شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراجعات الدكتور حيدر ابراهيم على مراجعات الاسلامين (2 3)

# مراجعات الاسلاميين ونقدهم لتجربتهم اقرب الى المراثي والمناحات
# التجاني عبد القادر .. كتاباته الأولى لم تخل من من عاطفية التماهي مع الزعيم والانزلاق في اللاموضوعية، وهو من الذين مارسوا التواطؤ المثقف وتفرعن الفرعون بفضلهم
# يقدم ملاحظات ذكية ودقيقة لا تلفت انتباه كل شخص
# الفكر في الحركة الاسلاموية فرض كفاية قام به الشيخ فسقط عن الباقين
هذا كتاب حشد له صاحبه نحو خمسين مرجعا ليستخرج منها في 128 صفحة من القطع المتوسط ما يعزز مقولته الأساسية (كسب الدنيا وخسارة الدين)، فالكاتب لا يراجع الاسلاميين من المتعاطين للكتابة والفكر فقط وإن كان خصّهم بالتناول لأن لديهم ما يمكن النظر فيه ومناقشته بحكم مغادرته للشفاهية وانما يخضع تجربة الحركة الاسلامية السودانية برمتها لمبضع التشريح والمساءلة والنقد، ولا يتحرج الدكتور حيدر ابراهيم في كتابه (مراجعات الاسلاميين السودانيين كسب الدنيا وخسارة الدين) الصادر حديثا من دار الحضارة للنشر من اعلان تعاطفه مع الاسلاميين السودانيين على المستوى الانساني والوجداني (فهم في النهاية سودانيون يعيشون مأساة حقيقية) وان كان يقول في الجملة التالية انه يرفضهم على المستوى السياسي والوطني، ويصف مدير مركز الدراسات السودانية تجربتهم في الحكم الممتدة منذ عام 1989م بأنها كانت وبالا عليهم وعلى السودان ويقول عنهم انهم الآن اقرب الى نهايات أبطال روايات شكسبير التراجيدية ف (رغم امساكهم بالسلطة اصبحت كل اعمالهم للجاه لا لله، ومع محاولتهم ادعاء القوة والجبروت، فهم يثيرون فيك الشفقة لمسكنتهم وعزلتهم وانكساراتهم الداخلية. كيف لا وهم قد خسروا انفسهم ولم يكسبوا من الدنيا غير أوساخها: المال والعقار. لم يكسبوا الرحمة والتراحم والشهامة والبشاشة والمحبة، وهم يستحقون فعلا تسمية (حزب الجراد)، فهم قد جردوا البلاد والعباد من خيراتهم المادية والروحية)، ليطرح السؤال المحوري (هل كان السودان في حاجة جقيقية لحركة اسلامية).
اما الذين يناقشهم من المفكرين والكتّاب الاسلاميين فيصف الدكتور حيدر مراجعاتهم التي قاموا بها بانها اقرب الى المراثي والمناحات، ويقول ان الصعوبة التي وجدتها الحركة الاسلامية في ممارسة النقد والنقد الذاتي ومن ثم المراجعة مردها الى طغيان الاحساس بالتفرد بين الاسلامويين يستخدم هذه المفردة دائما فالحركة جمعت في تنظيمها بين الشمولية والقدسية والقيادة الكارزمية مما تسبب في قدر كبير من المكابرة، والشعور بالعصمة وامتلاك الحقيقة المطلقة، ولكنه مع ذلك يفرد لهؤلاء الاسلاميين الكاتبين الممارسين للنقد والمراجعات حيزا مقدرا من الكتاب يخصص لهم الفصل الثاني من الكتاب ذي الثلاثة فصول وتخصص له ولهم (الصحافة) هذا الحيز لعرض ما جاء في الكتاب، منه عنهم، لما يحتله جميعهم من ناحية في سماء التجربة السودانية المعاصرة، فكرا وممارسة:
تأصيل الفتنة ويوتوبيا الحل
يفرد الدكتور حيدر ابراهيم مساحة مقدرة من الفصل الثاني لمراجعة مراجعات الدكتور التجاني عبد القادر التي جاءت في كتابه (نزاع الاسلاميين في السودان .. مقالات في النقد والاصلاح) وذلك لأنه يعتبر التيجاني عبد القادر من الاقلام الرصينة والعميقة التي تناولت نقد الحركة الاسلامية السودانية، ودون انقطاع لفترة طويلة حتى بعد مغادرته البلاد، وأيضا لأنه من المتحمسين للنقد الذاتي ويكاد يراه فرض عين، ويقول ان التجاني يتميز بمحاولة التنظير ثم التأصيل للنزاع بين الاسلامويين متجاوزا الوصفية الى المنهجية والاستشراف.
ولكنه ايضا لا يستثنيه من صفة الصمت غير المحمود ويقول انه شارك في جمهورية الصمت التي امتدت حتى عام 1995، ولم نسمع حينها أي صوت يدين بيوت الأشباح والتعذيب والانتهاك، بل كانوا يرددون تهمة الأمن، إن لم يكن هم الذين صاغوه، واعتبار حملات الدفاع عن حقوق الانسان جزءاً من استهداف السودان. مشيرا الى عدم احتجاج التيجاني ولا الأفندي (إلا بعد صدور كتابه عام 1995) ولا الطيب زين العابدين ولا المرحوم محمود شريف، خشية على النظام الجديد من السقوط. والاجابة نجدها في هذا التواطؤ المثقف، وتفرعُن الفرعون بفضلهم.
ويبدأ حيدر ابراهيم بما يورده التجاني في مراجعاته من قائمة المفردات السائدة لوصف المشكلة والتي تتكرر كثيرا؛ وهي لفظ "الفتنة" و"الازمة" و"النزاع". ويقول ان لفظ (الفتنة) هو الاكثر استخداما، واستحوذ على اكثر من 34٪ من الترددات لدى التجاني حيث يراها مفردة اسلامية بالدرجة الاولى، ولا يستخدمها الماركسيون السودانيون والمجموعات السياسية الأخرى الا سهوا. وهو رغم ذلك لا يراها وحدها كافية للوصف كأداة تحليلة مفيدة في المجال السياسي. ويقدم عددا من التعريفات والاستخدامات القرآنية والاحداثيات التاريخية.
ويقبل حيدر ابراهيم مفهوم الفتنة رغم انه تقليدي وقديم وديني وسيكولوجي او بوصف أدق نفسي - باطني، ويقول انه الاقرب لوصف صراع الاسلامويين خاصة لو تبنينا معنى الابتلاء والاختبار والامتحان. فقد كانت شهوة السلطة والثروة اختبارا وابتلاء لم يصمد امامه الاسلامويون، ورسبوا رسوبا ماحقاً. ومع ذلك يتحفظ على المفهوم ان كان التجاني يريد ان يقول ان الشيطان كان ثالثهم، أو هو الذي أوقع بينهم كما يقال دوما. مشيرا الى ان مفهوم الفتنة يحمل ضمنا محاولة تخفيف الذنب وتقليل المسؤولية على الفاعل المباشر، فهناك دائما رائحة عنصر خارجي في الحدث، عندما نصفه بالفتنة. فالنزاع بين الاسلامويين كان بادراك ووعي ومذكرات ومؤسسات، وقادته صفوة الحركة، ولم يظهر العامة ابدا، فهم لو وجدوا لن يستوعبوا النقاش، وعلام الخلاف؟
ويجيب حيدر ابراهيم عن اول اسئلة البحث التي طرحها التجاني عبد القادر حول الرؤية: "ما هي طبيعة العلاقة (أو الرؤية المشتركة) التي جمعت بين عناصر الحركة الاسلامية؟ وهل استطاعت هذه المجموعة ان تستوعب الفلسفة والمقاصد العامة لدين الاسلام، وان تركب منها رؤية خاصة تلامس الواقع، ثم استطاعت ان تحول الرؤية الى تلاحم او تآخ على المستوى الاجتماعي الواقعي؟". وبعد ان يفكك العناصر التكوينية للحركة الاسلامية السودانية يخلص ابراهيم الى ان الحركة الاسلامية تضم اشتاتا من الافكار أقرب الى جبة الشحاذ. ولا توجد أي رؤية ولكن كوكتيل من الآراء قد يجمعهم صندوق او مواكب جماهيرية لمساندة القدس مثلا. مشيرا الى ان الاسلامويين جميعا حتى الصفوة، وبالاصح بالذات الصفوة، فرحين باستمرار بالتمدد الكمي او العددي للحركة، ولم يهتموا بالرؤية التوحيدية الموحدة التي يراها التجاني الاساس لأي حركة. ولم ينتبه للخلل الا بعد ان تم ايقاظ الفتنة بمذكرة العشرة. وتوقفت الحركة عند حد الشعارات المثيرة للعواطف، مثل: لا بديل لشرع الله. ولم يتناسب كسب الحركة الفكري مع حجمها وصوتها العالي. ويبدو ان الشيخ حسن الترابي قد سد السبيل امام الكتاب والمفكرين الاسلامويين، كما يردد الادباء السودانيون عن الطيب صالح في الرواية والقصة. (وأظن ان الترابي قد قام بالتفكير نيابة عنهم باعتبار ان الفكر في الحركة الاسلاموية فرض كفاية قام به الشيخ فسقط عن الباقين). مشيرا الى ان احد أسباب التدهور الفكري لدى الاسلامويين ان "الرؤية" كانت سالبة منذ النشأة الأولى، أي معاداة ومحاربة الشيوعية والشيوعيين في المؤسسات التعليمية والنقابات، ومازال الاسلامويون يعدون حل الحزب الشيوعي في العام 1965م من أعظم انجازاتهم المجيدة، غير مهتمين بقبول الآخر والديمقراطية التعددية التي تحترم الاختلاف بالذات المتناقض معك مثل الشيوعية. فهذا هو الاختبار والمحك الحقيقي للقدرة على ممارسة التسامح او ما يدعى احيانا التحمل.
وينبه حيدر ابراهيم الى ان الانقلاب العسكري على الديمقراطية حظي بمباركة جميع الاسلامويين، وحتى من قيل أنهم صوتوا ضد القيام بالانقلاب شاركوا في جني ثماره بعد النجاح. فهم كانوا يخشون الفشل وليسوا حريصين على استمرار التجربة الديمقراطية. ورغم النقد الذي جاء متأخرا كثيرا، فقد دل تطور الاحداث على مدى هشاشة العقيدة الديمقراطية في الضمير الاسلاموي. فالديمقراطية هي مجرد مطية حسب لغتهم للسلطة لا أكثر، او لكسب قدر من التحرك وقت المحن، ويردد كل الاسلامويين ادعاء وجود خطر على البلاد وعلى الحركة. مستشهدا بالتصور السائد آنذاك الذي اورده التجاني عبد القادر: "ان انقلاب 30 يونيو 1989م هو اجراء فني محدود املته الضرورات الامنية والسياسية التي كانت تحيط بالسودان وبالحركة الاسلامية خصوصا وما صاحب ذلك من خطر ماثل على المصالح القومية". ويقول ابراهيم أن الحركة الاسلاموية هي أكثر القوى السياسية استخفافا بشعبها وعدم احترام له. وهذا موقف متوقع بسبب الحق الإلهي الذي تستند عليه فهي تقرر وتحكم باسم الله. ويرفض بعض الاسلامويين فكرة السلطة للشعب ويعتبرها كفراً؛ لأن الحاكمية لله. ويمكن فهم عدم اهتمام الحاكمين بالنقد الذي يوجه لهم في الصحف وأجهزة الاعلام، ولا يعطون أي قيمة لرأي الشعب. اما الدليل الدامغ لهذا الاستخفاف، فنجده في طريقة "هندسة" الانقلاب، اذ تتحدث وثائقهم عن خطة التمكين التي تقوم على مراحل متدرجة هي: "مرحلة التظاهر بالقومية، ثم مرحلة اعلان الشريعة، ثم ظهور الرموز الاسلامية شيئا فشيئا وفق الاطمئنان الى رسوخ التمكين، وان ادارة هذه المراحل قد تركت الى الامين العام ونائبه والمسؤولين العسكريين - دون حاجة الى بقية أعضاء المجلس التنفيذي الذي فوض صلاحيته الى هؤلاء، دون حاجة الى مجلس الشورى الذي حل نفسه!". وأدى جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة الملتزمين ورئيسه قسم الولاء والعهد امام الامين العام للحركة بالتزام خطة الحركة وقرارها. ولكن بعد مرور السنوات الثلاث الأولى لم تطبق الخطة بل جرى تعديل باقتراح جديد: "ان يبقى رئيس مجلس قيادة الثورة في موقعه؛ لأن فيه ما يحقق ذات الغايات التي يمكن أن يحققها الامين العام"، ويذهب التعديل أبعد من ذلك حين يطلب بأن "يهيأ رئيس مجلس الثورة باللازم حتى يصبح هو نفسه أمين عام الحركة!" (ص 3 - 64). ويخلص التجاني الى ظهور "رؤية" د.الترابي مقابل "رؤية" البشير وآخرين. وهذه بداية "الفتنة" حسب رأيه، وهي تعبير عن "شراكة الضرورة القبول بإمارة "الاستغلاب". فقد كانت الخيارات أما ان يقوم العسكريون بانقلابهم الخاص دون الاستعانة بالحركة، أو أن يقوم عدد محدود من الضباط الاسلاميين بالانقلاب ثم ينصبون الأمين العام للحركة الاسلامية رئيساً". (ص65). فكانت الشراكة وتوابعها وقد جاء عنوان هذا الجزء في كتاب التجاني في شكل تساؤل: العسكريون الاسلاميون أمناء على السلطة أم شركاء فيها؟ وقد عُرِفت الاجابة وجاءتنا جميعاً من مسيرة الواقع، ومرة أخرى يثبت العسكر أنهم أذكى، أو بالأصح أكثر دهاء من الأنتلجنسيا الملكية.
ويلاحظ حيدر ان (التيجاني) مثل (المحبوب) يعتقد أن عسكرهم ونخبتهم المنحازة لهم، بسبب اسلاميتهم، سيكونون أكثر نقاء. «لم يكن منا من تصور أن (زكام السلطة) سيصيب (نخبتنا) الاسلامية الصاعدة كما أصاب النخبة المايوية المتهاوية وسائر نخب اليسار العربي، ولكنها فيما يبدو سنة ماضية". (ص73). فالعسكر في عهود الانقلابات يرون انهم قدموا تضحيات كبيرة تستحق التقدير والمكافأة. ويذكر حيدر ابراهيم في هذا السياق المفاخرة المتكررة لدى عسكر مايو: «نحن الذين حملنا رؤوسنا فوق أيدينا صبيحة الخامس والعشرين من مايو». وكيف كان بعض المثقفين يسخرون منهم بالرد: «نعمل ليكم شنو يعني لو شلتو رؤوسكم الفاضية دي!". وكان هذا رأي المثقفين في شركائهم الذي علقوا في النهاية الرؤوس "المليانة" في حبال المشانق بلا رحمة. والآن يجولون ب"الإمام المظلوم" من معتقل إلى آخر دون اعتبار لأي شئ..
ويشير ابراهيم الى ان صفة الإمام "المظلوم" ليست من عنده تماماً، وانما نحت المصطلح من التحليل الذي قدمه التجاني لحالة الشيخ عقب المفاصلة. فهو يرى أن الشيخ ظلم مرتين: "مرة من المعارضة الخارجية التي لم تتفهم أطروحاته المعتدلة، فتظل تتهمه بالأصولية وتحاسبه بكل سيئاتها في كل العهد الاسلامي، ومرة ثانية من قبل (تلاميذه) الذين جاء بهم إلى الحكم فصاروا (يتنكرون له ويتشككون في قدراته ويتجسسون على تحركاته) ويدخل الشيخ في دور شخصية شكسبيرية، فقد استطاعت مجموعة من تلاميذه "الأوفياء" الذين تخطتهم التعيينات الوزارية، أو أخرجتهم الموازنات السياسية، أن يعودوا في مثل هذا المناخ النفسي. تمحور هؤلاء حول الشيخ: "ويوحون له بأن مرحلة (الامام العالم) قد أطلت، وأنه لا أحد غير (صاحب المشروع) يستطيع أن يقود دولة المشروع". (ص72). ويزعم التجاني أن هذه المجموعة "هي التي ساعدت (من خلال المناجاة والنميمة) أن ترفع التوتر والتوجس إلى مستوى فقدان الثقة والعداء الكامل بين الطرفين". (ص72). ويؤرخ من تلك اللحظة لظهور البطانات لدى الطرفين والتي تحجب الوصول والاتصال بالشيخ أو الرئيس، ودخلت المجال السياسي والتنظيمي، ما يسميها "الأطراف الجديدة المصنعة"، والجماعات الوظيفية المساندة لها، وصارت تقوم بأدوار مؤثرة في تصعيد النزاع، وفي قيادة الحركة الاسلامية والدولة. ويحكم على هذه الأطراف الجديدة، بأنها: "لن تكون مهتمة بالفكر الاسلامي أو الشورى القاعدية أو العدل الاجتماعي، مثل اهتمامها باستعادة السلطة المسلوبة أو تثبيت السلطة المغصوبة. وسيستمر الصراع المحموم بين الطرفين، وستظهر آثاره المدمرة تارة في دارفور، وتارة في أسمرا، ولا نملك نحن بالطبع أدوات توقف هذه الحماقات والجنون". ص72
ويتوقف حيدر ابراهيم عند وصف (التيجاني) لأطروحات (الترابي) بالمعتدلة، بالذات في تلك الفترة المبكرة من الانقلاب، فقد كان الترابي منتشياً ويحلم بتكوين أممية اسلامية أو حتى امبراطورية. ويقول (لا أدري كيف يقيم ذلك الأكاديمي الحصيف والرصين تلك الأطروحات أم أغشى بصره ضباب الأيديولوجيا؟) ليبدي بعدها اعجابه رغم اختلاف المنظور الفكري بعرض التيجاني لتداخلات الحداثة والقبلية في العقل والممارسة بين صفوف الحركة الاسلامية، مشيرا الى ان هذا تناقض رئيس، وتعايش يكاد يكون مستحيلاً بين الأسلمة والتحديث. فالحركة بسبب اسلاميتها وسودانيتها، فالفكر الاسلامي لم يستطع تمثل أو التكيف مع كثير من القيم الحديثة بالذات في السياسة والحكم. ويرجع ذلك إلى اختلاف الجذر الفلسفي للاسلام والحداثة، وبالتالي التطور في خطين متوازيين يصعب أن يلتقيا، وحتى اليوم لم تنجح جهود التوفيق أو التلفيق بين الرؤيتين. ويقول ان التجاني يقدم ملاحظات ذكية ودقيقة لا تلفت انتباه كل شخص، مثل لقائه الأول مع الترابي والذي أبدى فيه الأخير قدراً كبيراً من الجفاف والرسمية. ويفسر هذا السلوك باعتباره نمطاً "من أنماط القيادة الرشيدة التي تقود المؤسسات العقلانية الحديثة". (ص116). ويلاحظ أن (الترابي) قد تراجع عن نموذجه الحداثي الهش وتراجع عنه فعلياً، يكتب (التيجاني) ممسكاً بالظاهرة: "حيث صار بعد عقود من السودنة يتقبل لقب الشيخ هاشا باشا، وإذا قدر لك أن تراه بالملفحة والمركوب الفاشري وهو يستقبل زعماء الرزيقات والمسيرية والزغاوة والبرتو ويأخذ منهم البيعة، لرأيت الحداثة وما قبلها يجتمعان في المنشية". (ص117). وهكذا بدأ التحول الاستراتيجي من التنظيم الحديث إلى القبيلة. ويحكي التجاني أن (لترابي) سأله ذات مرة ان كان ينحدر من شخص زعيم، شيخ أو عمدة أو نحو ذلك من الزعامات. وعندما أعطاه الانطباع بأنه عاطل من هذا التراث، صار (الترابي) يصنفه ك"مفكراتي"، وهذا مصطلح يستخدمه (الترابي)، ثم يردده بعض المقربين في مكتبه التنفيذي "اشارة تهكمية إلى كل من ليس له تجذر في النسيج القبلي، أو القطاع الاقتصادي، أو الأمني، فقد كانت المرحلة كما اعتقد مرحلة تحالف استراتيجي بين دوائر ثلاث متداخلة: القبيلة، والسوق، والأمن". ليكون السؤال هنا: ماالذي يميز الحركة الاسلامية عن الاحزاب التقليدية التي تهاجمها وتعمل على استبدالها حين تحيا القبلية مجدداً؟ هذا ما أردده عن الحركة التي تريد الوصول إلى نموذج حديث بأدوات تقليدية عتيقة. ويشير التجاني إلى نقاشات شيقة وهامة دارت في السجن حول: «هل سيظل السودان برغم حدوده الجغرافية الراهنة، وبمجموعاته السكانية المتنوعة، وثقافاته المختلفة، قطراً واحداً تحت نظام اسلامي حديث، على اختلاف في درجة الحداثة ونوعها؟" (ص120). ويحدث التحول الذي يبذر إحدى بذور الفتنة، ويكمن في تحالف الثالوث: القبيلة، والسوق، والأمن. وكان (التيجاني) يخشى أن تبتلع القبيلة تنظيمهم الاسلامي الحديث ويتم ذلك بأن: "يتلاشى في انساق من التحالفات والترتيبات والموازنات التي تتلاقى فيها المصلحة الاقتصادية، والانتماء القبلي، وتحرسهما شبكة من الكوادر والتدابير الأمنية، إذ أنه بدلاً من أن يضعف التنظيم الاسلامي الولاءات القبلية أو ينجح في ادراجها في الولاء الاسلامي العام، فقد تتكاثر بعض العناصر القبلية داخل تنظيمنا الاسلامي وتستخدمه (مستقوية بالأجهزة الأمنية) لمصالحها الجهوية والعرقية". (ص123). وكانت اليوتوبيا التي يحلم بها (التيجاني) وأمثاله الذين يشغلهم الفكر أحياناً، أن تكون وظيفة التنظيم هي: "ان يسد الفجوة بين لمثال الاسلامي والواقع من جهة، وبين الدولة والمجتمع من جهة أخرى، أي أن يكون مساحة يستولد فيها برنامج اسلامي وطني تنموي يقوم على الطوع والتراضي". ولكن هذه الرؤية لم تتحقق؛ لأن التنظيم أزيح مثلما أزيحت حكومة الأحزاب، وأصبح الاتصال بين الحكومة وفئات المجتمع يتم غالباً من خلال الأجهزة الأمنية، وصارت جميع الملفات تتحول بصورة منتظمة إلى الأجهزة الأمنية. ونحن أمام ظاهرة "أن يبتلع تنظيم اسلامي، من قبل الأجهزة التي أوجدها" ويراها التيجاني غريبة: "إذ كيف تهيمن عناصر أمنية على تنظيم اسلامي يقوم أساساً على عقيدة في الدين يؤمن بحرية الانسان وكرامته، وكيف تهيمن عناصر فرعية ناشئة على تنظيم اسلامي عتيق ظل هو نفسه يعاني من (وطأة اضطهاد ومطاردة الأجهزة الأمنية ردحاً من الزمن).
ويرافق حيدر، التجاني، في رحلة دور السوق في المشروع الحضاري وفي الفتنة. فقد ابتلع السوق أو العقلية التجارية ما تبقى من التنظيم الاسلاموي. مشيرا الى ان التجاني قدم تعريفاً في شكل حقيقة تنسب للحركة الاسلامية، جديدة تماماً في التعريف والتوصيف.. ففي معرض بحثه عن الكيفية التي تحولت بها تلك البروليتاريا الاسلامية التي كانت تسكن بيوت الجالوص - وفق إفادته - إلى ما يشبه حالة البورجوازية؛ يصل بنا إلى التناقض الاساس الذي وصلت إليه الحركة مع استيلائها على السلطة. فهو يقول أن كثيراً منهم لم يأت إلى الحركة الاسلامية، ويفني فيها زهرة شبابه - كما يقول - في خدمتها من أجل الحصول على الثروة، ولكن من أجل العدل الاجتماعي. وهنا يقطع التجاني بلا أدنى تردد بأن الاسلامويين انفصلوا من انتماءاتهم السابقة من أجل هذه القضية فقط، ولم يتصلوا بالحركة الاسلامية إلا من أجلها.
ويعلق حيدر على ذلك بالقول (من العجيب أنني كنت أشعر باستمرار بأن قضية العدالة الاجتماعية ولا أقول الاشتراكية هنا هي كعب أخيل الحركة الاسلامية السودانية. فالشيخ الترابي رغم كتاباته الغزيرة لم ينشر أي اصدارة حسب علمي عن العدالة الاجتماعية رغم أنه أفرد اصدارة للمرأة وللفن. بل العكس، لديّ احساس ولا أقول يقيناً بأن الحركة تبنت موقفاً عدائياً من الموضوع؛ لأنه يتلاقى مع طروحات الشيوعيين واليساريين، وكان عليها في زمن الحرب الباردة أن تتميز عنهم. ويعود العداء التاريخي مع حركة التحرير الاسلامي بقيادة بابكر كرار بسبب ميولها "الاشتراكية"، والتي عارضت تسمية "الاخوان المسلمين" عام 1954 لاختلاف الخطين).
ويقول حيدر ان التجاني يقدم مجرد وعظ لا يليق بأكاديمي رصين، فهو يتحدث عما يجب أن يكون ما قد كان فعلاً، وهناك فرق شاسع بين التاريخ والأمنيات وذلك حين يتحدث عن انه "إذا لم تتدارك الحركة الاسلامية نفسها بصورة جادة فإنها سرعان ما تجد نفسها منقادة بقوى السوق، وسيكون أرقى مكاتبها هو مكتب التجار، وسيكون أنشط عناصرهم هم المقاولون ورجال و(سيدات) الأعمال، الذين يكون انشغالهم بالأرصدة والصفقات أكثر من اشنغالهم بالكتاب وبالناس وبالقسط الاجتماعي". ويخاطب التجاني بالقول (لا تحزن يا سيدي فهذا التطور المتوقع كما تقول السخرية الشعبية: الكيزان دخلونا الجامع ودخلوا هم السوق! وبالفعل صارت الحركة مثلما خشى عليها؛ لأنها لن تستطيع تدارك نفسها، فقد جرفها تيار قوة المال والسلطة).
وعن توقعات التجاني عبد القادر بقيام تيار اسلامي ثالث، ستتولد فيه قيادات، وتتكتل حوله قوى اجتماعية جديدة، لتبدأ دورة جديدة من دورات العمل الاسلامي الرشيد بعد ان ذهب الفصيلان الاسلاميان المتناحران: المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، في اتجاه التدمير المتبادل، يقول حيدر ابراهيم انه لابد أن نفرق بين الواقع والمثال، ثم نعي كيف يعمل التاريخ؟ ويؤكد على القول الفلسفي العميق: إنك لا تنزل النهر الواحد مرتين. ويستحيل أن يعيد التاريخ نفسه، خاصة حين يكون قد أعطاك في المرة الأولى الفرصة الكاملة. ويقول ان أمنية الاصلاح غير تاريخية، فالسياق الزمني الحالي يختلف تماماً عن زمان نشأة لحركة الاسلامية الأولى. فقد عاشت من قبل في حقبة مجتمعات حركات التحرر الوطني، فاستفادت من ذلك الزخم الفكري والسياسي رغماً عنها. كما أن فترة الحرب الباردة تميزت بصراع الأفكار والمنافسة حول شعوب العالم الثالث. وعلى المستوى المحلي والاقليمي، لم تكن العولمة قد هزّت الجذور وأسقطت الحدود المادية وغير المادية، ولم يكن المجتمع الاستهلاكي قد فرض قيمه ونمطه السلوكي وثقافته بالطريقة السائدة حالياً. وفي السودان كانت حينذاك توجد نخبة صاعدة ومستنيرة وجيدة التكون في كل المجالات، وكان الترابي وأقرانه نتاج ذلك الزمن الصاعد.
ويشير حيدر في نهاية مراجعته لمراجعات التجاني عبد القادر إلى أن بعض كتاباته الأولى لم تخل من عاطفية التماهي مع الزعيم، وبالتالي الانزلاق في اللاموضوعية. وقد برز هذا الاتجاه جلياً في رد فعله تجاه محاضرة جعفر شيخ ادريس التي قدمها في ندوة هيئة الأعمال الفكرية بجامعة الخرطوم في 18 أكتوبر 1995م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.