ظللنا دوماً نعلي من قيمة الحوار بين المجموعات الفكرية والسياسية في هذا البلد، وكنا نتوق دائماً أن ترتبط هذه الأفكار التي يطمح اصحابها للسلطة بقاعدة ثقافية ومعرفية، وان يكون النقاش حول الرؤى والأفكار والسياسات لا حول الأشخاص. وظللنا نقول ونكرر القول ان التراشق بالألفاظ والسباب ورخيص الكلام يظل شاهداً على التخلف والانحطاط، ولما كنا نباهي بكريم الاخلاق السودانية، فقد هالنا ما نقرأه في الصحف من تهديد ووعيد، يقابله تحديات وعنتريات لا تليق بقادة الفكر والرأي. والسودان يخطو هذا الاسبوع خطواته الحاسمة والمصيرية، فان العقلاء في هذه الأمة لا يطلبون شيئا سوى ان نحتكم الى العقل وروح التآخي التي عصمت السودان في كثير من المنعطفات الخطيرة. ولعل المثقفين في مثل هذه الأوقات من تاريخ الأمم، هم الذين يتصدون بجسارة ووعي ومسؤولية لمهماتهم التاريخية فالمثقف الحقيقي لا يكتفي بدور التطبيل والتصفيق لهذا أو ذاك ولكن مسؤولية الوعي، وموقعه في خارطة الوطن، يدفعان خطاه في طريق شائك مليء بالألغام، والاتهامات والاتهامات المضادة. ولكن طول الطريق لن يثني المثقفين عن التصدي لكل الأخطار المحدقة بالوطن.. ولأن هذا الشعب النبيل الصابر والمثابر قد قدم الشهداء في انتفاضات وثورات أهمها 12 اكتوبر 4691م و6 أبريل 5891م، ضد نظامين شموليين حاولا أن يخرسا الاصوات المطالبة باطلاق الحريات، ورفع سيف الارهاب والقمع عن رقاب المواطنين، ولأن هذا الشعب بعبقريته الفذة، قد اهتدى الى الوصفة السحرية بالتداول السلمي للسلطة، واحترام الآخر وحماية حقوقه الدستورية والثقافية والدينية، وخرج في مظاهرات قوبلت بالعنف، مطالبا بهذه الحقوق.. ونأمل أن يكون ما جرى بمثابة الخطوات الأولى في سبيل بناء نظام ديمقراطي مستقر.