مدخل: لقد نشأت عاشقاً لمادة الرياضيات فتعلقت بها حتى عشقت تدريسها، فالرياضيات هي تحليل المعطيات للوصول لهدف عبر الاستنتاج المنطقي.. ولقد ساعدني هذا المنهج الرياضي في كثير من القرارات التي اتخذتها في كثير من جوانب حياتي الاسرية والاجتماعية والعملية. ولعل واحداً من اهم القرارات التي تخصني شخصياً ونفذتها بنجاح مذهل هو الاقلاع عن التدخين.. ولعلمي التام بأن التدخين من العادات التي يصعب التخلي عنها حتى لمن له رغبة أكيدة في ذلك، ولقناعتي ان كثيراً من محاولات الاقلاع عن التدخين يصيبها الفشل، لدرجة ينتاب معها المدخنون الذين يرتدون عن محاولة الاقلاع، احساس بأن التدخين قوة متسلطة لا فكاك منها وتسيطر عليهم لدرجة الاعتراف بالاستسلام لها. ولقد راودتني كثيراً فكرة اهداء تجربتي في الاقلاع عن التدخين لكل المدخنين، لأن كل من يطلع على تجربتي هذه لن تكون عادة اي منهم بأي حال أسوأ من عادتي حينما كنت مدخناً، ولأنني أمضيت الآن اكثر من خمسة وعشرين عاماً منذ أن طلقت التدخين طلاقاً بائناً وبنجاح لا لبس فيه، وان احتمال العودة للتدخين مرة اخرى يشكل بالنسبة لي استحالة مطلقة. ولقد شجعني على إهداء تجربتي هذه أنني التقيت وبعد فترة طويلة جداً من الزمن بواحد من انجب الطلاب الذين درّستهم في مدرسة حنتوب الثانوية، إن لم يكن انجبهم على الاطلاق، وهو بروفيسور عبد العظيم كبلو، وبادرني بالسؤال ان كنت لا أزال ادخن..؟!! وعلمت منه انه قضى فترة مع التدخين.. فتبادلنا تجربتنا حول الاقلاع عن التدخين.. وكان لتقارب المفهوم في التجربتين رغم الاختلاف الكبير في التفاصيل أثره في ازدياد قناعتي بعرض تجربتي في الإقلاع عن التدخين. وهنا لا بد أن أذكر أنه من المستحيل الادعاء بأن تجربة أي شخص وتفاصيل وقائعها وتحليلها ونتائجها تتطابق تماماً مع تجارب الآخرين، ولكن من المنطق القول إن الآخرين وبالقياس وفي حدود الإطار العام للتجربة الشخصية يستطيع كل مدخن منهم ينوي الإقلاع بجدية عن التدخين أو يطوّع أو يعدّل في الفكرة لتلائم حالته.. بعد هذا المدخل الذي رأيته ضرورياً اسرد رحلتي الشخصية مع التدخين وتجربتي في الإقلاع عنه: أولاً: من أنا كمدخن؟!! كلنا يعلم انه يمكن تصنيف التدخين لثلاث مراحل: «أ» تدخين عادي لمن يستهلك أقل من عشر سيجارات يومياً. «ب» تدخين ثقيل لمن يستهلك من عشر سيجارات الى ثلاثين سيجارة يومياً. «ج» إدمان تدخين لمن يستهلك أكثر من ثلاثين سيجارة في اليوم. فاذا علمتم أنني كنت ادخن في اليوم الواحد ثمانين سيجارة نعم ثمانين سيجارة كحد أدنى يومياً تعرفون من أنا كمدخن، وتقدرون كم منكم الآن أسوأ حالاً مني وقتها؟! ثانياً: قرار الإقلاع عن التدخين وكيفية اتخاذه: هناك كثير من الأسباب التي يعددها الناس لاتخاذ قرار الإقلاع عن التدخين، ومن الطبيعي يصعب حصرها كلها ولكن نذكر منها: /1 الخوف من الإضرار بالصحة. /2 التكلفة المالية الباهظة لذوي الدخل المحدود. /3 نصيحة أو تحذير الأطباء المتكرر. /4قبح العادة وسط كثير من المجتمعات. /5 انتشار قوانين منع التدخين في كثير من الأماكن والمواقع العامة. /6 الرغبة الذاتية في الإقلاع عن التدخين وهو سبب يتغيّر من شخص لآخر. ولعله من المهم جداً أن اذكر هنا ان الاسباب الخمسة الاولى ينبغي الا تكون الاسباب الرئيسة او الوحيدة لاتخاذ قرار الاقلاع عن التدخين، لأن أياً منها يحمل في جوفه عنصر مقاومة يقلل من فعالية القناعة بالقرار، ويطالب صاحبه بالاستمرار في التدخين أو العودة له في حالة زوال السبب. فالخوف من الاضرار بالصحة يضرب لك مثلاً باشخاص تعرفهم ويكونون اكبر منك سناً ولا يزالوا يدخنون بشراهة، او واصلوا التدخين خلال عمرهم الطويل حتى مماتهم ولم يؤثر التدخين تأثيراً خطيراً على صحتهم. والتكلفة المالية العالية مرتبطة فقط بضيق ذات اليد والاحساس بأن الوضع الاقتصادي او الحالة المادية للشخص قد تتغير وان دخله يمكن ان يسمح بالصرف على التدخين، خصوصاً اذا وضعنا في الاعتبار ان التدخين يكون عادة من اولويات الصرف عند المدخين. وبالنسبة لنصيحة الاطباء المتكررة فقد اصبحت كالتقليد الثابت يقال لكل مريض حتى اعتاد عليها المدخنون دون أن تضرب بعنف على قناعتهم بالتدخين، اما تحذير الاطباء المرتبط بعبارة «الإقلاع عن التدخين وإلا..» في بعض حالات المرض الخطيرة فإنه يجعل الخوف والشعور بالقهر بديلاً للقناعة.. وقبح العادة وسط كثير من المجتمعات مرتبط بصفة الخجل او الاستحياء، وقد لا تكون سبباً كافياً لمقاومة عادة لها سطوة وسيطرة على الشخص مثل التدخين. أما انتشار قوانين منع التدخين في كثير من الأماكن فهو يتيح كثيراً من الفرص والوقت المتاح للتدخين فهو يقلل ولا يمنع، ولذلك فأنا لا اعتبره من الاسباب القوية لهز قناعة المدخن، بالاضافة إلى أن بعض الناس يطبقون مقولة «الممنوع مرغوب». ويبقى السبب السادس عنصراً اساسياً للاقلاع عن التدخين، وهو الرغبة الذاتية. وعلى كل مدخن ان يبحث اولاً عن سبب أو أسباب تخصه وحده تجعله يتخذ قرار الاقلاع عن التدخين، اضافة للاسباب العامة التي يشترك فيها الكثيرون.. واورد هنا على سبيل المثال تجربتي شخصياً في اتخاذ قرار الاقلاع عن التدخين. فالأسباب متعلقة مباشرة بمنهجي في تربية الابناء في البيت. ولسببين اثنين اتخذت القرار: الاول: لم أشأ أن انقل تجربتي مع والدي لأبنائي، فقد كان والدي رحمة الله عليه مدخناً وسأعود لتدخين الآباء وأثره على الابناء لاحقاً. الثاني: وكان هو الحاسم في القرار، ان اكبر ابنائي عندما بلغ الخامسة من عمره وبدأ يتعلم مبادئ القراءة والكتابة سألني ذات صباح وهو يحمل علبة السجائر في يده، اصعب سؤال واجهته طوال حياتي الدراسية والعملية. فقد كان السؤال: «يا بوي الصندوق ده مكتوب فيه تحذير وزارة الصحة التدخين ضار بالصحة، فهل الكلام المكتوب ده صاح؟!» ولا أذيع سراً إن قلت إن السؤال كان مفاجئاً، وشعرت في البداية بالارتباك خوفاً من السؤال الفرعي التالي.. فإن كانت اجابتي بالايجاب، فسيكون السؤال: لماذا ادخن؟!! واذا كانت الاجابة بالنفي فسيكون السؤال: لماذا كتبته وزارة الصحة؟! وصعوبة الإجابة على السؤال مصدرها أنني في ما يتعلق بتربية الابناء انتمي لمدرسة التعامل مع اي تساؤل من الاطفال بجدية وصدق. وأجد نفسي تماماً ضد تجاهل أسئلة الاطفال أو التعامل معها بلا مبالاة أو الزوغان من الاجابة المباشرة أو تغيير الموضوع. وبعد تفكير عميق استطعت ان اجد اجابة مقبولة لابني، ولكن في نفس الوقت كانت تلك هي اللحظة التي اتخذت فيها قرار الاقلاع عن التدخين. وإن أصابكم الفضول هنا لمعرفة الاجابة التي قلتها لسؤال ابني فقد كانت: «يا ابني لقد بدأ ابوك التدخين قبل اكثر من خمسة وعشرين سنة، وفي ذلك الوقت لم يكن هذا التحذير مكتوباً على علب السجائر، وعندما بدأت وزارة الصحة كتابة التحذير أصبح التدخين بالنسبة لأبيك عادة رغم ضررها يصعب الاقلاع عنها».. فكانت تلك اللحظة هي البداية الجادة في اتخاذ قرار الإقلاع عن التدخين.. ولكن قد يكون من السهل اتخاذ القرار ويبقى الأمر الصعب جداً، وهو كيف استطعت أن أنفذ هذا القرار؟ وأرجو هنا ان اهدي اليكم تجربتي التي إن جاز لي تسميتها طريقة او وسيلة فيمكنني ان اسميها «طريقة الالتزام الاخلاقي للإقلاع عن التدخين».. والتي يمكن أن اوجزها في الخطوات التالية: /1 الخطوة الاولى: لمن يريد ان يقلع عن التدخين ينبغي ان تكون ضربة البداية استرجاع ذاكرته لبداية تعلمه التدخين واسبابها، وعندما يسترجعها سيتأكد لا محالة من زوال تلك الاسباب او على الاقل ضعف القناعة بها بالتقادم الزمني. ورغم ان الاسباب التي تشجع الانسان على الرغبة في التدخين كثيرة لكن اورد هنا بعضها: «أ» التشبه بشخصية ترى في صفاتها الاخرى غير التدخين القدوة مثل: الاب، المعلم، الشخصيات العامة، المشاهير من الفنانين وابطال الافلام السينمائية وغيرهم. «ب» رفقاء السوء من ابناء الحي أو زملاء الدراسة أو العمل. «ج» لعل أهم الاسباب مركب نقص لا يستطيع ان يحدده اي شخص غيرك، وهو ما يجعلك تعتقد ان التدخين يمكن ان يكمل هذا النقص. وفي حالتي شخصياً فالسبب الأول عندما عدت بذاكرتي لأكثر من ستين عاماً، فرأيت صورة والدي الذي كان يعشق التدخين ماثلة امامي.. فقد كان يهتم بالتدخين اهتماماً بالغاً حتى أصبح جزءًا من شخصيته، فقد كان يحفظ السيجاير في علب معدنية انيقة، وكان يشعلها بولاعات معدنية فاخرة، ولأن شخصيته في العمل العام كانت قوية فرأيت وقتها أن التدخين جزء من مكونات تلك الشخصية القوية.. اضف الى ذلك ان معظم ابطال الافلام التي كنا نشاهدها في ذلك الوقت يدخنون مما زاد درجة رغبتي الدفينة في التدخين تقليداً لهم!! ومن المهم هنا أن اذكر انني طوال حياتي الدراسية لم ادخن، ولكن رغبتي في التدخين نمت وترعرعت معي!! وعندما تم تعييني معلماً للرياضيات بمدرسة حنتوب الثانوية، كان عمري آنذاك واحداً وعشرين عاماً، وكان جسمي نحيلاً، ومنذ اليوم الاول الذي ذهبت فيه للمدرسة واجهت موقفين كان لهما الدور الاكبر في بداية مشواري مع التدخين: الأول: أن رئيس شُعبة الرياضيات بالمدرسة عندما عرّفته بنفسي تعامل معي على أنني طالب بالمدرسة حتى اضطررت لأشرح له انني معلم بالمدرسة ولست طالباً..! وبعد هذه الواقعة بلحظات قابلت طالباً بالمدرسة من أبناء منطقتنا وتعامل مع كزميل دراسة ولم يصدق انني اتيت معلماً بالمدرسة..! ووقتها انتابتني عقدة أو مركب نقص جعلني افكر وبسرعة في ان الحل الوحيد هو انني سأكون مختلفاً من الطلاب اذا حملت في يدي سيجارة ادخنها علناً..!! فذهبت مباشرة لبقالة المدرسة واشتريت أول علبة سيجائر وبقية المشوار مع التدخين لا يحتاج لسرد. وواضح بالنسبة لحالتي انني تأكدت من زوال الاسباب.. وهذا ما ساعدني ان اخطو نحو تنفيذ القرار. 2/ الخطوة الثانية: اختيار يوم محدد يكون عطلة مثل الجمعة أو غيرها، ويكون هذا اليوم بعد فترة بين شهرين كحد ادنى الى ثلاثة اشهر كحد اقصى، واختيارك لهذا اليوم يعني أنه اليوم الذي ستقلع فيه عن التدخين. أما في حالتي فقد اخترت يوم عيد الاستقلال 6891م. 3/ الخطوة الثالثة: وهى الأساسية في العلاج: كيف تتعامل مع نفسك والآخرين خلال الشهرين أو أكثر أى الفترة من لحظة تحديد التاريخ الى اليوم الذي حددته للاقلاع عن التدخين؟ والاجابة في نقطتين: «أ» أن تجعل القرار والتاريخ للإقلاع عن التدخين معلوماً لكل الاسرة ورؤسائك ومرؤوسيك وكل من تحبه أو تحترمه أو تربطك به علاقة حميمة أو يهمك أمره، أو حتى اذا سألك أى شخص في أية مناسبة عن لماذا تدخن؟ تكون إجابتك: أنك ستقلع عنه في اليوم الذي حددته، بل حاول أن تنتهز أية فرصة أو تتعمد طرق الموضوع لتعلن عن قرارك الخطير، وحتى انقضاء تلك الفترة تكون أسرتك واصدقاؤك وزملاؤك في العمل وجيرانك وربما بعض زملاء الدراسة قد اخذوا علماً بالقرار وتهيأوا تماماً انتظاراً لذلك اليوم وهم بين مصدق ومكذب، بين من يعتقد انك جاد أو هازل، وبذلك تكون قد التزمت أخلاقياً مع كل من تحب أو من يهمك أمره، وبذلك تجد أن كل يوم يمر عليك يزداد التزامك الاخلاقي قوة في مواجهة التدخين. «ب» منذ لحظة اتخاذ القرار وحتى يوم التنفيذ الذي اعلنته، ينبغي ان تمارس عادتك في التدخين دون أى تغيير، ولا تحاول ان تقلل منه تدريجياً وأكرر هنا لا تحاول ان تقلل من عادتك في التدخين تدريجياً حتى لا تضيف عاملاً جانبياً يسير جنباً الى جنب مع الالتزام الاخلاقي الذي ينبغي ان يستمر وحده حتى نهاية الفترة التي قررتها، وحتى تكون ممارستك له دون تغيير عاملاً إضافياً للالتزام الاخلاقي، لأنك في هذه الحالة ستواجه خلال هذه الفترة بكثير من تعليقات الذين التزمت لهم قولهم: انك لن تستطيع الاقلاع وانت تواصل عادتك دون تغيير. واذكر هنا أنني عندما حاولت ان اقنع أحد الاصدقاء بهذه الطريقة قال لي: أنه عندما يذهب للمنزل ويخطر اسرته بهذا القرار، فإنه يتوقع ان يتهمه اكبر ابنائه بالكذب لأنه سبق ان طلب منه الإقلاع عن التدخين ولم يفعل، فقلت له إن ذلك التعليق من ابنك سيزيد من التزامك لأنك لا تريد في ذلك اليوم تحديداً ان تظهر كاذباً أمام أبنك، أضف الى ذلك أن التدرج يحمل في جوفه التراجع عن القرار قبل التاريخ الاساسي، وبذلك يسهل عليك إعلان أنك حاولت ولم تستطع دون حرج كبير، وباختصار ينبغي أن يكون اليوم الذي حددته خالياً من أية تبريرات أو محاولات، فهوم يوم الحسم، وهو يوم بداية التحول من شخص مدخن الى شخص آخر غير مدخن، وينبغي أن تستمر على هذا الحال حتى يوم الوقفة اليوم قبل الاخير لنهاية الفترة التي حددتها. في حالتي أقرر انني في يوم الوقفة دخنت أكثر من تسعين سيجارة، وكنت أملك وقتها اكثر من مئتي سيجارة مخزوناً اضافياً. 4/ الخطوة الرابعة: اليوم الحاسم وهو اليوم الذي تم تحديده قبل أكثر من شهرين، وهو اليوم الذي علم به كل قريب وحبيب وصديق، وهو اليوم الوحيد الذي لا يمكن أن تكون كاذباً فيه، ولذلك مهما تكون الظروف فالإقلاع عن التدخين في ذلك اليوم وحده على الاقل التزام اخلاقي لا مجال للنكوص عنه، وعندها ستعلم لماذا اخترت لذلك اليوم ان يكون عطلة، لأن اليوم الأول للإقلاع عن التدخين بالنسبة للدم المشبع والمتعود على النيكوتين يوم عصيب وقد تعتقد انه اشبه بيوم الحشر، وفي هذا اليوم ينبغي ان يكون تركيزك على سؤال واحد: إلى أية درجة تمكن التدخين من استعباد جسدك ووجدانك وإلى أية درجة سلبك التدخين إرادتك؟ ولو تأملت قليلاً لتبين لك انك بمحض ارادتك ومن حر مالك اشتريت هذه العبودية، ومن الطبيعي أن تجد نفسك وستجدك اسرتك في ذلك اليوم شخصاً آخر، شخصاً متهجماً، ذابلاً، متوتراً، متضايقاً، وقد تكون أكثر من ذلك، ولكن إكمال ذلك اليوم الواحد هو المفتاح الحقيقي للعلاج. 5/ الخطوة الخامسة: إن استطعت ان تكمل ذلك اليوم مهما كانت درجة الجرسة والضيق باعتبار انه امتحان حقيقي ستجد أثر التدخين في اليوم الثاني أقل شراسة بكثير من اليوم الاول، وستشعر بأن عبودية التدخين لجسمك اخف، ويبقى السؤال المنطقي هو: اذا لم تنكسر ارادتك في اليوم الاول الذي هو اشبه بيوم الحشر فكيف تقبل أن تنكسر ارادتك ليوم أقل تأثيراً؟! فإذا تجاوزت اليوم الثاني دون تدخين فاستبشر خيراً بأنك قد نجحت، لأن اليوم الثالث سيشهد الفرق الواضح جداً بين فترات التدخين وفترة ما بعد الاقلاع عنه، لأنك عملياً ستشعر بتغيير للأحسن بدرجة ملحوظة لا يمكن تجاهلها، ستجد أن نومك أكثر راحة، وأن صحوك صباحاً أكثر حيوية ونشاطاً، وأن وجهك منطرح وأكثر بشاشة، وان شهيتك للأكل أكثر إقبالاً، وأن اعصابك اكثر هدوءاً، وهذا التغيير سيستمر مع مرور كل يوم في تناسب طردي للأحسن. 6/ الخطوة السادسة: كيف تتصرف خلال الفترة الاولى للإقلاع عن التدخين؟ لكل مدخن نشاطات معينة يكثر فيها من التدخين دون غيرها، فالبعض يكثر من التدخين مثلاً أثناء القراءة، والبعض أثناء الكتابة، أو في الحفلات، وآخرون أثناء مشاهدة المباريات أو التلفزيون أو السينما، أو غيرها، ومن المهم هنا أن تمارس تلك النشاطات التي كنت تكثر فيها من التدخين بصورة طبيعية، وألا تقلل منها ظناً منك أن تفاديها سيساعدك في تخفيف حدة التأثير السالب للتدخين، بالعكس، فالتهرب من النشاطات المرتبطة بكثرة التدخين لديك يعتبر درجة من درجات الانهزام ومرحلة اولية من مراحل ارادتك، ولا تحاول تفادي الجلوس مع أصدقائك المدخنين حتى لا ينتابك شعور بالانطواء، أو أن عدم التدخين قد يجعل منك شخصاً غير اجتماعي، ثم احذر كل الحذر أن تحاول إيجاد بديل للتدخين، فقد ينصحك البعض بمضغ اللبان أو القرنفل أو غيرها لسد فراغ التدخين، وهذه أيضاً ضارة لأنها تعطيم الإحساس بأن الإرادة تحتاج لعامل شكلي أو مادي لدعمها، في حين أن الإرادة هى الجوهر والاساس الاصيل، وهذه حالة تشبه الانشغال بقضية هامشية عن القضية الجوهرية، وهنا قد يتساءل البعض: ولكن ماذا افعل؟ في تجربتي الخاصة قمت بعمل شيء كان ناجحاً، ولكن لماذا وكيف توصلت اليه فليست لي إجابة أو سبب علمي. وهو أنني زدت من درجة برودة الماء الذي أشربه عادة وأصبحت أشرب الماء بهذه الدرجة كلما شعرت أنني احتاج للشرب. 7/ ماذا تتوقع في المستقبل القريب والبعيد؟ خلال الستة أشهر الأولى ستستمر رغبتك في التدخين «أي تكون خرمان» ويستمر رأيك في أن التدخين ليس عيباً، ولن تنتقد المدخنين، ولن تحس بضيق إذا دخن شخص بالقرب منك، وبعد سنة ستفقد تماماً الرغبة في التدخين، ولكن سيظل رأيك حول التدخين والمدخنين دون تغيير. أما بعد سنة ونصف ستبدأ في القناعة بأن التدخين عند الآخرين عادة سيئة وتبدأ الضيق من الدخان والمدخنين حولك، وحينها تكون قد شفيت تماماً من هذه العادة الضارة المكلفة التي يتعدى ضررها شخصك لغيرك من أسرتك ومجتمعك. 8/ خاتمة: أرجع وأقول إن التدخين عادة متسلطة تسلب المدخن كثيراً من إرداته وليس فيها أي نفع له، بل حتى أن الإحساس الذي تعطيه بالمتعة للشخص إنما هو إحساس زائف، وتبقى الحقيقة: إن نصائح الآخرين قد تقرغ الناقوس، ولكن الحل العلمي الجذري هو في متناول يدك، فاخطُ الخطوة الأولى وستجد نفسك بأذنه تعالى واصلاً لما تريد ومحققاً لما تهدف، وسأكون من السعداء جداً إن ساهمت تجربتي هذه في إضاءة لإنقاذ البعض من هذه العادة الضارة البغيضة، والله من وراء القصد. رئيس المجلس التشريعي ولاية الخرطوم