اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصف نفسه بقول المتنبيء: لولا المشقة ساد الناس كلهم ٭٭ فالجود يفقر والإقدام قتّال
ملفات الساسة والسياسة

الصادق المهدي يعترف بتمزقه في مواجهة تحديات حزب الأمة القومي
لدى اعتقاله في سجن كوبر بالخرطوم بحري عقب استيلاء نظام الحكم الحالي على سدة مقاليد السلطات بانقلاب ثوري مدني وعسكري قامت بها الحركة الاسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة في الثلاثين من يونيو 1989م، ألف زعيم حزب الامة القومي وامام الانصار رئيس الوزراء السابق السيد الصادق المهدي - الذي تمت الاطاحة به في ذلك الانقلاب - كتابا صدر فيما بعد تحت عنوان: (تحديات التسعينيات) ذكر فيه : لقد كنت رئيسا لوزراء السودان في عام 1966م، ثم بعد 20 سنة في عام 1986م، واهم فرق بين الفترتين هو ان السودان في عام 1966م، كان مجديا اقتصاديا ، اما في عام 1986م، فقد صار السودان معجّزا داخليا وخارجيا ومعتمدا على العون الاجنبي في الضروريات. وما بين 1986 - 1989 كنت اتمزق وأنا لادارة بلاد معجّزة وظروفها لا تسمح بمواجهة قدرها عزم، فاضطررت تسيير البلاد بالاستجداء والصلات الطيبة..
اعتراف بالتمزق في حقل التجربة:
ويضيف المهدي في سياق هذا الاطار للاعتراف بتمزقه في مواجهة تحديات حزب الامة القومي حيث ذكر: حققت انا وزملائي تمويلا تنمويا في حدود 3 مليارات من الدولارات ولسد العجز السنوي والمعدات العسكرية تمويلا بلغ في السنوات الثلاث 4 مليارات من الدولارات .. وانا لست فخورا بالحصول على هذه المليارات السبعة ، وما موّلت من تنمية وبترول وسلع تموينية وسلع استهلاكية ومعدات عسكرية.. وكنت اعتبرها مرحلة تنتهي بقيام الانتخابات العامة التي كانت متوقعة في ابريل 1990م ليواجه اهل السودان قدرهم.. وكان برنامجنا الانتخابي سيكون في ذلك الاتجاه..
استجداء وادعاء لمستقبل منتظر:
ويصنف المهدي ما حدث في السودان بانه مقياس للسقوط من حال الى حال.. ويضيف : بل ان ذهنية الساسة وصانعي القرار والاداريين في ثمانينيات ذلك الحين كانت ذهنية اتكال، وكان الجهد كل الجهد موجه لاستجداء المعونات .. وقد حدث تدهور مماثل في البلدان الافريقية الاخرى حتى صرت اعتقد ان دولتنا سوف تترك الاسباب الداخلية لمشاكلها كما هي وتحاول تسيير امورها باستجداء المعونات، بينما ينبغي ان نواجه حقيقة اساسية وهي ان احدا لن ينقذنا اذا لم نحقق لبلادنا الجدوى الاقتصادية باصلاحات جذرية هي الطريق لانتشال انفسنا من كارثة محققة تواجهها الدول الافريقية..
إبداع في النظر وأمل بلا عمل:
واشار المهدي في سياق ذات الاطار للتحدي على صعيد آخر الى انه منذ نعومة اظافره في العمل السياسي السوداني كان يرى ان لسوء العلاقة بين شمال وجنوب السودان ابعادا خطيرة وانها مشكلة تتعلق بان الكيان الاسلامي العربي الذي يتماسك ضده الجنوب، وان هذا الاشكال لا يحل بالقوة العسكرية بل بالاتفاق واحترام الرأي الآخر، ويضيف : ان هذا هو جوهرة ما قلته في كتيب نشرته في ابريل 1964م، ويشير المهدي الى انه اذا حدث الانفصال فان الشمال سوف يرث وحده كل ثمار تنمية السودان..!! ولا يرث الجنوب سوى الفقر..! ومشاكل قبلية مستعصية لن يكف الشمال عن التدخل فيها مما سيؤدي بوحدة الجنوب .. ولذلك خير لقيادات الجنوب ادراك ان هناك مشاكل في الشمال تشبه مشاكل الجنوب وان اختلفت درجة حدتها، ولذلك فهناك مشكلة قومية للسودان كله تقتضي مراجعة اساس التكوين، وينبغي الحديث عن مشاكل السودان القومية التكوينية لا مشكلة الجنوب وحدها لأنه ان حلت المشاكل القومية فسينال كل ذي حق حقه في اطار موحد ولا حاجة للانفصال في سودان خالي من اسباب التظلم يكون فيه للجنوب شأن عادل بدلا من تكوين دولة جنوبية بلا مقومات بقاء..!
تنظير متواصل ولكنه غير فاعل:
ويضيف المهدي: ان افتراض ان السودان عربي فحسب، يلغي وجود العناصر السودانية الكثيرة غير العربية، وهي عناصر لها اعرافها وثقافاتها غير العربية ، وهي لا تتحرج في اعتبار اللغة العربية لغة مخاطبة وقتية، لكنها لا تقبل ما سار عليه التوجه السوداني الغالب منذ فجر الحركة الوطنية السودانية بأن السودان عربي وحسب.. فالعروبة في السودان لها خصوصية ومرونة وتسامح، مما جعلها تتلاقح مع العناصر غير العربية، وتقبل منهم ويقبلون منها، ونتيجة لهذا ، حدث التكوين السوداني الذي سميته (قهوة وحليب)..!! وانني اعتقد ان الفكر القومي العربي في اصله اشبه بالرؤية السودانية ، لكن الفكر القومي العربي الحديث تأثر بالفكر القومي الاوروبي ، ففي الاخير عبارة ناشيوناليزم مستمدة من اصل لاتيني بم عناه مولد، اما لدى العرب فعبارة قوم كما قال ابن الاثير هي مصدر قام ومعناها عزم كما في قوله تعالى: «وانه لما قام عبدالله كادوا يكونون عليه لبدا»، وقام معناها ايضا حافظ كما في قوله تعالى: «إلاّ ما دمت عليه قائما».. اي ملازما ومحافظا.. القومية إذن تصب فيها معاني الملازمة والمحافظة والعزم المشترك فهي مفهوم تضامني لا رحمي... وتتناسب هذه المعاني مع اصل العروبة المستعربة فهؤلاء ابوهم اسماعيل وامهم هاجر وكلاهما اعجمي، والانتماء العربي في السودان ينبغي ان يكون مغروسا في خاصياته السودانية، ولتأكيد احترام كينونة العناصر السودانية غير العربية ينبغي ان يقال ان السودان عربي - أفريقي ..
من الحب ما قتل في النظر لرقبة الجمل:
ويشير المهدي الى ان كيان الانصار كائن اجتماعي احياه الامام عبدالرحمن بعد الاستعمار البريطاني للسودان وكوّن الى جانبه حزب الامة لتحقيق سيادة السودانيين على بلادهم.. وصارت التكوينات - الحزب والكيان - العمود الفقري لدعوة استقلال السودان من الاستعمار الاجنبي، ولكن قبولهما في الوسط السوداني ظل محدودا ، وفيما عدا قضية الاستقلال الوطني ظل صوتهما غائبا ، لكنهما تحركا عبر ربع قرن من الزمان حتى صارا في قلب الوسط السوداني، وصار طرحهما الفكري هو الصوت الاعلى في الفكر الديني والسياسي السوداني، وصارت كل القوى السياسية السودانية مهما كان موقعها من الطيف الفكري والسياسي تسعى ليكون لها بذلك الكيان وذلك الحزب صلة فكرية او سياسية..
فالحزب الاتحادي الديمقراطي الذي بدأ باسم الحزب الوطني الاتحادي داعيا لوحدة وادي النيل تطور وتبنى الدعوة السودانية الاستقلالية، ثم انقسم الى حزبين ثم التأم من جديد.. اما الجبهة الإسلامية فقد استمدت كل فكرها الديني من حركة الاخوان المسلمين في مصر، واستمدت كل فكرها السياسي السوداني من حزب الامة، وكل اساليبها التنظيمية من الحزب الشيوعي السوداني، وحتى بعد قيام الديمقراطية الثالثة بعد الاطاحة بنظام الحكم الديكتاوري السابق ونجاح الانتفاضة الشعبية ضده عام 1985 وافقت الجبهة الاسلامية على ضرورة اصدار قوانين اسلامية جديدة بوسائل ديمقراطية كما وافقت على ضرورة استثناء الجنوب من التشريع الاسلامي وصارت تنادي بدور قومي عربي على نحو طرح حزب الامة .. ولكن هذه الجماعة ومع تتلمذها للمصادر الثلاثة المذكورة تنكرت لها وانكرت دورها.. واذا كان انكارها لما استمدته من الحزب الشيوعي مفهوما لأنه تتلمذ في ظل التنافس.. فإن انكارها بل تنكرها لدور حزب الامة الذي احتضنها سياسيا ولدور الاخوان المسلمين في مصر وهم من احتضنها دينيا انما يمثل عقوقا تردت فيه الجبهة واجبرها على الايغال في المناورة والمغامرة حتى صارت مثلا للميكاڤيلية.. ويضيف المهدي ان علة كثير من الحركات الاسلامية الحديثة هي الجهود او التطرف ورغم ان الحركة السودانية مبرأة من هاتين العلتين لكنها مستغرقة في الميكاڤيلية..
استمرار حديث الليل والنهار عن القرد والغزال:
ويضيف المهدي ان في السودان شعبا واعدا عاش رغم فقره تجربة جامعة ومتقدمة فكريا وسياسيا .. وقد مارست احزابه ونقاباته اكبر عملية تثقيف ذاتي في العالم الفقير.. وخاض شعبه اقسى انواع التجارب في حروب اهلية ونظم عسكرية فزادت التجارب من معاناته لكنها جمرته وانضجته عقلا وقلبا.. وتكوين السودان وتركيبه جعله بحق جزءا من افريقيا جنوب الصحراء يشاركه في كثير من مقوماتها ومكوناتها، كما ان تكوين السودان وتركيبه جعله بحق جزءا من الامة العربية يشاركها في المقومات والمكونات .. والسودان في الخط الامامي في قضية التوفيق بين الالتزام الديني والوحدة الوطنية في وطن متعدد الدين.. والسودان وعاء جامع للقاح العربي والافريقي والاوربي والإسلامي والمسيحي.. وهو لذلك افضل مجال للتكوين والتوفيق والصهر او للافساد والتفريق والاستقطاب.. وهذا هو تحدي السودان الاكبر وقدره الذي سيمكنه من دور قيادي ايجابي امام تحديات القرن الجديد او دور سلبي قيادي فدوره قيادي في الهدى والضلالة. وتاريخ السودان كله يؤهله للدور الايجابي التكويني والوفاقي الا اذا غلبت عوامل غريبة فقذفت به في اتجاه الفتنة والصدام، وفي الحالتين سيكون السودان مرآة مصغرة لعوالم اوسع تردد صدى ايجابياته او سلبياته.
وهذا الكتاب عن تحديات المستقبل هو رؤية سودانية اجرتها على قلمي تجارب جامعة السودان الفكرية والسياسية التي تعلمت منها بقدر ما ساهمت في تكوينها وبلورتها.. وهو كتاب وخطاب ادلى به للمساهمة في الجدل الدائر الآن حول: نحن والعالم الى اين...؟! وفوق كل ذي علم عليم ، ولكن مهما كان جهلنا فإن مصيرنا بأيدينا، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. ومهما كان سوء حالنا فان علينا ان نطرد الشؤم واهله بالوعد الصادق:
«ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الارض يرثها عبادي الصالحين» - صدق الله العظيم.
الراحل القذافي في دور الوصي:
وتجدر الاشارة بناء على هذا وفي سياق اطار التمزق الذي يعبر عنه الصادق المهدي في مواجهته لتحديات حزب الامة القومي وكيان الانصار وفقا لهذه الرؤية من جانبه واعترافه بذلك على النحو الذي اشار اليه الى ما ادلى به لصحيفة (اخبار اليوم) الصادرة في الخرطوم بتاريخ الخميس الموافق مطلع مارس 2012 الجاري حيث كشف لاول مرة عن لقاء ثلاثي في بدايات ثورة حكم الانقاذ الوطني الحالي بينه وكل من السيد رئيس الجمهورية (رئيس مجلس قيادة الثورة في تلك الفترة) المشير عمر البشير والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي الذي كان قد طلب في ذلك الحين مشاركة حزب الامة في حكومة الثورة السودانية الراهنة لكن الحزب رفض الاستجابة لذلك الطلب بالمشاركة في السلطة الجديدة بالخرطوم آنذاك.. وكما قال المهدي فقد طلب القذافي من حزب الامة اثناء زيارته للخرطوم بعد حدوث انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 الدخول في حكومة الانقاذ بعد ان اخبر الحزب انه تعهد للرئيس البشير بذلك الدخول من قبل حزب الامة في الحكومة . واضاف المهدي ان القذافي قال لي امام الرئيس البشير في ذلك اللقاء الثلاثي ان مصلحة السودان هي انكم تدخلوا مع ثورة الانقاذ الوطني في السلطة وقد كان ردي هو ان حزب الامة وضع شروطا محددة للدخول في الحكومة وهي غير مستعدة للموافقة على تلك الشروط آنذاك..
وقد ادى ذلك الموقف لغضب القذافي من حزب الامة وزعيمه لأنه كان قد تعهد للرئيس البشير بدخولنا في الحكومة ونحن لم ننفذ ذلك الطلب.
رؤية المهدي للانقلاب العسكري الأول:
كما تجدر الاشارة في سياق ذات الاطار للتمزق الذي يعاني منه الصادق المهدي فيما يتعلق بتحديات المواجهة للانظمة العسكرية التي سيطرت على مقاليد سدة الحكم والسلطة في السودان الى ما ادلى به في هذا الصدد وبهذا الخصوص في الحوار الذي اجرته معه مجلة الخرطوم الجديدة ونشرته في عددها الشهري الصادر بتاريخ يوليو 2007 الماضي، حيث ذكر ان الانقلاب العسكري الاول الذي استولى على السلطة في نوفمبر 1958، كان خطأً اساسياً مع انه افضل من بقية الانقلابات وذلك لأنه كان انقلابا عسكريا كلاسيكيا قام به رئيس الوزراء الامين العام لحزب الامة عبدالله خليل ضد حزبه في تلك الفترة ، وذلك لأنه رغم عن المخاوف في البلاد آنذاك فقد قرر حزب الامة انه لا ينبغي الدخول في اي مغامرة عسكرية لكن رئيس الوزراء الذي كانت لديه ظروفه الخاصة اتخذ موقفا مضادا لحزبه وقام بذلك الانقلاب اولا ضد حزبه ومن ثم ضد الاحزاب الاخرى!..
وهو لا شك انقلاب ديكتاتوري ، وان كان ضرره اقل، وذلك لأنه كان انقلابا اداريا وليس آيديولوجيا، لكنه في الآخر كان اجراءً سياسيا خاطئا وتآمرا ضد الديمقراطية في تلك الفترة..
المصالحة مع الراحل نميري:
وحول المصالحة مع نظام الانقلاب العسكري الثاني بقيادة الرئيس الاسبق جعفر نميري الذي استولى على السلطة في مايو 1969م ذكر المهدي : انا لا اعتقد ان في السياسة مطلقات .. وقد صالحت نميري عام 1977م لما شعرت ان المقاومة هذه خلقت لنا ثلاثة اشياء ضارة جدا اولها كلفة سياسية باهظة، وثانيا ادت مطالبنا في تلك الفترة الى تراشق بين ليبيا ومصر ولم نكن نريد لذلك ان يحدث، وثالثا خلقت لنا عجزا في التحرك ضد النظام، ولذلك لما عرضت علينا مصالحة مع السلطة في ذلك الحين وفي اطار يؤدي الى تطورات سياسية ديمقراطية قبلنا.. وقد ادت تلك المصالحة فعلا الى ذلك رغم انها لم تنفذ لأن النميري كان مراوغا ، لكن الذي حدث في النهاية هو ان هامش الحرية الذي اتيح قد مكن من ايجاد اتحادات ونقابات حرة تحركت في الظروف المناسبة.
نهاية المطاف في خاتمة الطواف:
واضاف المهدي قائلا: انا صالحت الانقاذ ايضا وقبلنا بالعودة من المعارضة في المنفى الى الوطن بلا قيد ولا شرط بينما عاد غيرنا بعد ان حافظ على قواته وقدرتها العسكرية.. لكننا دخلنا بحسن نية وواجهنا كل حلفائنا في التجمع الوطني الديمقراطي للقوى المعارضة، واغضبنا امريكا ومصر وكل العالم، وصادر الاريترويون سياراتنا وخاطرنا بكل ذلك لمجيئنا ، لكن الطرف الآخر لم يبادر بشيء بعد ان دخل معنا في حوارات اتضح لنا من خلالها انه غير مستعد لتقديم التطورات المطلوبة، وانما كان يريدنا ان نشترك في السلطة كما يشترك الآخرون... ولما رفضنا عاقبنا بالاختراق وخذلنا ولم يبادلنا حسن النية مما اكد لنا انهم لا يدخلون مفاوضات، ويوقعون اتفاقيات الا ليفرغوها من محتواها ويتنكرون لمضمونها، وهذه هي الحقيقة التي اكتشفها كل الآخرين في المعارضة ولسنا نحن فقط..
ممارسة السياسة برؤية الشعراء:
وتبقى الاشارة الى ان الصادق المهدي كان قد لجأ للاستعانة بالشاعر العربي ابو الطيب المتنبيء في قوله الخالد:«لو لا المشقة ساد الناس كلهم.. فالجود يفقر والاقدام قتّال».. وذلك في معرض الرد على سؤالٍ كرره عليه الصحفيون الغربيون في العاصمة المصرية القاهرة عندما اعلن عن اعداد العدة للعودة من المعارضة بالمنفى في الخارج الى الداخل في اواخر القرن العشرين الماضي ومطلع القرن الحادي والعشرين الجاري.
وكانت جمعية المراسلين الاجانب لوسائل الاعلام الغربية المقروءة والمرئية والمسموعة قد استضافت المهدي في مؤتمر صحفي بمقرها في القاهرة في تلك الفترة وبهذه المناسبة... ولما انهمرت الاسئلة المتكررة التي ابدى فيها مراسلو الصحافة واجهزة الاعلام الغربية الاخرى عدم القناعة والاقتناع بأهداف المهدي وتبريره وتفسيره للاقدام على القيام بتلك الخطوة والمفاجأة في الاعلان عن الرغبة في العودة الى ارض الوطن وعدم الاستمرار في مواصلة المعارضة المناهضة للسلطة الحاكمة في الخرطوم من المنفى في الخارج مع حلفائه الآخرين ،ممثلين في التجمع الوطني الديمقراطي المعارض الذين انشق منهم وخرج عليهم في ذلك الحين بدعوى وجود فرصة لتحقيق من كان يسعى له في الخارج بالداخل ووجود امكانية لتجسيد ذلك على ارض الواقع، لم يجد المهدي مفرا من الرد على تلك الاسئلة المستغربة والمستنكرة لقراره بالخروج من المعارضة في المنفى والعودة الى الداخل سوى اللجوء الى الاستعانة بما ورد في شعر المتنبيء على النحو المشار إليه...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.