيخ ودحسونة، واضرموا النار في خيمة انصار السنة المحمدية، وقذفوهم بالحجارة في المولد النبوي الشريف، حتى يفرقوا بينهم ويمرروا مخططتهم في الفترة القادمة ، حيث الصراع حول الهوية والاسلام ، وبالضرورة سوف يتحد جميع اهل القبلة ( انصار السنة السلفيون صوفية أخوان مسلمين وجميع الاحزاب ذات التوجه الاسلامي)، وفي الجانب الآخر سوف يجتمع كل الرافضين لذات التوجه والكارهين له، دعاة العلمانية، تقودهم الحركة الشعبية لتحرير السودان، من دولة الجنوب، ومن ورائهم اليهود والصليبيون والماسونية، وكل ملة الكفر والشرك. وعليه نرفع صوتنا عاليا محذرين كل طوائف المسلمين واهل القبلة من تلك المخططات والمؤامرات التي تستهدف وحدتهم تمهيدا لما هو قادم، والا ينساق علماء وشيوخ الطرق الصوفية والسلفيون وراء هذه الفتن ، والعمل على كشفها ، وتجا وز الازمات والتي سوف تتكرر في قادم الايام، والنظر الى الهدف الاستراتيجي البعيد، وهو الوحدة والعمل على اقامة الشريعة ،ونشر الاسلام في السودان، والقارة الافريقية،بل في جميع قارات العالم . وحتى نكشف خبراء التآمر، لابد من متابعة المندسين بين الصفوف والذين ينفذون هذه المخططات ، وتقديمهم للمحاكمة، والتحقيق معهم، وصولا الى الجناة رأس الفتنة والشقاء، ندعو الله ان يوحد بين اهل القبلة في السودان ، لاعلاء راية الاسلام خفاقة في ربوع هذا الوطن الحبيب ، وان يجنبه الله الفتن ما ظهر منها وما بطن انه سميع مجيب.