ليلة الخميس 9/2/2012 كانت ليلةً إستثنائية بحق وحيقيقة كما قال الأستاذ علي شمو الذي توسط المنصة وترأس الليلة وتزين الجلسة، تنادى فيها القوم- وتبارى فيها القوم من كل حد وصوب وتبارى فيها القوم يتصايحون وينشدون أنشودة الوطن الغالي ذلك المفقود في معتركات السياسة الشرسة، ذلك التائه في متاهات التكفير السمجة، ذلك الموهوم بأغاني المجد القديم وأناشيد الماضي السعيد، وأوصاف الهناء الفريد، ذلك الموسوم بفخامة الرقعة الجغرافية التي كانت ،وتعدد الإختلافات الثقافية التي ظلت ، وتنوع الأجناس الإثنية التي بقيت ،ذلك المعروف بتمايز لهجاته الخطابية والمشهود له تمدد حدوده الدولية وتدهور أحواله الإقتصادية وتشتت آرائه السياسية وتعدد أمزجة القبائل التي تستوطنه من محسٍ وشايقية ورباطاب ومناصير ودناقلة وجعليين وشكرية وجموعية وعركيين وحسانية وشنابلة وكبابيش وميدوب وكواهلة وجوامعة وحوامدة وحمر وبديرية ثم بني عامر ورشايدة وهدندوة فرزيقات ومعاليا وبني هلبة وهبانية وبرقد وتنجر وداجو وزغاوة ومساليت وغيرهم كثر، ذلك بعد أن أسقطنا إخوتنا من الدينكا والشلك والنوير والمنداري والباريا واللاتوكا نتيجةً لما حدث في التاسع من يوليو 2011. تنادى القوم في تلك الليلة المعطرة بماء الورد التى إحتضنها هيلتون الخرطوم الذي كان، ثم كورال الذي لا يزال في نفس الموقع الذي نفد من انانية احتكارية الإقطاعيين الجدد الذين ظل لعابهم يسيل تجاه كل موقعٍ إستراتيجي متميز بدعوى الإستجابة وتجاوز التحديات الإستثمارية التى تواجه البلاد. ذلك أمر آخر ليس من مجال للحديث عنه في هذا المجال بالرغم من ارتباطه بما حواه الكتاب إلا أننا نورد فقط أن إستغلال عرق الكادحين والتعدي على المال العام وتصاعد مديونيات البنوك على أفراد يديرون أعمالاً خاصة بهم تعلى قيم ومفاهيم الإستثمارات الإقطاعية الإستهلاكية على حساب القيم التقنية الإنتاجية لن تزيد الغالبية إلا فقرا وحرماناً ولن تزيد المتعثرين أصلاً إلا عسراً وتعثراً وزهداً في الحياة بمجمل تفاصيلها. كانت المنصة مزدانةً بعلي شمو ذلك الهرم الرائع الذي تعجز كلماتي عن وصفه،وإحتضنت أيضا أمين مكي مدني ذلك القانوني الضليع الدي لا ينكر دوره المشهود في العمل السياسي، وعبدالله على إبراهيم الذي عاصر كل الحقب وعادى كل الحقب وأظنه لا يزال على فكره القديم،وكان هنالك بالطبع بدرالدين نفسه صاحب الجهد ومفجر العصف الذهني للفكرة التى طرحها. كان الحضور المايوي أمراً لا تخطئه العين ومشهداً يسر الناظرين ولكنهم هرموا ووهنوا ولا أقول قد سقموا وسئموا وملوا مرددين مقولة الباشا سعد زغلول التي سارت بها الركبان وضاعف الواقع من حجمها(مافيش فايدة)... ورغماً عن الإحباط الذي تسببت فيه المقولة، والإحساس العميق بالإنهزامية والفشل إلا أن بدر الدين بكل خبرته التراكمية فى العديد من المجالات الإقتصادية والإستثمارية و القانونية والتاريخية وحتى التراثية لا يزال يواصل عطاءه ، لا يزال يسهر الليالي قارئاً نهماً مجداً وكأنه إبن عشرين لا يرتوي من النهل المستمر ومن تقديم المعالجات الذكية والتصورات المهنية والحلول الإختراقية لكل أزمةٍ من الأزمات الشرسة التي تواجه المسيرة،فقد كان ولا يزال من المؤمنين أن بلداً كالسودان يتمتع بموقع إنتاجيٍ نادر وبقدراتً تسويقيةٍ ضخمة وبإمكانياتٍ زراعيةٍ مهولة وثروةٍ حيوانيةٍ هائلة وبقاعدة صناعية واعدة وثروةٍ معدنيةٍ زاخرة وتنوعٍ مناخيٍ يستجيب لكافة المحاصيل بما فيها محاصيل حوض البحر الأبيض المتوسط في جبل مرة ويستجيب لزراعة القمح في شماله والذرة في شرقه ووسطه ثم القطن وما أدراك ما القطن، كان ولا يزال من المؤمنين أن السودان بإمكانه وإمكانياته أن يستوعب فائض الأموال العربية ونزوعها إلى البحث عن مواقع الإستثمار الآمن المربح وبالطبع ذلك لن يأتي إلا إذا كانت علاقاتنا الدبلوماسية والسياسية والإستراتيجية في حالة توازن مستمر يراعى بدءً ومنتهى مصالحنا وطموحاتنا التي لا تتعارض أو تتناقص مع إنتماءاتهم ومصالحهم ومطامحهم في المنطقة. أعمل بدر الدين عقله ووظف كل خبرته في العمل الوطني ثم سطر ما سطر في سفره القيَم عن النموج البديل للنمو وهمومنا في النماء والتقدم وعن نتائج النمو الاخلاقية راسماً لوحةً رائعة لمعالم المستقبل في ظل إزدياد وعي الشعوب وفي ظل الإنفتاح والعولمة وتحقيق قيم الشفافية والعدل والدفاع عن الكرامة الوطنية وفي ظل النتائج الأخلاقية الكبرى لعمليات النمو التي لا تحصر عائدها بالفوائد الإقتصادية وحدها إنما تتمد لتستوعب العوائد الأخلاقية ايضا وإمكانيات إصلاح البيئة والتقليل من الفقر والإستخدام الأمثل لقيم المساواة والإنفتاح والإستقرار والعدل الإجتماعي وتنمية السلوك الديمقراطي وعناصر الحكم الرشيد والتوزيع العادل لموارد الارض والتوقف الذاتي لمظاهر الجشع والطمع والتوقف الذاتي لمظاهر الإستغلال (إستغلال الكبار للصغار) ودفع فاتورة التلوث البيئي والإسهام في إعانة ضحايا التلوث والإستصلاح البيئي وإستصلاح أراضيهم التي كانت خصبة ومحاربة التصحر الذي ظل يحاصرهم، ودعم المشاريع الريفية ودعم البنيات التحتية ودعم البحوث الزراعية والمشاريع التعليمية والمرافق الصحية والعلاجية. فالمنطلق الأساسي لمحاربة الفقر يقول الأستاذ بدرالدين أن نعمل على زيادة ومضاعفة الفرص الإقتصادية والإستثمارية والخدمية لفقراء الريف من أجل تحقيق فرص النمو في ديارهم. إن الكتاب الذي نتداول حوله هو برنامج عمل كامل وهو خارطة طريق تستهدف الوصول إلى شاطئ الامان وعلى(إنتاج المستقبل التاريخي الذي يقع عليه إختيارنا لا المستقبل الذي يفرضه الغير أو تقضي إليه المصادفات العمياء والتطورات العفوية ويقول غير قادرين لو أردنا) )وهي المقولة التي تتصدرر الكتاب التي تشكل الاساس المتبع لرسالة التغيير الشامل الذي لا ينفهم بين أهداف النماء الإقتصادي والتغيير الإجتماعي والتحول العلمي والتقدم التقني والإصلاح الدستوري والسياسي)(هي رسالة إعلاء مثل العدالة الرحمة وشمائل السمو وأمانة الخلق ومحو الظلم وعوائق الإنسجام وحدوث كرامة الإنسانية)(هي رسالة مكافحة الفقر والبطالة وبؤس الحياة) إن المستقبل الذي يتحدث عنه الأستاذ بدر الدين ليس هو المستقبل الذي تركناه وراءنا إنما هو المستقبل الذي يبدأ من صباح الغد. لذا كانت دهشتي عظيمة ،إن الذين حضروا هذا التدشين للكتاب هم الذين جربوا وفشلوا ثم جربوا وفشلوا ولم يكن من بينهم الذين يتطلعون لبناء غدٍ أفضل يستوعب كل مناحي الحياة ،كنت أظن أنني سوف أجد القاعة ملأى بشباب من ذوي الطاقات المتنفجرة إلا أنني ما وجدت غير شيوخ ما عاد يهمهم المستقبل الآتي. وعلى كلٍ شكرا للأستاذ بدر الدين فقد قدمت من الجهد وبذلت من الفكر ما تعجز عنه كل مراكز الدراسات البحثية بتسمياتها المختلفة ومسمياتها العديدة،لقد قدمت خدمة عظيمة لأحزابنا وتجمعاتنا وتنظيماتنا السياسية وضربت المثل كيف نفكر بلا عداوات تذكر في بناء المستقبل الذي يبدأ من صباح الغد * الأمانة الوطنية لمنظمة التجارة العالمية