فى خضم مشاكل السودان السياسية والأمنية، والإقتصادية، فجر السيد الصادق المهدى إمام وزعيم الأنصار أزمة فكرية أخرى تضاف إلى أزمات السودان التى لاتنتهى ، فى وقت نحن أحوج مانكون فيه إلى حلول أزماتنا الطاحنة ، فا لجو السياسى ملبد بالغيوم فى كل جانب ،فالصراع فى جبال النوبة والنيل الأزرق ،ودارفور- والصراع حول النفط مع دولة الجنوب ،وبركان أبيى المنتظر ،بالإضافة إلى المؤامرات الدولية التى تحاك ضد السودان،من تدخل المنظمات الأممية والخارجية الأمريكية حول تصريحاتهم عن الممرات الآمنة فى جبال النوبة والنيل الأزرق، أضف إلى ذلك الأزمة الإقتصادية الخانقة التى تمر بها البلاد وشقى بها العباد، بسبب الغلاء وارتفاع الأسعارللحاجات الضرورية. كل هذه التحديات الأمنية والسياسية والإقتصادية ،لم تلفت نظر الإمام السيد الصادق المهدى ،لتكون له مدخلا على الأقل لتحريك الشارع السودانى من أجل إسقاط النظام القائم كما يمنى السيد الصادق نفسه بذلك ، بل أيقظ فتنة كانت نائمة بفتواه الأخيرة عن النقاب والحجاب، وكيفية صلاة المرأة بجانب الرجل، وما إلى ذلك. من الأمورالفرعية التى لسنا بحاجة إلى تداولها فى الوقت الراهن، حتى التوقيت الذى صدرت فيه الفتوى غيرمناسب، وكذلك المكان حيث كان السيد الصادق يخاطب منتدى شباب الأنصار،كان الأجدر بالسيد الإمام فى هذا الظرف أن يطلع شباب الأنصار على التحديات التى تواجه البلاد وكيفية مواجهتها ، بدلاًمن أن يشعل فتنة دينية ، وأزمة فكرية تضاف إلى مانحن فيه من أزمات ، ولعل أول ردفعل ماقامت به الرابطة الشرعية لعلماء السودان بتكفير إمام الأنصار والرابطة بهذه الفتوى زادت النار الملتهبة(عويش) كما يقول أهلنا فى كردفان، فما كان للرابطة أن تجارى الإمام الصادق فيما قال وأفتى سداً للذرائع، وتجنباً للفتن، فالإمام الصادق كما هومعلوم ومعروف زول كلام ومن نعوته المشهورة»أبو كلام» ودواعى كلام الإمام فى هذا الوقت بالتحديد قدنجد لها مبرراً،فصقورالمؤتمر الوطنى إستطاعت إختراق جدار الأنصاروخطف أحد العنا صر الأساسية وضمه إلى طاقم الحكومة العريضة،وهوالسيد العقيدعبد الرحمن الصادق المهدى،مساعد رئيس الجمهورية،على الرغم من قول الإمام الصادق أنه لايعرف أحداً بهذا الإسم فى هياكله التنظيمية. لكن الواقع أن الإنتماء لطائفة الأنصاربالفطرة والوراثة خا صة لآل البيت،أمثال العقيد عبدالرحمن الصادق المهدى، فلايحتاج إلى تجنيد، والمراقب لسلوك الإمام الصادق خلال الفترة الأخيرة يلاحظ إنفعاله السريع فى كثير من المواقف كغير عادته،كما حصل مع(الترابى) خلال الأيام الفائتة حتى تدخلت الأستاذة»هالة»فأصلحت بينهما،ونأمل أن تتدخل هالة «حق»بين الإمام الصادق وعلماء الرابطة الشرعية قبل اللجوء إلى القضاء كما صرح بذلك الإمام الصادق،فى حال عدم إعتذار الرابطة وسحب الفتوى التكفيرية لشخص الإمام حتى تصلح بينهما،وقديماً قيل «أصابت إمرأة وأخطأ عمر»فالرجال فى هذه الأيام إما مكنكش فى السلطة،و إما معارض يسعى لها، وإمامتفرج خائف على نفسه وأهله ،وعياله من صراع الفيلة،فالدوردوركن يا هالة . لاشك أن المستفيدالأول من هذا الصراع هو المؤتمر الوطنى ،فحتى ينجلى الموقف بين الإمام والرابطة التى لاشك أنها من أذرع المؤتمر الوطنى،ينصرف المؤتمرالوطنى لمواجهة خصومه الآخرين،الشعبيين والشيو عيين،ومن على شاكلتهم .لكننا نقول فى هذا المقام للسيد الصادق هذه معركة فى غير معترك،فلنؤجل هذه القضايا إلى وقت آخر،ولانشغل الناس بالنوافل وهم لم يؤدوا الفرائض بعد،فالسودان اليوم فى حاجة ماسة لكم ولشبابكم المنتشر فى طول البلاد وعرضها،من أجل تجاوز هذه المرحلة،بغض النظر عمن أوصلناها.المهم أنها حالة ماثلة أمام صاحب أى ضمير حي يقدر المسؤولية، فالوقت ليس للكلام،والإنشاء،والخطب المنبرية،التى تفرق ولاتجمع،وتخاصم ولاتعاون،نحن فى حاجة إلى أبناء الوطن المخلصين،ونحسب أن الإمام الصادق واحدمن هؤلاء،ولانريد له الغرق فى شبر»ماء».إن المنطق وواقع الحال يؤكدان أن هناك قضايا أكثر أهمية من القضايا المثارة الآن فى الساحة بين الإمام والرابطة الشرعية،فالتحدى الذى يواجهنا الآن وفى المرحلة المقبلة،هوتحدى هوية ووجود فى القارة الأفريقية،فأعداؤنا ينظرون إلينا كعرب ومسلمين مجردضيوف عابرين،أو مغتصبين،والآن المنابر العالمية تتحدث عما يسمى بحقوق الشعوب الأصلية فى القارة الأفريقية،وهناك منابر دينية عالمية تخطط لتنصيرأفريقيا بأجمعها. قبل عام(2050) م والتخطيط لانفصال جنوب السودان كبلد مسيحي يؤكد هذا التوجه الخطير.فإذاكان علماؤنا ومفكرونا يثيرون القضايا الإنصرافية الجانبية لشغل الرأى العام فى ظل التحديات التى أشرنا إليهاآنفاً فهذادليل على عدم قدرتنا فى ترتيب أولوياتنا.قبل سنين مضت أثار الترابى حديث»الذبابة»وحينها أصدرعدد من العلماء فتاوى بتكفيرالترابى،بل إن أحدالعلماء ألف كتابا أسماه»السيف المسلول على الترابى شاتم الرسول» وقديماً قيل إن جماعة ممن شاركوافى قتل ( الحسين ابن على رضى الله عنهما) ذهبوا ليسألوا عن قتل الذباب فى الحرم أيجوز أم لا؟فقيل:لهم أتقتلون سبط رسول الله وتسألون عن حرمة قتل الذباب؟ ولذلك نقول للسيد الإمام دع النساء وشأنهن،وإن كان لابد فالنصلح شأن الذين لايؤدون الصلاة اصلاً كفرض من النساء والرجال،والذين لايؤدون الزكاة،فى بلد أحوج مايكون الناس فيه إلى التراحم،والتعاون،فقضيتنا فى السودان ليست النقاب ولا الحجاب،ولذلك نرجو من قياداتنا السياسية والدينية أن ترتفع إلى مستوى الحدث، فالسودان تتآكل أطرافه،والنسيج الإجتما عى يتمزق بتفاعل الصراعات القبلية والجهوية، فمنطق الأولويات يقتضى البحث عن المشاكل والأزمات التى تعانى منها بلادنا، والإسهام فى حلها، بدلاً من إثارة الفتن الدينية، والعراك فى غير معترك.