في مهمة تحمل في ظاهرها الطابع الروتيني وصل الخرطوم منذ الخميس الماضي المبعوث الشخصي للرئيس أوباما الى السودان ، في مهمة عادية من حيث السياق على الرغم من تحديد أجندة بعينها ضمن جدولة الزيارة ، كما تم أيضاً وعلى غير ما جرت به العادة في الزيارات السابقة لذات المبعوث برتيسون ليمان ، إعلان وزارة الخارجية عن تفاصيل جدول الزيارة وتحديد الذين وافقوا على مقابلته من المسؤولين الحكوميين ، فمن المؤمل أن ينخرط ليمان ظهر اليوم في مباحثات مكثفة مع وزير الخارجية علي كرتي ،سيتم خلالها مناقشة قضايا إعفاء ديون السودان ورفع إسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب بالإضافة الى ملف القضايا العالقة مع جوبا . وفيما وصفت وزارة الخارجية زيارة موفد أوباما بالعادية مع الإبقاء على صفة اللاعادية على الظروف المحيطة بالزيارة وما تشهده من عمليات شد وجذب بين الدولتين الجارتين بسبب مايعرف بالقضايا العالقة وحسب المتحدث بإسم وزارة الخارجية العبيد أحمد مروح فإن الزيارة تمثل مدخلاً جديداً للحوار بين واشنطنوالخرطوم . وبدا لافتاً في جدول الزيارة ترتيب لقاء يجمع ليمان مع الوفد الحكومي المفاوض الخاص بملف النفط في مفاوضات أديس ابابا برئاسة إدريس عبدالقادر ، حيث يرى محللون أنه على الرغم من تأخر التدخل الأمريكي في مسألة النفط العالقة بين دولتي السودان وجنوب السودان إلاّ أن التحرك الأمريكي الأخير قد يحمل معه بوادر لانفراج الأزمة التي بلغت مداها إثر تعليق المفاوضات بين الجانبين نهاية الإسبوع الماضي . مرجحين في ذات الوقت أن يحمل ليمان في جعبته حزمة من التدابير التي قد تُجّسر الهوة بين البلدين ، لكنه وما لم يحمل رسالة واضحة من الخرطوم الى جوبا بخصوص الاتفاق على رسم عبور النفط فإن مهمة ليمان الأخيرة قبل رفعه لإدارته التقارير الخاصة بالسودان سيكون مصيرها الفشل ، فحسب المحلل السياسي الدكتور حمد عمر حاوي ل( الصحافة ) « تقاس مدى جدية وحرص واشنطن في وضع حلول للمشكل بين الشمال والجنوب بالضغوط التي ستمارسها على الدولتين لاسيما دولة الجنوب وذلك لأن جوبا ستستمع بإهتمام بالغ لكل ما يأتي من قبل الولاياتالمتحدةالامريكية الحليف الابرز لها « . ورغم ان موضوع الحوار الآن بين الشمال والجنوب يدور في ظاهره حول حقوق مادية يمكن ان يتم حسمها بالاستناد على التجارب العالمية ذات الصلة، فان جوهر ما يجري الآن هو حرب للارادات بين الخرطوموجوبا، فكل يريد ان يفرض ارادته على الآخر ليضع كلمة الختام في هذه الحرب الطويلة من جهة، ويوظف هذه الانتصار من جهة اخرى على صعيد الجبهة الداخلية التي يواجه فيها الطرفان تحديات تنموية وانسانية غير خافية ، حيث التكلس يصيب ملف النفط بشلل كامل . في الوقت الذي أوضح فيه العبيد مروح ل( الصحافة ) أن لقاء المبعوث الأمريكي بفريق التفاوض الحكومي يأتي إستكمالاً للقاء بدأه الطرفان في أديس ابابا ولم يصل الى خواتيمه وفضّل طرفا اللقاء أن يتم إستكماله في الخرطوم . ولأن مبعوث أوباما سيعمل على صياغة تقريره الخاص بالأوضاع على الأرض في السودان عقب عودته مباشرة لذا ستسعى الحكومة جاهدة الى إحاطته بكافة الحقائق بصورة جلية ، وهي إذ تفعل ذلك فإنها تكون قد رسخت لمبدأ إستمرار الحوار من أجل تقديم شرح تفصيلي لمواقف الحكومة وهو ما شدد عليه وزير الخارجية علي كرتي لدى توضيحه لأهم ملامح السياسة الخارجية للبلاد .الى غير ذلك فإن الخرطوم تسعى خلال هذه الزيارة للمبعوث الأمريكي التوصل الى صيغه مناسبة بخصوص ملف إعفاء ديون السودان الخارجية ووفق إفادة مسؤول حكومي ل( الصحافة ) فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد وضع ضمن ميزانية العام 2013 بنداً خاصاً بإعفاء ديون السودان ومن ثم رفعها الى الكونغرس ليجيزها بدوره ، وأضاف المسؤول قائلاً « وقطعاً فإن أوباما لدى وضعه بند إعفاء ديون السودان سيكون وضع في خط موازي لذلك الإعفاء حزمة من الشروط التي من المفترض أن توفي بها الحكومة السودانية « غير أنه لم يكشف عن تلك الشروط الملزمة للحكومة . لكن واشنطن وعقب إيفاء السودان بالتزاماته تجاه إتفاقية السلام التي تمخضت عن إنفصال جنوب السودان فإنها شرعت في وضع شروط جديدة على الخرطوم إن أرادت تطبيع علاقاتها مع الإدارة الأمريكية ومن بين تلك الشروط وضع حد لعمليات القتل في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق والسماح بفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية لأصحاب العوذ والحاجة الذين كثُرت أعدادهم جراء تواصل النزاع المسلح في كلتا الولايتين ، بينما تشدد الحكومة على موقفها الرافض للسماح للمنظمات الانسانية إلاّ بعد أخذ إذن مسّبق من السلطات المختصة ، وعلى الرغم من تأكيد المتحدث بإسم الخارجية على لقاء المبعوث بالمسؤولين في وزارة الشؤون الانسانية للإستماع لشرح حول الأوضاع الانسانية في النيل الأزرق وجنوب كردفان الإّ أنه عاد ليؤكد أن المواقف ماتزال متباعدة وذلك بالنظر الى تمسك الحكومة بمنع الأجانب من توزيع الاغاثة بصورة مباشرة الى المحتاجين وأن يتم ذلك فقط بواسطة الكادر الوطني . ووضعت واشنطن مارس القادم كتاريخ لإعلان ان المنطقتين ستكونان على طريق المعاناة من مجاعة واسعة النطاق إن لم يحدث تسليم كميات كبيرة من المساعدات حتى ذلك التاريخ . ويعتقد عدد من الخبراء أن خطوة المبعوث الأمريكي تأتي لقطع الطريق أمام التنين الصيني الذي له عدد من الشركات العاملة في مجال نفط الجنوب بنسبة مقدرة الشئ الذي دعا حكومة الجنوب الى تحريك اجراءات قضائية ضد الشمال وفي معيته الشركات الصينية العاملة في مجال النفط إن هي ساهمت في نهب بترول الجنوب، فوفق المتحدث بإسم حكومة الجنوب برنابا بنجامين « فإن وزارة البترول أخطرت وزارة العدل وأصدرت مذكرة قانونية دولية من خلال مستشارينا القانونيين الدوليين لتتبع هذا النفط» ،وأضاف ان الحكومة تحقق أيضاً فيما اذا كانت شركات نفطية صينية تعمل في جنوب السودان ساعدت الخرطوم على مصادرة كميات من النفط .في الوقت الذي تعتبر فيه الحكومة السودانية ان كل تلك السنياريوهات القصد منها إبعاد الشركات الصينية من بترول السودان .