النفايات .. العين بصيرة والامطار غزيرة.. هذا العنوان الذي ارغب في كتابته، ولكن عنوان العمود لا يحتمل كلمات «كتيره»، ولكن النفايات مع الامطار شكلت ثنائياً رهيباً، وكان لعدم الاستعداد للخريف بالصورة المثلى القدح المعلى في ظهور هذه الصورة ووضوحها الذي تبصره العين وتلمسه الارجل وتشمه الانوف وتتفاعل معه كل الحواس، مما يؤكد أن حديث بعض المعتمدين عن الاستعدادات لفصل الخريف كان للاستهلاك الاعلامي وليس له اي سند في ارض الواقع، اللهم الا اذا كانت الاستعدادات التي نعرفها ليست هي المقصودة.. لذا يشعر المواطن بالتعب من التفكير في كيفية تلافي آثار الخريف وتصريف المياه والنفايات بصورة شخصية وفردية، لأن الذباب والباعوض سيطر على المكان واعلن استيلاءه على المنازل ووضع راياته. ولا اعتقد ان الموضوع بسيط بل انه خطير ويحتاج لحلول عاجلة وحلول متوسطة وطويلة المدى، ولا تنفع فيه سياسة رزق اليوم باليوم، ولا اظن ان التعامل معه يمكن ان يكون سهلاً.. وبينما اكتب هذه السطور تتلاعب امام عيني اللافتات التي تكاد تخفيها اكوام النفايات وهي تستغيث مكتوباً عليها الا ترم الاوساخ بامر السلطات. والغريب ان هذه السلطات تعلم تماماً المشكلة، ونتمنى ان تسعى لحلها طالما انها تعرف، لأن هناك تصريحاً سابقاً لمدير شركة النفايات بالخرطوم لوكالة السودان للانباء قال فيه: «إن الكميات المفرزة ظلت تتزايد يومياً، بالإضافة لعدم استصحاب مشاركة المواطنين بخطة عمل محكمة، الشيء الذي ادى الى سيادة السلوكيات السالبة من الرمي العشوائي للمبعثرات، والتعامل غير الحضاري مع تخزين النفايات جعل عمليات النظافة العامة صعبة وزاد من كلفة التشغيل بشكل عام». وكان لدخول حكومة ولاية الخرطوم لرعاية برنامج النظافة العامة ونقل النفايات عظيم الاثر بإحداث نقلة نوعية كبيرة جداً، وذلك لتوافر الإرادة السياسية القوية والدعم والرعاية المباشرة من السيد والي ولاية الخرطوم، حيث انعكس ذلك ايجاباً في توفير اسطول كامل من آليات نقل النفايات الجديدة وزيادة عدد العمالة، وساعد ذلك في اختفاء التلوث البصري للنفايات بولاية الخرطوم لسنوات عديدة، ولكن كل هذه الجهود لم تصمد مع مرور الزمن لعدم وجود خطة محكمة لضمان الاستمرارية ومعالجة المشكلات الإدارية والفنية المتراكمة أولاً بأول، فأعاد ذلك المنظر الذي اختفى من الولاية زماناً طويلاً مرة أخرى، مما استدعى وقفة تنظيمية جادة للخروج بالمشروع لبر الأمان، خاصة بعد الجهود المقدرة التي بذلت لإنشائه واطلاقه وحجم الأموال المستثمرة فيه. وهذا الحديث يدل على أن الحكومة «عارفة» أية حاجة، لكن العين بصيرة والإيد قصيرة، مما يعني أن المشكلة تحتاج لوقفة ونفرة ووثبة.