لم يكن من المتوقع لتلك المنارات السامقة من شباب هذه البلاد ان يصل بهم الهوان ان يسعوا للدخول الى دولة الكيان الاسرائيلي هروبا من الواقع المرير في بلادنا . ولم يكن يخطر ببال احد ان بعض شباب هذه البلاد يصبح تاجراً ومتعاطياً ومروجاً للمخدرات بانواعها المختلفة...ولم يخطر ويجيش بخاطر اي سوداني انه سيأتي يوم وتكون الشهادة السودانية و الجامعية او ما فوق الجامعية لا تساوي قيمة الحبر الذي كتب به... انتبهوا ايها السادة فقد انهارت القيم والاخلاقيات بصورة لا مثيل لها وتحديدا في اواسط الشباب من الجنسين... وللاسف الشديد اصبحت الاخلاقيات الطيبة والشرف والامانة عملة لا يرغب في شرائها احد بل وقد يوصف من يتحلى بها بالتخلف والرجعية. ..والبنت التي تكون محتشمة توصف بانها غير مواكبة وربما عيروها بانها ناقصة او بها عله تريد ان تغطيها.. وهنا يكمن السؤال الذي يفرض نفسه ماهو السبب الذي اوصلنا الى هذا الوضع المذري ؟ هل هي الاحكام الشمولية الدكتاتورية ؟ ام انعدام الرغبة والطموح لرفع الشأن ؟ ام هو الاقتصاد المتدهور والذي خلق بؤرة من الغبن والشعور بالظلم. ام هو الكسل والتراخي وعدم الاحساس بالمسؤولية ؟ ام كل هذه الاسباب مجتمعة جعلت من شباب هذه البلاد خيال مآته.... اسئلة وافكار كثيرة تدور في مخيليي وتجعلني اشعر بان القادم سيكون اسود واضل (نسأل الله اصلاح الحال) ... ولكي تتضح الرؤية لنا يجب ان نحلل واقعنا ونعرف اين الداء وكيفية الحصول على الدواء... والآن نضع داءنا الماثل امامنا داخل المكبر (المجهر) ونرى الحقيقة المرة والتي نهرب منها نحن حكام ومحكومين ونعرف جيدا مدى السقوط المريع والمذل والذي نسقط فيه بقوة الدفع .. فلنبدأ بالتعليم ومعلوم ان اي امة اذا ارادت ان تنهض فعليها الاهتمام بالتعليم كركيزة اساسية...فعندما خرج المستعمر البريطاني من بلادنا ترك لنا مدارس لا تتعدى اصابع اليد الواحدة.. وخلد ذكرى بلاده بكلية جامعية وهي كلية غردون التذكارية....وكان التعليم فرصة نادرة.. الا ان من سلكوا مجال العلم كانوا فعلا منارات سامقة .. وجيلا نعتبره ركنا هاما من اركان الاعمار فيما يعرف بالسودنة .. وكان الرعيل الاول الذين تتلمذوا على يد الانجليز هم من سودنوا الوظائف وقامت علي اكتافهم النهضة الحقيقية للسودان..السودان الذي كان مرشحا لقيادة افريقيا باكملها...رغم ان المدارس كانت محدودة وقليلة العدد..كما ذكرت مثل مدرسة خور طقت في غرب السودان.. ومدرسة حنتوب في اواسط السودان ... ومدرسة وادي سيدنا في امدرمان.. وكانت الجامعات قبل استيلاء الانقاذ على السلطة ستة (6) جامعات فقط و سبعة (7) معاهد متخصصة ..هي جامعة الخرطوم وجامعة امدرمان الاسلامية وجامعة القاهرة فرع الخرطوم وجامعة الجزيرة وجامعة امدرمان الاهلية وجامعة جوبا سابقا ...اما المعاهد والكليات المتخصصة هي (معهد الكليات التكنولوجية ومعهد الاشعة العالي وكلية التمريض العالي ومعهد البصريات ومعهد المواصلات السلكية واللاسلكية ومعهد ود المقبول لعلوم الارض متخصص في المياه الجوفية...واخيرا نشأت كلية ميكانيكة موازية لمعهد الكليات التكنولوجية وهي كلية الهندسة الميكانيكية بعطبرة...هذه هي الجامعات والمعاهد التي كانت تخرج خريجين بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان. وكان الخريج مؤهلا علميا واكاديميا وفنيا.. وحق لنا ان نتباهى بأن أولئك الكوكبة لم يكتفوا ببسط النهضة الصناعية والعمرانية والتعليمية والصحية في السودان فقط.. بل حتى الطفرة التي شهدها الخليج العربي ابان ظهور البترول كانت على ايديهم.. وايضاً هاهم علماؤنا الاجلاء نجدهم في كل مناحي الحياة واضعين بصماتهم في كل انحاء العالم ويكفينا فخرا وزخرا ان عالمنا ومعلم الاجيال بروف /عبد الله الطيب هو من وضع بعض المناهج التعليمية والجامعية لبعض دول الخليج بل هو من اسس كلية اللغة العربية في كانوا بنجيريا.. بل كان يدرس الادب العربي في جامعات المغرب والعالم اجمع يشهد له بغزارة علمه .. ولكن للاسف الشديد لم نعطه حقه من الذكر والخلود وحسب علمي انه يفوق الدكتور/ طه حسين والعقاد أدبا وعلما...وهنالك عالمنا العظيم المغفور له/ د. النذير دفع الله المتخصص في علم البيطرة الذي اكتشف احد الادوية التي تعالج امراض الابقار وقد سمي الدواء باسمه (نذيروم) ..وانا على ثقة ان حكامنا لا يهتموا بهذا المنحى لان لا عائد مادي منه.. ولكن من دواعي الفخر ان هذه البلاد انجبت ايضا درراً غالية في العالم مثل العالم / محجوب عبيد طه المتخصص في فيزياء الفضاء بوكالة ناسا الامريكية وكذلك انجبت المغفور له الدكتور/ التجاني الماحي احد الذين يكرمون عالميا في كل عام كأحد الذين يشار اليهم بالبنان في مجال الصحة النفسية ولكن لا احد يذكرهم في بلادنا ولا يذكر اعمالهم الجليلة.. والقائمة تطول في شتى مناحي الحياة حيث كانت لنا اليد العليا السباقة للنهضة والتقدم.. حتى في مجال الرياضة كانت لنا السيادة والريادة..اذا كيف نرضى بعد ان وصلنا الى آفاق الثرياء ان نهبط ونغوص في الثرى ..والشئ الجميل ان الحكومات تسعى وتعمل على تكريم ابنائها النوابغ المشاهير ورفع شأنهم.. وهاهو الطيب صالح والذي ترجمت كتبه الى اكثر من سبع عشرة لغة.. كان يمكن ان يرشحه السودان لجائزة نوبل للآداب منافسا لنجيب محفوظ في مصر...فالطيب صالح احق بها منه .. لكنه لم ينافق الانقاذ وكان بالامكان ان تدعمه في مجال المنافسة لنيل الجائزة .. ولكن اعلنها صراحة بان نظام الانقاذ دمر كل شئ جميل في بلادنا.فيا اخوتي ان المتتبع لاحوال البلاد يشعر بالأسى لما آلت اليه احوالنا فكيف لنا ان نستسلم لهذا السقوط المذل والمذري. . فقد فقدنا المكانة العالمية التي كنا نتميز بها ..يا سبحان الله حتى عملتنا التي كانت تعادل اربعة اضعاف سعر الدولار اصبحت اليوم لا تعادل قيمة الحبر الذي طبع بها...والجواز السوداني الذي كان تتمناه كل شعوب الدنيا اصبح الآن مشبوهاً حتى بعض السودانيين انفسهم اصبحوا يتخلون عنه بل هنالك شباب من ابناء بلدي يسعى للحصول على جواز دول الى عهد قريب كنا نعتبرها دولا فقيرة وعالة.. و عار ان وصفوك بالانتماء لها .... [email protected]