شكلت قضية دارفور تحدياً كبيراً للدولة منذ إندلاع التمرد المسلح في العام 2003م الذي نتج عنه حالة نزوح واسعة، وإضعاف للنسيج الإجتماعي بين مكونات مجتمع دارفور، وصاحب ذلك إستغلال سيء للقضية من قبل الدوائر المعادية للسودان، خاصة الغربية منها خدمة لأجنداتها الخاصة ، ووصل بعضها لوصم الصراع بأنه تطهير عرقى، مما افرز آثارًا سالبة أسهمت في تدويل القضية وعرقلة جهود الحل وتعقيد المعالجة الوطنية للأزمة عبر الحوار الداخلي الذي رفضته معظم الحركات المتمردة وفضلت التعنت على الجلوس لطاولة الحوار . وبالرغم من نجاح الوساطة التي قادها الإتحاد الإفريقي عبر عدة جولات تفاوضية أوصلت الأطراف لإتفاقية سلام دارفور (أبوجا 2006م) تلك التي وقعت بين الحكومة وحركة تحرير السودان (جناح مناوي) ومجموعة أخرى من الفصائل إلا أن رفض عدد آخر من الحركات للاتفاق وإصرارها على مواصلتها لحمل السلاح قاد إلى عرقلة إحلال السلام بصورة شاملة، وتزامنت هذه المواقف مع ضغط دولي كثيف على الحكومة ولعب الإعلام الغربي المغرض دوراً كبيراً في تشعُب القضية، وقلل من إمكانات حلها داخلياً بل سعى إلى إلصاق الاتهامات بالحكومة جزافا،ً وكانت قضية نشر القوات الدولية بدارفور أحد مخرجات هذا الضغط ، الأمر الذي رفضته الحكومة ، وتم الاستعاضة عنه ببعثة اليوناميد أو القوات الهجين بين الإتحاد الإفريقي والأممالمتحدة التي بدأ انتشارها بدارفور منذ العام 2007 بمهام أساسية تتمثل في حفظ الأمن والسلم وحماية المدنيين والمساعدة في تطبيق إتفاقية سلام دارفور ، إلا أن قوات اليوناميد وطيلة الفترة التي قضتها بدارفور لم تحدث أي أثر ملموس في كل الجوانب التي ذكرت، وأصدر مجلس السلم والأمن الأفريقي الأسبوع الماضي قراراً بتمديد فترة عمل اليوناميد بدارفور لعام آخر على الرغم من الملاحظات الكثيرة التي أبدتها الحكومة على أدائها. وحول هذا الموضوع يقول الدكتور أمين حسن عمر مسؤول مكتب متابعة سلام دارفور إن تمديد فترة اليوناميد أمر متفق عليه بين الحكومة والأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي وهو قرار عادي ويأتي في مواسمه، مشيراً إلى أن هنالك تفاهماً على تخفيض القوة العسكرية لليوناميد بنسبة(25%) والتركيز على العمليات المدنية والشرطة لحفظ الأمن وتطبيق الاتفاقية بالشراكة مع الأطراف الموقعة على السلام بالدوحة باعتبار أن دور اليوناميد قبل إتفاق الدوحة يختلف عن دورها بعد سريان الاتفاق. وأوضح أن طلب التخفيض لبعثة اليوناميد لم يكن من الحكومة وحدها بل دعت له الأطراف المانحة والممولة للبعثة، مشدداً على ضرورة أن يكون لليوناميد دور فعّال في الجانب المدني والشرطة المجتمعية المزمع تكوينها لحماية النازحين وتسهيل أمر عودتهم، مؤكداً أن اتفاقية الدوحة بكل ما حوته إذا تم تنفيذ كافة بنودها وفق الجداول الزمنية المحددة لها، فسوف لن تكون هناك حاجة لوجود قوات لحفظ السلام بدارفور. ومن جهته شدد محمد يوسف كبر والي شمال دارفور على ضرورة أن تتحول مهام اليوناميد خلال الفترة القادمة من الحماية إلى المساهمة في عمليات الإنعاش المبكر، ودعم المشروعات التنموية الحيوية حتى يتمكن إنسان دارفور الذي حولته ظروف الحرب إلى نازح ولاجيء من الإعتماد على نفسه والخروج من دائرة العيش على الإغاثات التي تقدمها له المنظمات داخل معسكرات النزوح واللجوء، داعياً مجلس الأمن والسلم الأفريقي لإعادة النظر في مهام قوات اليوناميد في ظل التطور الايجابي الكبير في عملية السلام في دارفور وبدء تنفيذ وثيقة الدوحة وإتساع رقعة الأمن والسلم والاستقرار بالمنطقة. وأضاف كبر بأن دارفور تحتاج للمزيد من الدعم وتضافر جهود المجتمع الدولي لإعادة إعمار ما دمرته الحرب خلال السنوات الماضية، وأن اليوناميد بحجمها الكبير يمكن أن يكون لها إسهامات مقدرة في هذا الجانب، معلناً ترحيبه بقرار التمديد شريطة أن يراعي مجلس الأمن والسلم الأفريقي ملاحظات ومطالبات الحكومة على مُكون البعثة ومهامها. وكان وكيل وزارة الخارجية رحمة الله محمد عثمان قد ذكر في إجتماع الآلية الدولية الثلاثية (للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والحكومة) الذي عقد مؤخراً بالفاشر... ذكر أن التحول الذي شهدته دارفور بعد التوقيع على وثيقة الدوحة يملي على الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي تغيير منهج اليوناميد في التعامل مع التحولات، مشيراً إلى أنه ينبغي أن تخفض البعثة قواتها بدارفور لتسهم عائدات ذلك فى عملية الإنعاش المبكر وتنمية دارفور، مؤمناً على الدور الذي يمكن أن تضطلع به يوناميد تجاه دعم وثيقة الدوحة. أما الدكتور عثمان محمد إبراهيم رئيس حركة تحرير السودان القيادة التاريخية الموقعة على السلام ، ومستشار حكومة جنوب دارفور فقد رأي أن إعادة النظر في مكونات ومهام بعثة اليوناميد أمر لابد منه، خاصة وأنها لم تقدم أي شيء إيجابي على الأرض طيلة الأعوام الماضية، منذ أن بدأت عملها، بل باتت عبئاً على حكومات ولايات دارفور في شأن حمايتها سيما وأن البعثة بكامل قواتها عجزت عن السيطرة والحد من التفلتات الأمنية التي طالت حتى أفرادها ومعداتها، مبيناً أن اليوناميد أصبحت هدفاً للحركات المسلحة وتعرض منسوبيها لحوادث القتل والإختطاف فى مرات عديدة وكان آخرها حادثة اختطاف(58) فرداً من قوات البعثة أثناء قيامهم بطواف عسكري شرقي الجنينة على يد مسلحين من العدل والمساواة في فبراير الماضي، مما يدعو إلى التفكير بجدية في إعادة ترتيب وضعية اليوناميد بما يتماشى مع المرحلة المقبلة. وتستند الحكومة إلى أرضية إتفاقية الدوحة وقرار مجلس الأمن رقم 2003 للعام 2011 الذي دعا إلى مراجعة مكون البعثة في مطالبتها بتخفيض بعثة حفظ السلام، لا سيما وأن الوثيقة قد أوضحت بدقة مهمة البعثة المستقبلية بدارفور ما بعد الدوحة. وفي ذات المنحى قال رمضان العمامرة مفوض الأمن والسلم بالاتحاد الإفريقي إن منهجية مهام اليوناميد لابد أن تتكيف مع تحسن الأوضاع في الميدان بدارفور والتي تتطلب توفير المزيد من الخدمات الأساسية للمدنيين على رأسها الخدمات الصحية ومياه الشرب وغيرها، مشيراً إلى أن الأوضاع الإقتصادية الدولية ألقت بظلالها على كافة عمليات حفظ السلام في العالم وليس في اليوناميد وحدها، الأمر الذي يحتم تخفيضها. وأبان أن هناك دراسة علمية موضوعية قامت بها بعثة مشتركة بين الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي ورفعت توصياتها للاتحاد الإفريقي حول هذا الشأن وسيتم عرضها على الخرطوموأديس أباباونيويورك. وكشف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام هرفيه لارسيوس على أن الأممالمتحدة ستناقش خلال الثمانية عشر شهرًا القادمة مسألة تخفيض عدد قوات اليوناميد، مبيناً أن العدد الذي سيخفض سيكون في حدود سبعة آلاف من القوات العسكرية والشرطية. لكنه رجع وقال إن ذلك مرهون بالتطورات الميدانية بدارفور، وما ينتج عنها من خطط ودراسات رفعت إلى الأجهزة المختصة في الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي. وأكد البروفيسور إبراهيم قمباري رئيس البعثة المشتركة (اليوناميد) أنه لن يحدث أي أثر سلبي اذا تم إتخاذ قرار التخفيض ، وأنه في حال صادق مجلس الأمن على تقليص حجم البعثة فإن الأموال الناتجة عن التقليص ستوجه لبرامج التنمية. من جهة أخرى اعتبر محمد بشير سليمان الخبير الأمنى أن قرار تمديد فترة بعثة اليوناميد لا جدوى منه إذ لم تصحبه إجراءات لتقييم أداء البعثة، وتحويل مهامها من الحماية إلى المساهمة في مشروعات التنمية، موضحاً أن القوات المشتركة أو الهجين هي تجربة جديدة تم إستحداثها لأول مرة في العالم بين الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي ومن الطبيعي أن تعترض مثل هذه التوليفة عقبات ومشاكل من حيث تحمل المسؤوليات والإيفاء بالالتزامات، إضافة إلى افتقارها إلى الرؤية الدولية لحل مشكلة دارفور، مشيراً إلى أن اليوناميد منذ مجيئها لدارفور لم تقدم شيئا يذكر لدعم عملية السلام بدارفور ، بل أثبتت فعلا فشلها إذ لم تتمكن من حماية نفسها أو قوافل الإغاثة، ولم تسهم في حماية القرى ومعسكرات النازحين من انتهاكات الحركات المسلحة. وكما أسلفنا يعود تاريخ انتشار بعثة اليوناميد بدارفور إلى العام 2007 وذلك عقب رفض السودان القاطع لقرار مجلس الأمن الدولي 1706 الصادر في أغسطس 2006 لأسباب تتعلق بإصرار بعض القوى الغربية على إصدار القرار دون التشاور مع السودان والأطراف الإقليمية المعنية، حيث كان الهدف من القرار نقل مهمة القوة الإفريقية بدارفور إلى الأممالمتحدة بزيادة عددها وعدتها وضمان انسياب تمويلها، إلا أن بعض تلك القوى وسعت الفكرة لدرجة مست بعض الجوانب المتعلقة بسيادة الدولة، مثل الحديث عن إعادة هيكلة القضاء والشرطة وغيره، الأمر الذي دفع السودان لرفض التعامل مع القرار، مما دعا لعقد إجتماع بالزعماء الأفارقة في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2006 وخرج الإجتماع بمفهوم دعم أممي لقوات إفريقية. وأعقب ذلك اجتماع موسع عقد في أديس أبابا في نوفمبر 2006 بحضور الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان ومفوض الاتحاد الإفريقي وممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن والأمين العام للجامعة العربية والدول التي كانت شهوداً على إتفاق سلام دارفور فضلاً عن وفد السودان. وطرح الأمين العام رؤيا عرفت بالرؤيا الممرحلة تهدف لمعالجة قضية دارفور سياسياً وإنتقال مهمة القوة الإفريقية للأمم المتحدة مسبوقة بدعم أممي ثلاثي، ثم عملية مختلطة. وجرى التدارس والنقاش حول الفكرة من كافة الأطراف وإمكانية إنفاذها، وأبدى وفد السودان ملاحظاته وتعديلاته، وجاءت النتائج إيجابية لصالحه حيث تمت الموافقة على إسناد ملف الوساطة في العملية السياسية إلى فريق مشترك بين الأممالمتحدة والإتحاد الإفريقي، مع اعتبار إتفاقية سلام دارفور كأساس، وأن العملية السياسية شاملة لكل الأطراف، مع إنتقال مهمة القوة الإفريقية إلى الأممالمتحدة بدءاً بخدمتي دعم بشري ومادي وإنتهاء بعملية مختلطة تأخذ الصفة الإفريقية الغالبة من حيث عدد القوات وبقيادة إفريقية. وأجاز مجلس السلم والأمن الإفريقي الرؤيا في إجتماع بأبوجا في نوفمبر 2006 على مستوى الرؤساء، كما أجازها مجلس الأمن الدولي في بيان رئاسي وبذلك تحقق للسودان مبتغاه من حيث الصفة الإفريقية للقوات عدداً وقيادة وضمان إنسياب الدعم الأممي لوجستياً ومادياً للقوة. وقد أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1769 للعام 2007 بعد جولات مطولة من المشاورات، بين الأطراف المعنية واستنادا إلى التقرير المشترك للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي الذى تم بموجبه تعيين قائد القوات بواسطة رئيس المفوضية، وكذلك تعيين الممثل الخاص المشترك رودلف ادادا الذي خلفه البروفيسور إبراهيم قمباري، وحددت مهام اليوناميد في الإسهام في توفير المناخ الآمن لإنسياب العون الإنسان ومنع الهجمات على المدنيين وحمايتهم، ودعم جهود إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، وعودة النازحين واللاجئين ، ومراقبة إلتزام الأطراف باتفاقيات وقف إطلاق النار الموقعة منذ العام 2004م. إضافة إلى متابعة ومراقبة الأوضاع الأمنية على الحدود المشتركة للسودان مع تشاد وإفريقيا الوسطى. ولكن بعثة اليوناميد لم تتمكن من إنفاذ أيّ من المهام آنفة الذكر، بل اوقفت عمل اللجان المشتركة لتنفيذ إتفاق سلام دارفور، وكذلك لجان العمل اللوجستي والإنساني، ولم تدعم تطبيق الاتفاق، كما لم تتمكن من منع هجمات الحركات المسلحة على المواطنين وحمايتهم، وأيضاً فشلت في رصد الحالة الأمنية على الحدود مما حدا بحكومة السودان إلى نشر قوات مشتركة بين تشاد وأفريقيا الوسطى وفق اتفاقيات ثنائية وثلاثية أمنية. ومن خلال هذا العرض المستفيض عن واقع بعثة اليوناميد بدارفور، وما يشوبها من رؤيا غير محددة الأهداف، فانه يتوجب على الجهات المسؤولة والمشرفة عليها مراجعة مكوناتها الأساسية وكذلك تفويضها حتى تتواكب مع المتغيرات الحالية بدارفور، في ظل الشروع الفعلى في إنفاذ إتفاق الدوحة وجنوح المجتمع الدارفوري للسلام. وتمشياً مع متطلبات المرحلة فقد أصدر مجلس الأمن أمس الأول الثلاثاء قرارًا مددّ بموجبه التفويض الممنوح للبعثة المشتركة للأمم المتحدة والإتحاد الإفريقى في دارفور (يوناميد) لمدة عام إضافي، تنتهى آخر يوليو من العام المقبل مع خفض قوتها. واتخذ المجلس القرار بناءً على توصية من السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون حيث صوت لصالحه (14)عضواً مقابل إمتناع أذربيجان عن التصويت. ونص القرار على تمديد تفويض البعثة لمدة عام إضافي مع خفض قوتها من(19) ألف عسكري إلى (16) ألفاً و(200) فرد. ودعا المجلس مجدداً الحكومة السودانية إلى رفع قيودها عن (يوناميد) وعمال الإغاثة، كما طلب من البعثة الدولية دعم عملية الحوار الداخلى وحث الخرطوم على إحترام نتائج هذا الحوار. كما وجه الأمر لبعثة (يوناميد) للمساهمة في تفعيل وثيقة الدوحة للسلام فى دارفور والعمل مع فريق الأممالمتحدة فى البلاد، لدعم سيادة القانون وضمان أن أي حوار داخلي سيسمح لسكان دارفور بالتحدث بحرية دون خوف بشأن مستقبلهم. وفي كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، أكد السفير السوداني لدى الأممالمتحدة دفع الله الحاج على عثمان استمرار تعاون بلاده مع بعثة اليوناميد، لكنه قال هذا لايمنعنا من أن أسجل أمامكم اليوم تحفظات قوية حول الفقرة السابعة عشرة من قرار تجديد اليوناميد الذى وردت فيه الإشارة إلى جيش الرب للمقاومة وسبب تحفظاتنا القوية هو عدم وجود ورود أية تقارير أو إشارة لوجود جيش الرب في تقارير الأمين العام السابقة بشأن دارفور، وحتى تقريره الأخير لم ترد فيه أية إشارة لذلك. وقال السفير السودانى إن قرار التمديد لم يتناول مسائل جوهرية تخص دارفور. وانتقد عدم إدانته بشكل واضح وقوي للجبهة الثورية السودانية، التي قال إنها تتسبب في عدم الإستقرار وإنعدام الأمن والظلم في دارفور. من جانبه قال السفير البريطاني بالأممالمتحدة مارك ليال غرانت الذي صاغ وفد بلاده مشروع القرار في تصريح للصحافيين إن على الجماعات المسلحة أيضاً الإنخراط في عملية السلام على الفور دون شروط. مشدداً على أن المجلس لن يتسامح مع أي أفعال تهدف إلى الإطاحة بحكومة السودان بالقوة.