كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالفيديو.. جنود بالدعم السريع قاموا بقتل زوجة قائد ميداني يتبع لهم و"شفشفوا" أثاث منزله الذي قام بسرقته قبل أن يهلك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    السودان يردّ على جامعة الدول العربية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    البرهان يزور تركيا بدعوة من أردوغان    المريخ يحقق الرمونتادا أمام موسانزي ويتقدم في الترتيب    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    جنوب إفريقيا ومصر يحققان الفوز    مجلس التسيير يجتمع أمس ويصدر عددا من القرارات    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في العبر المستخلصة والدروس المستفادة من رؤية للزعيم الراحل الشريف زين العابدين الهندي
ملفات الساسة والسياسة

في سياق النظر للجدل حول ما يجري في الوقت الحالي بين السلطة الراهنة القائمة والخاضعة لقيادة منفردة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في تعبيره عن التطور الجاري في الحركة الاسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة من جهة، وبين الحركة الوطنية الاتحادية ممثلة في الحزب الاتحادي الديمقراطي بشقيه الاصلي والمسجل كتجسيد لها وتعبير عنها على الجهة الاخرى، وذلك في ما يتعلق بطبيعة العلاقة بين هذه الحركة الوطنية العريقة المخضرمة والانظمة الشمولية المتعاقبة في السيطرة والهيمنة المطلقة على سدة مقاليد الحكم في السودان منذ الانقلاب العسكري الاول الذي استولى على السلطة في عام 1958 والانقلاب العسكري الثاني في عام1969م، ثم الانقلاب الثالث في عام 1989م وحتى الآن... تجدر العودة لما ورد في رؤية بهذا الصدد وفي هذا الخصوص للزعيم الوطني الاتحادي الراحل الشريف زين العابدين الهندي، كما جاءت في روايته لهذه القصة في إطار الدعوة لاستخلاص العبر والدروس المستفادة منها، وذلك على النحو التالي:
قصة وحكاية الانقلاب العسكري الأول
في الكتاب الذي أصدرته بعنوان «يسألونك عن الوحدة» في عام 2009م، لجنة التأليف والترجمة والنشر بالحزب الاتحادي الديمقراطي المسجل، ذكر الشريف زين العابدين الهندي انه وكما ورد في مذكرات الزعيم الوطني الاتحادي الراحل عبد الماجد ابو حسبو فإن حكومة السيدين التي تم تشكيلها في يوليو 1956م كانت قد قامت وفي احشائها عداوات عشرات السنين، فقد قامت لا لشيء الا لاسقاط زعيم الاستقلال الوطني الراحل اسماعيل الازهري وحكومته الوطنية الاولى المنتخبة آنذاك.
ومنذ اليوم الأول لتشكيل حكومة السيدين في ذلك الحيز، كان واضحاً أن هناك حكومتين.. وبعد أن انتهى السبب الذي من أجله اجتمع زعيما الختمية والانصار، وهو سقوط ازهري وحكومته، كان لا بد لهما من المواجهة.. ولهذا فقد كانت هناك حكومة انصارية يرأسها رئيس الوزراء عبد الله خليل واخرى ختمية يرأسها نائب رئيس الوزراء الشيخ علي عبد الرحمن.
وكانت اجتماعات مجلس الوزراء شكلية بحتة، إما للمشاجرة أو للمتاجرة. ونتيجة لذلك وكما أورد الزعيم الوطني الاتحادي الراحل خضر حمد في مذكراتها، فقد اشترك عبد الله خليل في التخطيط للانقلاب العسكري الاول واقنع السيدين به، ولذا فلم يكن غريباً أن يكون اول بيان تأييد لذلك الانقلاب من السيدين، فقد ارسل السيد عبد الرحمن المهدي وزير التعليم في ذلك الحين السيد عبد الرحمن علي طه لتأييد الانقلاب، بينما أرسل السيد علي الميرغني ابنه محمد عثمان الميرغني لتأييد قائد الثورة.
حكاية النظام الشمولي الثاني:
وحول الانقلاب العسكري الثاني يشير الشريف زين العابدين الهندي الى ما جاء في مذكرات المرحوم د. احمد السيد حمد بصحيفة (الخرطوم) عندما كانت تصدر في العاصمة المصرية القاهرة، حيث ذكر في تلك المذكرات بتاريخ سبتمبر 1993م أنه كان يتآمر على القيام بانقلاب ضد الحكومة السودانية المنتخبة في عام 1968 مع السيد محمد عثمان الميرغني والاستاذ عبد الخالق محجوب والاستاذ بابكر عوض الله.. ويضيف الشريف زين العابدين الهندي انه منذ تلك اللحظة تم ايقاف ذلك النشر لمذكرات المرحوم د. احمد السيد حمد في صحيفة «الخرطوم» آنذاك.. ثم يضيف أن الانقلاب العسكري الثاني الذي جاء واستولى على السلطة في مايو 1969م يعتبر نقطة تحول أساسية في تاريخ بلادنا التي لا زالت تعاني آثاره حتى هذه اللحظة... فقد جاء ذلك الانقلاب في ليل قائظ الحر.. اسود القسمات.. لئيم المخبر.. ولم تكن لدى اي من القوى السياسية الموجودة في الساحة مصلحة في ان تنقض على الممارسة الديمقراطية في تلك الفترة الا الحزب الشيوعي واليسار السوداني الذي كان في أقصى حالات انكماشه في ذلك الحين.. ولكن وكما جاء في صحيفة (الأحرار) الصادرة بتاريخ 1961/6/1م، فقد كان البيان الأول الذي أيّد انقلاب مايو 1969 ممهوراً من السيد محمد عثمان الميرغني.. ولولا ان العناية الالهية وحدها قد كشفت ما جاء في مذكرات المرحوم د. احمد السيد حمد المشار اليها لدى نشرها في صحيفة (الخرطوم) بالقاهرة في سبتمبر 1993م، لظل السر الكامن في هذا البيان الممهور من السيد محمد عثمان الميرغني في طي الكتمان.. ولذا فقد كانت مايو 1969م وما تلى من ردة فعل تجاهها مفترق طرق أساسياً بين من آمنوا بالديمقراطية حقاً وصدقاً ودافعوا عنها وماتوا واستشهدوا في سبيلها، ومن جلسوا في الظل والدعة والموالاة التي لا تدع فرصة لكسب ود السلطة الغاشمة حتى بعد أن تحولت البوصلة مائة وثمانين درجة من اليسار نحو اليمين، ففي 13 يناير 1978 واحتفاءً بزواج المرحوم السيد أحمد الميرغني بعد إعلان الرئيس نميري قائد الانقلاب العسكري للقوانين الاسلامية في عيد الاستقلال الوطني الثاني والعشرين، اصدر السيد محمد عثمان الميرغني بيانا بعنوان «هذا بيان للناس» جاء فيه: (إننا من هذا المنبر نؤيد السيد رئيس الجمهورية الرئيس جعفر محمد نميري في هذه الخطوة المباركة التي التزم فيها بمبادئ الاسلام).. وبعد ذلك جاء قيام (البنك الاسلامي السوداني) في مقابل بنك فيصل الاسلامي الذي اقامته الحركة الاسلامية في السوق الاقتصادي السوداني، بعد فرية المصالحة الوطنية التي جاءت في عام 1977م مع ذلك النظام الذي اقامه الانقلاب العسكري الثاني بقيادة الراحل جعفر نميري الذي كان قد استولى على السلطة في مايو 1969م.
قصة ديمقراطية العدم
وتحت عنوان (ديمقراطية العدم الثالثة) ذكر الشريف زين العابدين الهندي أن الحزب الاتحادي الديمقراطي اصبح بعد إطاحة نظام الانقلاب العسكري الثاني بالانتفاضة الشعبية المنتصرة في ابريل 1985م، بعيدا عن تليده القديم، واتضح ان الحزب لم يعد من المنفى، ولم يواكب ما اعترى المجتمع من اجيال لا تعرفه، ولذا فقد اطلق عليها المراقبون الساخرون تندراً في تلك الفترة من ديمقراطية العدم الثالثة اسم (الترلة) المقطورة التي لا تقود.. وتجدر الاشارة في سياق هذا الاطار الى ان السيد محمد عثمان الميرغني كان قد قال ردا على سؤال لرئيس تحرير صحيفة يومية باجابة ضاحكة في تلك الفترة وفي محاولته لتبرير دخول الامير أحمد سعد عمر للمكتب السياسي للحزب، مع انه من غير الاتحاديين بناءً على تلك الفرية في الدعوى آنذاك (لأنه جزء من الاكذوبة الكبرى).. وهناك يشير الشريف زين العابدين الهندي الى ان الامير احمد سعد عمر كان من الرجال الملازمين لقائد الجبهة الوطنية للقوى المعارضة لنظام قائد الانقلاب العسكري الثاني المرحوم جعفر نميري، وهو الزعيم الوطني الاتحادي الراحل الشريف حسين الهندي.. وقد دخل هذا الرجل مع قيادة تلك الجبهة الوطنية للمعارضة في حركة المقاومة المسلحة لذلك النظام بالخرطوم في 1976م، كما قابل معها عدة رؤساء وملوك ويعلم كثيرا من اسرارها.. فهل كانت تلك الفترة من النضال الوطني الدموي والشهادة في الصحارى (اكذوبة كبرى؟) .. وهل أصبح النضال والاستشهاد أكاذيب يستولى عليها شذاذ الآفاق؟ وهل أصبحت أيام ممن وقفوا على الثغور حتى عادوا لبلادهم بالحنوط والاكفان اكاذيب؟..
حكاية مذكرة الجيش
وفي سياق ذات الإطار لاستخلاص العبر والدروس المستفادة من فترة (ديمقراطية العدم الثالثة) كما وصفها عقب إطاحة نظام الانقلاب العسكري الثاني بالانتفاضة الشعبية المنتصرة في ابريل 1985م، ذكر الزعيم الوطني الاتحادي الراحل الشريف زين العابدين الهندي ان مذكرة الجيش التي جاءت في فبراير 1989م وما تلاها من حكومة القصر، كانت آخر مسمار يدق في نعش تلك الديمقراطية. وحكمت بموت الجمعية التأسيسية المنتخبة والممتلئة بسدنة مايو 1969م الذين كانو يشكلون 45 عضواً بين الاعضاء الستين في الهيئة البرلمانية للحزب الاتحادي الديمقراطي آنذاك.. وقد كانت حكومة القصر المشكلة بناءً على تلك المذكرة من الجيش لمجلس رأس الدولة ورئيس الحكومة، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
وكما أفاد عضو مجلس رأس الدولة الراحل محمد الحسن عبد الله يسن الذي كان قد استقال في تلك الفترة، فقد روى انه جاء للسيد محمد عثمان الميرغني بعد يومين من الاجتماع في لقاء القصر الذي استمر ثلاثة ايام استجابة لدعوة من الاستاذ ميرغني النصري للسيد رئيس الوزراء والنقابيين وحضور اهل اليسار والضباط الذين قاموا برفع تلك المذكرة في ذلك الحين.. بينما لم يحضر ذلك اللقاء مندوب من الحزب الاتحادي الديقمراطي، لأن الدعوة كانت موجهة عبر التلفزيون. وشكل رئيس الوزراء حكومة جاء بها الى نواب الجمعية التأسيسية المنتخبة فاعتمدوها بغير خجل ولا حياء، فأية مهانة واية مذلة اكبر من هذا، ولو كانوا يملكون كرامة التمثيل واحترام نيابتهم عن الجماهير لاستقالوا او وقفوا ضد ذلك التزوير العلني والفاضح في ذلك الحين.. ولكن على كل وكما ورد في ما افاد به الاخ محمد الحسن عبد الله يسن، فقد جاء وفقا للرواية للسيد محمد عثمان الميرغني وقال له: (الجماعة ديل بناقشوا نفس الحاجة النحن عايزينها)! فقال له الأخير (ألحق وقّع معاهم).. ويضيف الزعيم الوطني الاتحادي الراحل الشريف زين العابدين الهندي أن ذلك لعمري أنكأ وأمر وأشد إذلالاً على المرء من أن يكون الحزب الاتحادي الديمقراطي الشريك في السلطة مجرد (ترلة) او اي وصف آخر اذا ما عدّ من سقط المتاع!!
قصة السلطة الراهنة
وحول رؤيته لطبيعة العلاقة بين الحركة الوطنية الاتحادية العريقة والمخضرمة والسلطة الراهنة الخاضعة لقيادة منفردة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم بناءً على ما اتى به الانقلاب العسكري الثالث في يونيو 1989م، ذكر الشريف زين العابدين الهندي: نقول في البداية إن ما استمر من حكم منذ 30 يونيو 1989م وحتى الآن ليس وحدة واحدة، ولا نظاماً واحداً، بل سيكون من الحيف والظلم اطلاق الاحكام عليه ككتلة واحدة. ولذا نعتقد أنه ينقسم إلى قسمين الأول من 1989 حتى 1996م والثاني من 1996 حتى الآن، ولم يكن اختيارنا لهذا التقسيم خبط عشواء، وذلك لأننا نؤمن بأن ما كان يحكم في الفترة من 1989 حتى 1996 هي الجبهة الاسلامية القومية، وهو قسم اطلقنا عليه قمة الهرم المايوي وبطانته وسدنته وحوارييه.. فقد انقضت الجبهة واستولت على الممارسة الديمقراطية من داخلها فزعزعت الثقة بالنظام كله وبالديمقراطية نفسها، وحاولت الجبهة ان تقحم الافكار فوق المجتمع بالقوة، وأن تصنع فصلاً جديداً من فصول دولة الاستبداد العربية على مر العصور، ولذا أصبح نظامها الحاكم آنذاك مقيماً في عزلته ومتوهماً بالزهو الزائف أن غيلان الارض ستتركه يعيد تشكيل الاصوليين كما يشاء، لكنه تمت محاصرته، وانزوى بهذا عن كل من حلم بتوأمته من الجزائر او تونس او معينه في ايران او رصيفه في الصومال او حليفه في اريتريا.. والتفتت الجبهة إلى الانسان البسيط تمارس عليه أبشع صور الإذلال في معيشته ووظيفته وشردته واعطته الصحة والتعليم والخدمات بالثمن.. وهذه الخدمات هي مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها.. ثم حاربت الجبهة حربها الاخيرة قاتلة او مقتولة. وكان حكمها يتماسك مستميتاً والارض من تحته تهتز وتفور.
قصة تجمع المعارضة
ويضيف الشريف زين العابدين الهندي إنه في مثل تلك الاجواء والانواء دخلت كل زعامات ديمقراطية العدم الثالثة المنهارة الى سجن كوبر ومعها راعي الحزب الاتحادي الديمقراطي.. ومن كوبر بدأت اكبر أكذوبة في تاريخ السياسة السودانية خلال العقد الاخير من القرن العشرين المنصرم.. فقد ادعوا لاحقا ان (حزبا و53 نقابة تألفت وكونت التجمع الوطني الديمقراطي المعارض لسلطة الانقلاب على الديمقراطية، وانهم قد قدموا راعي الحزب الذي اوحى لهم باسم التجمع... وفي القاهرة جاء إلينا الزعيم الشيوعي المرحوم عز الدين علي عامر حاملاً ميثاق تجمع المعارضة، وعندما اعترضنا قالوا لنا ان الحزب الاتحادي الديمقراطي قد وقع على ذلك الميثاق باوامر من السيد محمد عثمان الميرغني للمحامي علي السيد العضو المنظم بالحزب الشيوعي.. وخرج الراعي الى مدينة جدة التي التزم فيها الصمت التام والمطبق لمدة سنة كاملة.. وكانت فعاليات الحزب قد بدأت تشكيل اول تجمع ضد النظام برئاسة الراحل محمد الحسن عبد الله يس حتى أرغم على الاستقالة في يوليو 1990م لإخلاء مقعده للراعي الذي حسب رواية محمد الحسن عبد الله يس كان قد رفض فكرة المعارضة وميثاقها في البداية، ولم يبدأها الا بعد مصادرة املاكه وممتلكاته.. ومن ثم غادر السيد الي لندن.. ثم كانت حرب الخليج هي بداية السفور الحقيقي للمعركة المخطط لها.. ونذكرهم فقط بأول الغيث الذي استلموه من سفارة عربية وهم يرتدون لباس المتخفي بالبدلة الرسمية وهو مبلغ المليوني دولار!!
ويضيف الشريف زين العابدين الهندي: لقد صبرنا على هذا ليس جبنا ولا خوفاً لكننا رفعنا يدنا عن الاشتراك في تلك المهزلة.. حيث صاروا يطرقون الابواب ويلحون في السؤال.. وتشاء إرادة المولى أن يسقطوا جميعاً، وكان آخرهم في 1994م، حيث فكرة الوسطية التي بلغ ما استلمه ممثلها الرئيسي عشرة ملايين دولار استغلها كلها في الداخل لبناء مؤسسته الذاتية.. ثم تتابعت مراسم السقوط والتخلي عن المبادئ ونسف الحزب الاتحادي الديمقراطي وتاريخه في ما سموه مؤتمر القضايا السودانية المصيرية بالعاصمة الاريترية اسمرا في 24 ديسمبر 1994م، حين وقع السيد محمد عثمان الميرغني على حق تقرير المصير لجنوب السودان مع الحركة الشعبية المتمردة كآخر فصيل من المعارضة التجمعية وأول فرد من الحزب الاتحادي الديمقراطي يعترف بتقرير المصير.. وبذلك أكملت الحركة الشعبية المتمردة والقوى الخارجية المتآمرة الفصل الاخير في مسرحية العبث، حيث استطاعت أن تجعل الكل يبتلع مبادئه وينسى من هو وينقاد كالسوام والقطيع .. فمن يقرر مصيره ممن؟! وتقرير المصير هو أكبر هدم في تاريخنا الحديث لمعنى الاستقلال الوطني..
حكاية القسم الثاني من النظام الحالي
وتحت عنوان «القسم الثاني من حكم الانقاذ» منذ عام 1996م حتى الآن، ذكر الشريف زين العابدين الهندي: وسط ذلك الجو المشحون والمضغوط بالمعاناة أفاء الله علينا باطلاق مبادرة الحوار الشعبي الشامل. وقد كانت التحديات ولا تزال والمهددات المحدقة بالوطن تجعل بوادر وفرص الحل ضيقة الآفاق وتنحصر في خيار الانقلاب العسكري، وهو شيء ضد مبادئنا الاساسية واللجوء اليه مرفوض فكرة ومبدأ، اما خيار الانتفاضة المسلحة فقد تمت تجربتها ايضا في 1976م ضد نظام الانقلاب العسكري الثاني بعد ان استولى على السلطة في مايو 1969م، وقد اثبتت مثل تلك الانتفاضة المسلحة فشلها وفقاً لتلك التجربة، وذلك لعوامل عديدة ليس من بينها جسارة الرجال ولا شجاعتهم في مواجهة الموت ولا صعوبة التخطيط.
فكل هذه المزايا راسخة في الإنسان السوداني، لكن الظروف التي حولنا تغيرت والدول التي استضافت المعسكرات ودربت المعارضة في أراضيها سابقاً تغيرت، وقد تجد المعارضة الراهنة صعوبة في تسويق غايات وطنية متجردة دون أن تغوص في وحل بيع الديار والمبادئ للأفكار الاسرائيلية واليهودية والى سادة العولمة الجدد. واضافة لذلك فإن مثل هذه المعارضة المسلحة صعبة التنفيذ ميدانياً في ظل القوى العسكرية الموازية التي اصطنعتها سلطة الجبهة لتأمين نفسها بالدبابين والدفاع الشعبي والاحتياطي التنظيمي المدرب على كل الاسلحة، مما سيدخل البلاد في صراع دموي لا طائل منه ولا به، الى جانب أنه تجييش للمجتمع لم يكن موجوداً في السابق!!
قيمة الحوار الوطني
ويشير الشريف زين العابدين الهندي إلى أن الاضرابات والثورة السلمية تحتاج لعمل كثيف داخل نقابات غير منظورة وسرية، إضافة إلى أن المجتمع كله صار في حالة انكفاء تام على ما شغلوه به من ضيق في مأكله ومشربه وتعليم أطفاله وعلاجه، فلن يصغي أحد لأحد الا من رحم ربك.. وبذلك فقد بقيت كوة الحوار والتنادي لكلمة سواء والخروج إلى ساحة الوطن الرحيبة، ومن هنا كان إطلاق مبدأ الحوار الشعبي في 26 أبريل 1996م.. وقد تلقفت الحكومة المبدأ وقبلته وزارنا رئيس الجمهورية في القاهرة ابان حضوره لمؤتمر القمة العربية آنذاك.. وإذا سأل سائل لماذا الحوار، فإن الإجابة هي أن الحوار هو أقصى درجات الاتزان في المجتمعات، وهو قيمة أساسية من قيم الديمقراطية في أي مجتمع، ودلالة أكيدة على الإقرار بالتعددية والاعتراف بالآخر والتعرف على اتجاهات الرأي الأساسية الموجودة، ورسم خريطة لنقاط الاتفاق والاختلاف حول القضايا الملحة، واستخلاص ما يمكن استخلاصه ليكون أساساً للعمل الوطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.