مازال ما يكتنف سوق العقارات بالبلاد عصي على تفسيرات وتحليلات المتابعين والوالجين في سوقها، إذ أن ما يحدث بها يجري عكس تيار نواميس الاقتصاد، ففي الوقت الذي يزداد فيه العرض مع قلة الطلب أبت أسعار العقارات الانخفاض فواصلت ارتفاعها بصورة دراماتيكية، الأمر الذي حدا ببعض الخبراء إلى ربط حالة كساد سوق العقارات وارتفاع أسعارها بالإطار الاقتصادي الكلي بالبلاد وما يعانيه من أزمات داخلية وتداعيات أزمات خارجية، مما قاد لخلق حالة من عدم الثقة لدى المستثمرين المحليين والخارجيين، وعدم الولوج في دنيا العقارات في ظل الأثر التضخمي على القيمة الحقيقية للنقود، مما قاد لرهبة وسط المستثمرين في الادخار في الأصول العقارية، في وقت تباينت فيه أسعار العقارات والقطع السكنية بالعاصمة القومية. يقول محمد حامد الهادي صاحب عقارات بمنطقة جبرة جنوبيالخرطوم، إن أسعار الأراضي والعقارات بالمنطقة شهدت ارتفاعاً كبيراً، وأنه لا يعرف سبباً رئيساً أو جوهرياً لارتفاعها رغم حالة الكساد والركود التي تحكم قبضتها على مفاصل السوق فحرمته من الانطلاق. وأوضح حامد أن أسعار القطع السكنية في مربعات «15 18 19» قفز من «140 145» ألف جنيه إلى «165 170» ألف جنيه للقطعة. وفي مدينة الشهيد طه الماحي ارتفع سعر القطعة الناصية من «280 285» ألف جنيه إلى «300310» آلاف جنيه، ووصل سعر القطعة العادية إلى 285 ألف جنيه، فيما ارتفع سعر القطعة 300 متر بحي الأندلس من 16 ألف جنيه إلى 24 ألف جنيه، وكذا الحال بحي الشارقة حيث وصل سعر القطعة الناصية إلى 300 ألف جنيه من 255 ألف جنيه، وأضاف حامد أن التجار عزفوا عن شراء الأراضي لجهة عدم تحقيقهم ربحاً منها، حيث أن المعروض من التجار وأصحاب القطع أضحى متساوياً مع قيمة العرض المطلوب، وأبان أنه لا يعلم سبباً منطقيا لتفسير حالة سوق العقارات بالبلاد، حيث أنه يعاني الكساد والركود، وفي نفس الوقت لم تشهد الأراضي انخفاضاً في أسعارها بل ظلت تواصل الارتفاع. وفي أم درمان وبمنطقة الصالحة يقول يوسف دفع الله حمد النيل صاحب مكتب عقارات بحي القيعة، إن أسعار الأراضي غير المسجلة «الحيازات» تشهد استقراراً، وكذا الأراضي المسجلة التي لا يسكنها الكثير من أبناء جنوب البلاد، وأوضح يوسف أن سعر القطعة 500 متر بمنطقة الصالحة مربعات «110» السكنية يتراوح بين «50 60» ألف جنيه، وسعر القطعة في منطقة القيعة شرق يصل إلى 85 ألف جنيه وينخفض كلما قربت القطعة من النيل وابتعدت عن شارع الأسفلت الرئيس حتى يصل إلى 55 ألف جنيه، فيما يتراوح سعر القطعة بمنطقة هجيليجة بين «40 65» ألف جنيه، وفي منطقة العقيدات يقول يوسف إن سعر القطعة 600 متر يتراوح بين «25 60» ألف جنيه، فيما وصل سعر القطعة بحي الجامعة إلى 17 ألف جنيه، ويتراوح في مربع 50 بين «45 65» ألف جنيه . وعلى صعيد الخبراء يقول البروفيسورعصام بوب إن السودان يعاني أزمة اقتصادية داخلية حقيقية واكتواءً بآثار أزمات عربية وعالمية لها ردود أفعال سالبة على مستوى أداء الاقتصاد السوداني، على رأسها تباطؤ حركة وتدفق رؤوس الأموال وحجم الاستثمارات جراء عدم اليقين مما تنجم عنه التداعيات السياسية على الاقتصاد، لاسيما على القطاع الزراعي والصناعي، مما قاد لخلق فقدان الثقة في هيكل الاقتصاد السوداني وضعف إقبال صغار المستثمرين على الدخول في أي نشاط اقتصادي حقيقي، فاتجهوا مع الأثر التضخمي على القيمة الحقيقية للنقود للاستثمار في قطاعات تقل فيها فرص الخسارة، فعمدوا إلى شراء الأصول العقارية. وأرجع بوب قلة الإقبال على شراء العقارات إلى ضعف تدفق رؤوس الأموال، وزاد قائلاً إن محافظتها على أسعارها نسبياً وارتفاعها في أحيان كثيرة دليل على الرهبة من الادخار في الأصول. وختم بقوله إن ما يحدث في سوق العقارات أشبه بالمتناقضة الاقتصادية، وتوقع تفاقمها في ظل استمرار السياسات الاقتصادية الحالية.