ليست هي المرة الأولى التي تتعرض فيها قوات " يوناميد" العاملة في دارفور للاحتجاز، كما ان الامر تعدى في حالات كثيرة بالماضي القريب الاحتجاز الى الاعتداء والضرب وربما القتل. فما اعلن بالامس عن اطلاق سراح اكثر من " 50" من منسوبي القوة الدولية كانوا تحت قبضة حركة العدل والمساواة في دارفور، يعزز الصورة التي ترسخت في أذهان مواطني الإقليم والرأي العام السوداني عن هذا القوات التي أتت لحماية المدنيين، فإذ هي تحتاج لحماية من أطراف الصراع. وهى صورة جد قاتمة تشكك كما يقول الدكتور صلاح الدومة في اهداف الزج بتلك القوة الى الاقليم في البداية، ويملك الدومة تصورا خاصا عن تلك الاهداف ينطلق صوب أجندات الولاياتالمتحدةالامريكية ، فيقول انها ارادت لليوناميد بان تكون مقدمة لقوة تدخل اوسع في السودان في مراحل لاحقة. ويقرظ استاذ العلاقات الدولية بجامعة امدرمان الاسلامية ما انتحى اليه مشيرا الى ان واشنطون لديها اهدافها ومراميها الخاصة في السودان، وان ستار حماية المدنيين في المعسكرات الذي دخلت به اليوناميد لا ينفي ان الولاياتالمتحدةالامريكية كانت عازمة على استغلالها كمقدمة لقوات تدخل اكبر. ويقول الدومة ان ذلك ديدن امريكا في كل مكان في العالم، ذاهبا ان الفاعلين في المشهد الدارفوري عموما ليسوا الا "ممثلين في عمل مخرجه أمريكي". ويطرح المحلل السياسي الدومة في حديث ل" الصحافة" بالامس جملة من المبررات تدعم ما يذهب اليه، وتفسر لماذا لما تتحول اليوناميد لقوة تدخل اوسع على مدى السنوات التالية، فيقول مدللا على ما ارادته امريكا من ارسال هذه القوة ان هناك تناقضا بينا بين مهمة تلك القوة المتمثلة في حماية المدنيين، وبين واقع حاجة تلك القوات لحماية من اطراف الصراع في دارفور. واورد الدومة عدة نقاط على قوات اليوناميد، منها انها تخضع باستمرار للاملاءات الحكومية وتعامل بفتور من المجتمع الدولي، مشيرا الى الضغوط التي تعرضت اليها اثيوبيا حينما وافقت على منح القوات طائرات هجومية وطائرات نقل وتجهيزات عسكرية اخرى تبدو ضرورية لليوناميد من اجل اداء مهامها. ويبرر الدكتور صلاح الدومة في حديثه ل" الصحافة" عبر الهاتف امس احجام امريكا عن تنفيذ مخططاتها لليوناميد، بانشغالها المستمر بالتطورات المتلاحقة في اماكن اخرى من العالم، مثل هزيمتها في العراق وافغانستان، معتبرا ان تلك الهزائم للسياسية الامريكية جعلتها تترد في التدخل بالسودان، او ترجئ ذلك لحين، نظرا للانتشار الامريكي الجديد في البحر الاحمر ويوغندا ودول الجوار اللصيق، بالاضافة الى المعارضة الاممية الشرسة التي وجدتها من كل من الصين وروسيا، ورغبة الادارة الجديدة نفسها في الظهور بهيئة مختلفة على المسرح الدولي. الا ان صورة " يوناميد" الكالحة التي رسمها الدكتور صلاح الدومة، لا تشابه البتة صورة اخرى يرسم ملامحها المحلل السياسي والناشط في الشأن الدارفوري عبد الله ادم خاطر. فخاطر يقول بقوة ان اليوناميد اصبحت الممثل الوحيد للمجتمع الدولي في عملية متابعة العملية السلمية وإدارة الوساطة مع الحركات التي لم توقع على اتفاق سلام الدوحة. واليوناميد من وجهة نظر خاطر اضحت جزءا مهما من المعادلة الدارفورية، سواء من ناحية الحفاظ على سلامة المدنيين او المساعدة في العملية التأهيلية والتنموية. ويلفت الناشط في الشأن الدارفورى في حديثه ل الصحافة عبر الهاتف امس الى دور اخر مهم ومرتجى من يوناميد، يتعلق بالاتصال والعلاقات الدولية لاطراف العملية السلمية في دارفور، ومنها الحكومة ودول عديدة في الاقليم والعالم. وقطع خاطر بان دخول اليوناميد في اطار الفصل السابع، لا يعطيها " حق ان تكون جزء من الصراع في الاقليم" لكنه يضعها امام مسئولية الحفاظ على الاستقرار، ودعم الاتجاه الى السلام ووقف اطلاق النار، مقللا من سيناريو استخدام الولاياتالمتحدة لها كرأس رمح في مخططات التدخل في السودان، ومحذرا من ان مثل هذا الحديث لن يترك فرصة للسلام والاستقرار في دارفور. ويقول عبدالله ادم خاطر مفندا هذا السيناريو " امريكيا مثل أي دولة، بخاصة في الأممالمتحدة، وفي مجلس الامن تحديدا"، وزاد" ما حصل في الملف السوري خير برهان، فقد منيت جهودها بالفشل لان هناك مثلها من يحمل الفيتو، ويستطيع ان يفرمل مخططاتها في لحظة ". ويعلق مسئول مكتب ملف دارفور ووزير الدولة برئاسة الجمهورية امين حسن عمر على القضية مثار الحديث، من زاوية اخرى، اذ يقول امين ل" الصحافة" اما لماذا استسلم جنود اليونميد بعدتهم وعتادهم لثلة من الخاطفين، فامر يوجب النظر داخل الالية الثلاثية ببن الحكومة والاتحاد الافريقي والامم المتحدة، فقد تكرر هذا الامر مرارا ولابد من النظر في ظواهره وخوافيه"، مضيفا " وربما يصبح هذا الحدث وامثاله مادة مهمة في المراجعة المشتركة التي تجري الان حول دور وحجم البعثة الاممية الافريقية في دارفور. ولا يختتم مسئول ملف دارفور بالحكومة الا بالتأكيد على ان " الوضع في دارفور ليس هش، ولا تستطيع بقايا الحركة المنزوية في ركن قصي ان تهدد الامن بدارفور". وربما يحوي ما تقدم اغلب التصورات والرؤى المختلفة للقوات الاممية الافريقية في اقليم دارفور، من قبل القوى السياسية واطراف الصراع، وبالقطع تقييمهم كذلك الى دورها ومهامها وطريقة ادائها على مدى الاعوام المنصرمة. الا ان حكاية " اليوناميد" مع أهل الاقليم، على الاقل في السابق، تشبه الحكاية المتداولة عن عبد المعين الذي استقدم ليعين، فاسفر عن حاجته هو لاعانة!.