جاء رد الخرطوم العسكري سريعاً على الهجوم الذي تبنته الجبهة الثورية بمساعدة لوجستية من جوبا - حسب إعتقاد الحكومة - على جنوب كردفان ، ولعل اكثر ما تخشاه دولة جنوب السودان في إطار تصعيدها العسكري مع جارها الشمالي هو إستخدام الأخير سلاح الطيران الجوي الذي يضرب بعمق في داخل الدولة الحديثة النشأة، ووفق اتهامات صاغتها دولة الجنوب ضد حكومة السودان فصّلت فيها إنتهاك حرماتهم في منطقة (فاريانق) في ولاية الوحدة الغنية بالنفط التي تعرضت لقصف جوي من قبل دولة السودان . ويبدو أن توقيت عملية القصف الى جانب أهمية المنطقة الإستراتيجية من واقع أنها منطقة توجد بها آبار للبترول شكلتا دوافع لجوبا التي خرجت أمس منددة بهذا الهجوم الذي إعتبرته بداية لإعلان الحرب من قبل الخرطوم حيث صرح وزير الإعلام برنابا بنجامين قائلاً « هذه دعوة من الخرطوم للمواجهة المباشرة وإعلان حرب من طرفها ونحن لن ننجر لهذه الحرب « . وإن كانت جوبا لن تسعى الى حرب مع السودان فهو من واقع التزامها الكامل بإتفاق وقف العدائيات الذي وقع بين الطرفين في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا هكذا أكد برنابا ، واللافت أن الإلتزام ببنود إتفاق وقف العدائيات هو ذات المبدأ الذي إرتكزت عليه الحكومة السودانية في دحض ما إتهمت به من قبل الجنوب حيث نفى المتحدث بإسم الجيش الصوارمي خالد سعد أن تكون القوات المسلحة قد نفذت أي عمليات هجومية على الجنوب . وقال ل( الصحافة ) « هي مجرد إدعاءات وتهم لا أساس لها من الصحة « وأوضح أن القوات المسلحة ملتزمة بعدم تنفيذ أي أعمال عدائية خارج حدود دولتنا، وأضاف « كما أننا ما زلنا ملتزمين بإتفاق وقف العدائيات المبرم مع الجنوب ، وفي حال إستمرت جوبا في نشر تلك التهم عليها أن تأتي بالأدلة « . ويرحج متابعون أن الحكومة السودانية التي احتفظت بحقها في الرد قد نفذت ما هددت به بإعتبار أن الحكومة السودانية ارادت اشهاد المجتمع الدولي ان ردها العسكري جاء بعد أن نفدت لديها الحلول الدبلوماسية وذلك في ظل تجاهل مجلس الأمن المستمر للشكاوى التي يرفعها اليه ، غير أن الخارجية السودانية أكدت في وقت سابق أن لا مجال للدخول في حرب مع الجنوب وأن التعامل مع التطورات المتصاعدة معه يأتي في إطار رد العدوان ليس إلاّ ، ونفي المتحدث بإسم وزارة الخارجية العبيد أحمد مروح ل( الصحافة ) مهاجمة سلاح الطيران الجوي السوداني لأية منطقة داخل حدود دولة الجنوب ، دون أن يستبعد مهاجمة المناطق التي تشهد وجوداً للفصائل المسلحة التي ترفع سلاحها في وجه الخرطوم وأضاف « نحن نؤكد ونجدد عدم رغبة الحكومة في الدخول في حرب شاملة مع الجنوب « . وفي تحرك اممي قادته مندوبة الأمين العام للأمم المتحدة في الجنوب هيلدا جونسون عبرت عن تخوفها من ان يؤدي الصراع بين الدولتين الى نشوب حرب مرة اخرى ونقلت الى الحكومة السودانية رغبتها في اقامة علاقات ودية مع جارها الجنوبي لكن تلك الرغبة اصطدمت برهن السودان اقامته لاي علاقات طبيعية مستقبلية مع الجنوب بالحفاظ على إستقراره الأمني وحمّلت المبعوثة الأممية رسالة واضحة مفادها أن على الذين أوفدوها الكف عن إيواء الحركات المتمردة ومن ثم يتم النظر في تلك العلاقات المستقبلية . فيما نفت جوبا بدورها إيوائها لمجموعات متمردة على الحكومة السودانية بل إنها سعت الى رأب الصدع بين الجانبين لكن الأخيرة رفضت وذلك وفق إفادة المتحدث بإسم الجيش الشعبي فيليب أقوير الذي أوضح أن حكومته لا تمتلك الموارد التي تكفيها ناهيك عن أن تقدم دعماً لأية مجموعة هنا أو هناك وقال أقوير ل( الصحافة ) حكومة الخرطوم رفضت مبادرتنا الخاصة بعقد اتفاق بينها وبين متمرديها ومع ذلك فإن اراضينا تخلو الآن من أية حركة مسلحة تحارب الخرطوم ، وإعتبر أن تلك الحركات لا تنقصها الأرض التي تنطلق منها حتى تلجأ للجنوب وأضاف « انهم يمتلكون أكثر من 90% من ولاية جنوب كردفان ، والحكومة السودانية كانت تعلم أنهم مجتمعون في كاودا « .وعاد ليثبت أن الحكومة في الشمال قامت بشن هجوم أدى الى تدمير بئر للبترول وأخرى للمياه في ولاية الوحدة وأن مواطني تلك المنطقة يعانون في الوقت الراهن من شح في مياه الشرب بعد أن إختلطت مياه البئر بمادة الجازولين المنبعث من بئر النفط المجاورة. وفيما يبدو أنها عملية تبادل اتهامات بين الجارين فقد شرعت الجمهورية الأحدث في تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي توضح فيها اعتداءات السودان المتكررة ضدها . ولكى تقيم الحجة بالبينة إستشهدت دولة الجنوب بقوات الأممالمتحدة المنتشرة في الجنوب على ما وصفتها بالاعتداءات المتكررة والمعلنة ، وتوعدت أيضاً بالدفاع عن أراضيها . ويحذر محللون من نذر الحرب التي باتت وشيكة الوقوع بين البلدين على الرغم من تأكيداتهما المستمرة بعدم السعي للحرب ما لم تجر اليها من قبل الطرف الآخر ، وهو ما جدده الوزير برئاسة الجمهورية أمين حسن عمر ل( الصحافة ) بقوله « ادعاءات جوبا كاذبة وهي التى ترعى وتقود العمل العدائي ضد السودان « وزاد أن السودان لا يرغب في الحرب ولكن في حال فرضت جوبا واقع الحرب فستكون هى الطرف الخاسر حسب تعبيره . ورغم توتر الاجواء حاليا فإن المجتمع الدولي يظهر بمظهر الحريص على تفادي وقوع حرب بين البلدين ومبعوثة بان كي مون إذ تطرح مبادرة إقامة علاقات حسن جوار بين البلدين فإنها تكون قد جددت مطلب المجتمع الدولي الذي كان متفائلاً بحدوثه قبل نحو ثمانية أشهر بأن يتم توليف علاقة قائمة على تبادل المصالح والمنافع المشتركة، لكنها تبدو عملية عصية الحدوث في ظل تصاعد وتيرة الأحداث بين الدولتين حيث يأتي كل يوم بما هو جديد مشجع للحرب، والمتضرر الأكبر من ذلك هو شعبا البلدين .