في التاسع والعشرين من مارس الماضي استضاف برنامج في العمق بقناة الجزيرة مدير مركز الدراسات السودانية د. حيدر إبراهيم وأستاذ الفكر الإسلامي بجامعة زايد في دولة الامارات وذلك في حوار حول الانتخابات العامة المقبلة في السودان وكيف ستؤثر على مستقبل البلاد والحركة الاسلامية للنخبة الحاكمة على ضوء التجربة الممتدة منذ الاستيلاء على السلطة والهيمنة عليها بسيطرة منفردة إثر الانقلاب العسكري الذي قام به في العام 9891م وحتى ابرامها لاتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية التي كانت متمردة ومناهضة لها انطلاقا من الجنوب في العام 5002م.. وقد كان السؤال الرئيسي المطروح من قبل مقدم الحلقة علي الظفيري في هذا الاطار هو هل نرى على بوابة العملية الانتخابية ضوءاً في نهاية النفق المظلم للسودان واهله في بلد ربما يواجه مصاعب كثيرة على كافة الاصعدة؟ وفي سياق الاجابة على هذا السؤال قال د. حيدرإبراهيم انني في الحقيقة لست متشائماً ولكنني كثير الواقعية عندما نتحدث عن المستقبل الذي يبدأ الآن حيث ان الانتخابات القادمة هي جزء من الازمة نفسها والمشكلة هي ان الاحزاب المعارضة لديها كثير من التحفظات الموضوعية المرتبطة بعملية التسجيل ومسألة توزيع الفرص في اجهزة الاعلام واستغلال جهاز الدولة وهذه كلها مؤشرات تنبئ بان النتيجة ستكون مرفوضة. ومن جانبه ذكر د. التجاني عبد القادر انه يختلف بعض الشيء ويعتقد ان المشكلة في الانتخابات ترجع الى اتفاقية السلام نفسها لانها الزمت الطرفين وكل الساحة السياسية السودانية بالتزامات مضنية وجزء من هذه الالزامات هي ان ركني الاتفاقية وهما الحكومة والحركة الشعبية هما اللذان يقيمان هذه الانتخابات وهما اللذان يضعان الدستور الانتقالي الحالي والمواقيت المحددة لذلك كله، واذاً فان الاتفاقية نفسها تحمل خميرة هذه المشكلة الراهنة التي تواجهها الآن بصورة من الصور. وحول المطلوب حتى تعقد انتخابات سليمة تساعد على تنفيس هذا الاحتقان وتأخذ السودان الى مرحلة متقدمة ومنطقة افضل ما هو عليه الآن ذكر د. حيدر إبراهيم ان الواجب فعله هو حكومة قومية تشترك فيها الاحزاب الرئيسية الموجودة مثلما حدث في تجربة حكومة ثورة اكتوبر 4691م وانتفاضة ابريل 5891م بيد ان د. التجاني عبد القادر رد على ذلك بقوله ان الذي حدث في الستينيات والثمانينيات الماضية هو ان الحكومة كانت قد سقطت وتمت الاطاحة بها في ثورة اكتوبر 4691م وانتفاضة ابريل 5891م ولكن الحكومة القائمة الآن لم تسقط وانما اعطيت مشروعية باتفاقية السلام في ميثاق مبرم مع الحركة الشعبية في الجنوب ولذلك تتمسك الحكومة بهذا الوضع ومن الطبيعي ان الحكومة لا تحل نفسها ولا تسقط نفسها بالطبع وانا اعتقد ان الديمقراطية واستحقاق جيد ولكن ما ينتظرنا كما ذكر د. حيدر وكما هو واضح هو احتمال ان تتغير الاحزاب التي لم تشترك في حكومة قومية وعندها ملاحظات على اجراء الانتخابات ربما قد تتحفظ او تنسحب او تطعن في الانتخابات وهي سجلت تحفظاتها مقدما واعتقد ان هذا تمهيد للطعن ولعدم الاعتراف بالنتيجة فهذا وارد ولكن في تقديري لا توجد اصلا انتخابات كاملة بنسبة 001% وبصورة مثالية وان توجد انتخابات منقوصة بعض الشيء خير من ان لا توجد انتخابات بالمرة. ومن جانبه ذكر د. حيدر إبراهيم ان الانتخابات يمكن ان تكون غير كاملة لكنها مقبولة ولكن هذا القبول لا وجود له والشيء الغريب هو ان هناك «21» مرشحا لانتخابات رئاسة الجمهورية ومعنى هذا انه من المتوقع ان هناك «21» ايديولوجية قائمة بذاتها و«21» برنامجا انتخابيا مستقلا مختلفا بينما في العادة يكون هناك مرشحين او ثلاثة كشيء اقصى ووجود «21» مرشحاً يدل على الانشطارية الموجودة في المجتمع السودان وعدم القدرة على التوحد في برنامج حد ادنى وفي الحقيقة فان ال 21 برنامجا التي قدمت فيها شكل من اشكال المناطحة ضد المؤتمر الوطني اكثر مما فيها شيء ايجابي. ومن جانبه ذكر د. التجاني عبد القادر انني اخشى ان النخب السياسية الاخرى تكرر خطأ الانقاذ نفسه وتركز هذه النخب على سلطة الدولة وجهاز الدولة وتجعل الهيمنة والسيطرة على الدولة هي النقطة المركزية في برنامجها وكأنه لا يوجد شيء قبل الدولة وكل شيء مجمد وينتظر حتى يستولي الحزب او الجماعة السياسية على الدولة ثم بعد ذلك تستخدم جهاز الدولة لتولد البرنامج وهذا طبعا امر معكوس ولذلك تجد فقراًَ شديداً جدا للافكار وفقرا شديداً للبرامج ومثل لعبة كرة القدم السيئة تجد التركيز كل التركيز ومن كل اللاعبين الذين يحاولون ان يركزوا فقط على الكرة ولا يوجد لاعب يكون في الخلف حيث لا يوجد برنامج اجتماعي ثقافي متكامل تكون الدولة في داخله وانما يبدأ البرنامج وينتهي في الدولة وهذا يؤدي الى فشل كبير. وحول دارفور ذكر د. التجاني عبد القادر ان المسألة طبعا مسألة معقدة بالتأكيد ويقول بعض المراقبين ان عددا من المواطنين في دارفور لم يمكن لهم التسجيل لهذه الانتخابات لاسباب الحرب وتطالب الحركات الدارفورية وخاصة حركة العدل والمساواة بتأجيل الانتخابات حتى تجد فرصة للمشاركة واذا اجريت الانتخابات في غيبة هذه الحركات وفي غيبة هؤلاء المواطنين يمكن فعلا ان تكون منقوصة بعض الشيء لكني اعود واكرر انه حتى ولو تجرى انتخابات جزئية خير من الا تجرى انتخابات ابداً. بيد ان د. حيدر ابراهيم وصف ذلك بانه مسألة خطيرة جدا وقال انا اعتقد ان دارفور اذا لم تدخل مع بقية السودان في هذه الانتخابات فستقفز دارفور عمليا الى الانفصال حيث ان هذه الانتخابات تجرى على ضوء اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل الذي ليس بين الجنوب والشمال فقط وانما يعني اننا لا نريد حربا مرة اخرى في السودان وبالتالي لا بد ان تدخل دارفور باية طريقة او اخرى في هذه الانتخابات وليست هذه حيلة لالغاء الانتخابات وانما محاولة لان تأتي الانتخابات بنتائجها لانها لا تعني فقط الذهاب الى صناديق الاقتراع وانما تعني اننا نريد تحولا ديمقراطياً وتحولاً قومياً حقيقياً وان نخرج من هذه الانتخابات ولم تعد لدينا مشكلة اقليمية او مشاكل جهوية في السودان وهذه نقطة مفصلية بالنسبة لتاريخ السودان. وحول احتمال الانفصال لجنوب السودان عن الشمال ذكر د. حيدر إبراهيم انني اعتقد يعني ان الطرفين عجزا على ان يجعلا من الوحدة فعلا موضوعياً جاذبا وهما الآن لا يتحدثان عن الوحدة الجاذبة وانما عن الانفصال الناعم وهذا تراجع وتمهيد لمسألة الانفصال بصورة واضحة بينما ذكر د. التجاني عبد القادر من جانبه ان الخوف والخشية هي ان النخب الجنوبية او الحركة الشعبية تعتقد ان انفصال الجنوب في ذاته يمثل هدفا وليس وسيلة وانا اعتقد ان المصير في هذا سيكون سيئاً جدا بالنسبة للجنوب نفسه لانهم سيمضوا ويسيرون في اتجاه الثورة المستمرة والكرنفالات والمهرجانات حتى يدعموا هذه الدولة الجديدة او يسيروا في اتجاه آخر اكثر واقعية وهو ان الجنوب يحتاج الى اعادة تعمير ويحتاج الى تأهيل وعلاقات هادئة وحسن جوار وهذا طبعاً سيعني اتجاها عقلانياً واذا ساروا فيه يمكن ان يؤدي الى علاقات جيدة. ومن جانبه ذكر د. حيدر إبراهيم ان الدولة المركزية لم تعد لديها قدرة على ان تحكم بصورة قوية وعادلة ولذلك فكل الاطراف في السودان تعتقد انه لو حصل انفصال للجنوب سينفتح الباب بالنسبة لدارفور والشرق او لاية جهة اخرى وطبعاً فقد انفتح هذا الباب من اتفاقية نيفاشا والمشكلة هي ان الدولة اصلاً ضعفت في السودان وهو طبعا لم يكن مركزيا بمعنى ان هناك دولة قوية وانا دائماً اربط المركزية بها بان تكون الدولة قوية ولكن في السودان الدولة ضعيفة ومع ذلك تحاول ان تسيطر على بلد في هذا الحجم ولذلك الاوربيون بدأوا يقولون كلاماً خطيراً جداً وهو ان هذه المساحة كبيرة على السودان لان الدولة منذ الاستقلال لم تستطع ان تكون دولة قوية وانا اقصد قوية وليست عنيفة فنحن الآن لدينا دولة عنيفة من جانب لكنها ليست قوية بمعنى انها عندنا ليست قائمة بعملية تنمية ولا قائمة بعملية وحدة وطنية وبالتالي فان المطلوب في السودان هو مشكل من اشكال الدولة التي تستطيع ان تحكم بعدل وبديمقراطية وبتعددية هذه الاجزاء الكبيرة. وحول ابرز عيوب ادارة الحركة الاسلامية للدولة في السودان ذكر د. التجاني عبد القادر ردا على سؤال ان الادارة تحولت طبعاً بفعل ضغوط الحرب والضغوط الخارجية واصبحت في معظمها ملفات امنية او اشبه بهيمنة الاجهزة الامنية على الملف السياسي التي اصبحت طاغية جدا وبالطبع فان حكم الانقاذ نفسه جاء وليداً لظروف اضطراب وظروف ضغوظ وظروف عسكرية وظروف حرب كانت مشتعلة في الجنوب وبالتالي فان الطريقة التي اتى بها الى الحكم كانت ايضا طريقة استثنائية وليست طبيعية ولهذا هيمنة الامنيون او رجال الامن على حكم الانقاذ. ورداً على سؤال آخر هو ما اشار اليه بشأن التحالف الثلاثي بين القبيلة والسوق برعاية وتنظيم الامن ذكر د. التجاني عبد القادر انه يعني انك لما تنظر الى الاحزاب السياسية في السودان سواء أكان الحركة الاسلامية او الاحزاب الاخرى المعارضة تجد ان لها تكويناتها وبنيتها الحزبية وليست قوية وانما هي بنية هشة ولذلك فهي تتراجع وهذا ليس بدعا وليس استثناء وانا لاحظت هذا طبعا ونحن كحركة اسلامية كانت الافتراضات الاولى منا اننا نتعالى بعض الشيء عن التكوينات العرقية ونحاول ان نكون تكوينا سياسياً على رؤية فكرية والتزام قومي اكثر من التزامه العشائري. وحول اسباب هيمنة من اسماهم الترابي باولادنا الصغار من الامنيين الذين سيطروا على الامور في سلطة الانقاذ الوطني بالسودان وما اذا كان هذا يعني وجود ضعف في المفكرين السياسيين المدنيين في الحركة الاسلامية السودانية ام ان الامنيين كانوا اكبر من كل شيء؟ ذكر ان الامنيين والعسكريين يكون عندهم اليد العليا وان المفكرين والمثقفين ما كانوا في احتياج لهم بصورة كاملة واعتقد ان الدكتور حسن الترابي كان يعني هذا عندما اشار الى ذلك بمعنى تكوينات اولادنا الصغار» الامنيين هشة وبسيطة ويمكن للسياسيين يطوقوها بيد ان د. حيدر إبراهيم ذكر من جانبه ان الناس الذين ابتعدوا عن سلطة الانقاذ الوطني كانوا يعتقدون انهم استثناء لكني ارى ان نواياهم لم تكن حسنة لانهم اصلا انقلابيون وانت لا يمكن ان تقوم بانقلاب وتحكم بدون جهاز امن وطالما قررت الانقلاب فانك قررت انك لا تلجأ لصندوق الانتخابات ومعنى ذلك انك لا تمثل اغلبية فقمت بالتآمر وعملت الانقلاب. ورداً على سؤال آخر حول الحد الادنى من الفكر والموجهات الفكرية التي كانت موجودة لدى الحركة الاسلامية السودانية عندما استولت على السلطة عام 9891م ذكر د. التجاني عبد القادر ان الحد الادنى كان موجوداً ولكن طبعاً استجدت عناصر اخرى وبالطبع فان الانقلاب الذي قامت به الحركة الاسلامية لم يكن هو اول انقلاب في تاريخ السودان ويمكن القول ان كثيرا من النخب السياسية عندها التفكير الانقلابي وانا قلت عنها انه يرجع الى فكرة انهم يعتقدون ان الهيمنة على الدولة هي مفتاح التغيير وقد انتقدت هذا وقلت انه ليس السلطة الاساسية ولا القوة الاساسية التي تحدث التغيير هي الدولة وان الحركة الاسلامية كانت عندها مشاريع ثقافية ومشاريع اجتماعية وغيرها ولو استمرت فيها ربما كان الوضع يكون احسن.. بيد ان د. حيدر إبراهيم تدخل مرة اخرى وذكر ان تعليقي هو ان هذه فعلاً نظرة خاطئة لانفسكم وانا اعتقد ان الحركة الاسلامية في السودان كانت نشطة سياسياً ومنتشرة تنظيمياً ولكن كان عندها ضعفا فكريا ويتمثل الضعف الفكري في انك يمكن ان تحسب الناس الذين كانوا يقومون بالتفكير وتعتقد انهم ضمن قوتك لانكم كنتم اقوياء كنشاط سياسي ونشاط تنظيمي ولذلك افتكرتم انفسكم اقوياء فكرياً ولكن مشكلة الحركة الاسلاموية في السودان هي انها معارضة جيدة لكنها حاكمة رديئة ولا معنى لتبرير ذلك بالقياس مع التجارب الليبرالية واليسارية لان هذا قياس فاسد. ورداً على د. حيدر ذكر د. التجاني عبد القادر ان الحركة الاسلامية اصبحت مفتوحة ومتاحة لكل الناس يكتبون عنها وينتقدونها ولكن هناك نقد يقصد به انه خلاص يجب ان يهال عليه التراب تماما وتحذف وهناك نقد يقصد ان يزاح عنها التراب وتصلح وانا لا اعتقد ان الحركة الاسلامية لا يمكن اصلاحها وانما ارى انها يمكن اصلاحها وما نقوم به هو محاولة لتنشيط الشورى والديمقراطية من داخل الحركة الاسلامية ومحاولة تنقية هذه الحركة واصلاحها واعتقد ان هذا ليس عملا حزبياً ولا فئوياً وانما هو عمل ايضا في مصلحة الوعي السوداني وفي مصلحة السياسة السودانية نفسها لانها اذا تم اصلاح الحركة من الداخل وعدلت فهذا سينعكس ايضا في الوعي الوطني ولا يمكن ان يذهب كل هذا النقد وهذه المراجعات ادراج الرياح وبالتأكيد هناك وعي داخلي ببعض الاخطاء وهناك اعتراف بكثير من الاخطاء وبالطبع فان التغيير في السلوك السياسي يحتاج الى زمن بيد ان د. حيدر إبراهيم تدخل مرة اخرى وذكر انني ارى السودان امامي ينهار وربما لا يحتفل بعيد الاستقلال في 1102م لان السودان اصبح مقسما اثنياً بصورة يصعب تخيلها وكذلك قبليا وحتى بالنسبة للمؤتمر الوطني نفسه عندما اراد تسمية مرشحيه واجه مشكلة عويصة جداً فقد رجع الناس لقبائلهم مرة اخرى تماما وهذه مشكلة لو ظهرت في الانتخابات ستواكبها احداث عنف ولهذا لا بد من عمل ضمانات من الاول لقبول هذه الانتخابات. ورداً على سؤال حول كيف يمكن قلب هذه المعادلة المتشائمة او الواقعية بتسمية اخرى كما يرى د. حيدر ابراهيم ذكر د. التجاني عبد القادر ان هناك مشكلة واضحة في القيادة السياسية التي اصبحت قاصرة ونظرتها ضيقة وصدرها ضيق وهناك حاجة الى قيادة ترتفع قليلاً عن المصالح الفئوية والحزبية الضيقة وتتحرى المسؤولية باننا نمر فعلا بمرحلة حرجة ولا بد ان يكون لدينا حد ادنى من التوافق الممكن وتكون لدينا رؤية للسودان وعلى العموم فان حركة التصحيح الآن موجودة في كل الاحزاب السودانية ولا يوجد حزب من احزاب الحكومة والمعارضة الا وفيه انشقاق واحتجاج داخلي فحركة التصحيح موجودة لكننا نتمنى ان ترتفع القيادات الموجودة الى مستوى المسؤولية لان الزمن طبعا لا يسمح حتى تبلغ حركة التصحيح نهايتها وبتعديل هذه القيادات وتصحيحها وتغيرها واعتقد ان الحكم التاريخي سيكون قاسياً اذا فشلنا في هذه المرحلة. عن قناة الجزيرة