تحسباً لإزدياد حالات التوتر بين دولتي السودان وجنوب السودان يسعى المجتمع الدولي الى التوسط في ملف عودة الجنوبيين المتواجدين في شمال السودان، إذ تمضي عجلة الزمن بصورة أسرع مما هو متوقع فقد تبقى من الأجل الزمني الذي حددته الخرطوم موعداً لإجلاء كل رعايا دولة الجنوب المقيمين بصوره غير شرعية شهر ونيف. ليدق المجتمع الدولي ناقوس الخطر مستجدياً الحكومة في إبداء مزيد من المرونة في قيدها الزمني تارةً ، وبتشديدها على الحكومة منح ابناء الجنوب المقيمين في الشمال الجنسية تارةً أخرى ، وهو الطريق الذي سلكته منظمة هيومان رايتس ووتش محذرة من إحتمال أن يفقد مئات الآلاف جنسيتهم السودانية، بمن في ذلك اشخاص ليست لهم صلات أو روابط في جنوب السودان»، وأضاف مسؤول أفريقيا بالمنظمة : «يتعين على السودان وبصورة عاجلة توفيق قانون الجنسية مع المعايير الدولية على نحو يحترم حقوق المواطنين السودانيين في الإحتفاظ بجنسيتهم بصرف النظر عن الأصل أو الخلفية العرقية.» وكان وزير الدولة البريطاني للتنمية اوبراين دعا في الخرطوم السلطات لإبداء المرونة بشأن ترحيل الجنوبيين الى موطنهم، وطالب الحكومة بتمديد المهلة المحددة بالثامن من ابريل كآخر يوم لبقائهم، وقال ان المواعيد تقترب وما تزال هناك صعوبات لتحرك المواطنين العائدين مع امتعتهم، واشار اوبراين الى تلقيه ردوداً مشجعة من الخرطوم حول الطلب. لكن وحسب مصدر حكومي مطلع فإن الحكومة تدرس الآن إمكانية تمديد المهلة المعلنة الى تاريخ جديد لم يتفق على تحديده حتى الآن وقال المصدر ل( الصحافة ) « من حيث المبدأ لا يوجد لدى الحكومة مانع في تمديد تاريخ الثامن من ابريل « غير أنها موافقة مشروطة حيث رهنت الحكومة موافقتها بأن تلمس بدءاً جدية من حكومة دولة الجنوب في مسألة إستخراج أوراق ثبوتية للجنوبيين في الشمال وإعطائهم جنسية الجنوب أولاً لكي يخوّل لهم المطالبة بجنسية أخرى وأيضاً لإبعاد صفة البدون عنهم. وحسب قانون الجنسية السوداني فإن من صنّف على أنه مواطن جنوبي ومتى ما وفق أوضاعه في الجنوب ومنح جنسية دولة الجنوب فإن الجنسية السودانية تسقط عنه، في الوقت الذي يعتمد القانون الدولي فيما يتعلق بمنع انعدام الجنسية، يحدد مشروع مواد الأممالمتحدة حول جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة انفصال الدولة التزامات الدول تجاه مواطنيها والمقيمين في أراضيها ممن تأثروا بالانفصال. بحيث يجب على الدول أن تتفادى تحول الأفراد المقيمين على أراضيها إلى أشخاص بلا دولة، كما لا يجب أن تقوم الدولة باتخاذ قرارات تعسفية أو تمييزية فيما يتعلق بالجنسية والمواطنة، ويتعين أن تأخذ في الإعتبار إرادة الناس. ففي حال إلغاء جنسية عند الحصول على جنسية الدولة الجديدة المنفصلة، فإن إلغاء الجنسية الأولى لا يحدث إلا بعد الحصول على الجنسية الجديدة، كما لا يجب أن يحدث ذلك للأشخاص المقيمين بصورة اعتيادية في الدولة السلف . الحكومة السودانية تعتبر أن حق منح الجنسية حق سيادي لا دخل لأحد فيه تعطيه من تشاء وتمنعه ممن تشاء ، وأوضح المتحدث بإسم المتحدث بإسم الخارجية العبيد أحمد المروح أنه في حالة الجنوبيين لن تعطى الجنسية بصوره جماعية لمجرد أنهم يعيشون داخل حدود الدولة وأضاف في حديثه ل( الصحافة ) « من لديه الرغبة من أبناء جنوب السودان في الحصول على الجنسية السودانية عليه أن يتقدم بطلب وبعدها يتم النظر في طلبه من حيث القبول أو الرفض « . وبدا واضحاً من إبتعاث حكومة الجنوب لممثل الأمين العام للأمم المتحدة للتحدث بالإنابة عنها فيما يخص عودة الجنوبيين أن جوبا تريد كسب المزيد من الدعم في معركة إعادة مواطنيها القادمة حيث شددت هيلدا جونسون قبل ثلاثة أيام ومن داخل الخرطوم على أن مسألة عودة ابناء الجنوب الى قراهم بصورة آمنة تعتبر مسألة عاجلة حسب تعبيرها، وحسب المروح فإن مبعوثة المنظمة الأممية قد نقلت لهم قيام بعثة الأممالمتحدة في عاصمة دولة الجنوب بتدريب عدد من الخبرات الجنوبية في مجال استخراج الأوراق الثبوتية للشروع في عمل منظم في هذا الإتجاه ، لكن الحكومة السودانية في ذات الوقت أبلغتها بأن سفارة جنوب السودان في الخرطوم لم تستخرج حتى الآن أي وثيقة ثبوتية أو جنسية لأبنائها المنتشرين في الشمال ، وهو الشئ الذي تضعه الخرطوم في خانة المماطلة . وفيما تتهم الحكومة رصيفتها في دولة الجنوب بأنها تسببت بصوره مباشره في عرقلة عودة جنوبيي الشمال وذلك بتعطيل مسارات نقلهم البرية أو النهرية، فقد أعلنت منظمة الهجرة الدولية التي تشرف بصورة مباشرة على برنامج عودة الجنوبيين الى مناطقهم ان أكثر ما يعيق عملية حركة إيصال العائدين هو كمية الأمتعة الكبيرة للغاية، اذ حرص الجنوبيون على نقل كل شيء بما في ذلك مواد البناء والادوات المنزلية والشخصية اللازمة لمساعدتهم على اعادة بناء حياتهم في الجنوب. وحسب المتحدث بإسم المنظمة في السودان جان فيليب فإن الهجرة قد قامت بتسهيل حركة العودة الطوعية لنحو 23 الفا من الذين تقطعت بهم سبل العودة الى ديارهم في جنوب السودان الى جانب دعمها 16500 عائد آخرين تقطعت بهم السبل داخل جنوب السودان، موضحة ان هناك أكثر من نصف مليون شخص من جنوب السودان يقيمون في السودان وامامهم الفرصة اما لطلب مغادرة البلاد بحلول مطلع الشهر المقبل أو السعي الى تنظيم وضع اقامتهم. وأشار الى وجود توقعات بأن الأغلبية قد تختار العودة في نهاية المطاف الى جنوب السودان . ويرى محللون امكانية أن تؤدي مسألة الجنسية الى مزيد من الإحتقان بين البلدين لاسيما مع تدخل المنظمات الدولية في الملف في مقابل فشل الطرفين في التوصل الى صيغة إتفاق سياسي ينهي الخلاف حول مسألة الجنسية ومن يستحقها ، وكان من المؤمل أن يحسم ملف الجنسية في جولة المفاوضات التي التأمت في أديس أبابا الشهر الماضي وذلك بالمصادقة على ورقة الوساطة الخاصة بها ، لكن الفشل كان سيد الموقف أيضاً بعد أن رفض وفد جنوب السودان التوقيع على تلك الورقة وهو ما إعتبرته الحكومة السودانية دليلا واضحا على عدم جدية جوبا .