الجوهرة دفوي تزين عقد المنطقة الفرعية دلقو    أهلي الكنوز في مواجهة نهضة الوطن بالدامر    كوليبَالي.. (أعِيدها والّلا وَقَع ليكُم)؟!!    *(ارزقي).. يبوح بكل الاسرار..!!    رئيس مجلس السيادة يصدر قراراً بإعفاء محافظ بنك السودان وتعيين السيدة آمنة التوم خلفا له    رعب في مستشفى عطبرة.. جنود من المشتركة يفتحون النار داخل عنبر الجراحة!    وزير الخارجية يلتقي سفير المملكة العربية السعودية    تعيين محافظ جديد لبنك السودان    فوضى في "إعلام المنتخب".. والاعلام يستقي الاخبار من "حساب شخصي"    شاهد بالفيديو.. الكوميديان حسن تسريحة يدخل في وصلة رقص مثيرة للجدل مع الفنانة منى ماروكو خلال حفل بأثيوبيا وساخرون: (علموك فك العرش يا تسريحة)    ترامب: أميركا مع السيسي دائما    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة تهاجم الناشطة "ماما كوكي": (تسببتي في طلاقي وخربتي بيتي..ما تعمليني موضوع وتلوكيني لبانة وشريف الفحيل دفعتي)    تقرير الموارد المعدنية: 909 ملايين دولار حصيلة الصادرات    كامل إدريس يقف على جهود النيابة العامة في بسط سيادة حكم القانون    ترامب : أنجزنا المستحيل والدول العربية والإسلامية شركاء في السلام    10 منتخبات قد تحسم التأهل إلى كأس العالم هذا الأسبوع    مجلس الوزراء..إجازة تعديلات قانون جرائم المعلوماتية واتفاقيات ثقافية    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون يثيرون غضب الجمهور بتقليدهم "ترند" خاص بالبنات خلال حفل زاوج    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يدخل في وصلة رقص مثيرة مع "العميد" خلال حفل جماهيري بالإسكندرية    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر براعة كبيرة في ركوب الخيل بمصر وتنال إعجاب جمهور مواقع التواصل ببلادها    الفنان علي كايرو يكتب رسالة مؤثرة من سرير المرض: (اتعلمت الدرس وراجعت نفسي وقررت أكون سبب في الخير مش في الأذى وشكراً الشعب السوداني العظيم) والجمهور: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)    قوات الطوف المشترك شرق النيل تدك اوكار الجريمة بدائرة الإختصاص وتوقف (56) أجنبي وعدد من المتهمين    اتجاه في المريخ ل"تقليص" بعثة بنغازي    حاج ماجد سوار يكتب: كيف يكتمل تفكيك المليشيا (1)    انا والسياسة الاقتصادية والكورنة    السعودية تدين"الهجوم الآثم" على الفاشر    أم تكتشف مفاجأة صادمة في حديثه مع "روبوت"    السفارة القطرية: وفاة 3 دبلوماسيين في شرم الشيخ بمصر    وزير المعادن يترأس اجتماع مناقشة الخطة الاستراتيجية لتأمين المعادن ومكافحة التهريب    هكذا جرت أكاذيب رئيس الوزراء!    حريق في الكيبل المغذي للولاية الشمالية يتسبب بانقطاع التيار الكهربائي    احبط تهريب أخطر شحنة مخدرات    قناة عزام تعلن بث لقاء الهلال والبوليس الكيني الافريقية    هل انتهت الحرب؟    «وحشني جدًا».. كواليس مكالمة أبوتريكة ل حسن شحاتة في المستشفى    منة شلبي: «حاجة كبيرة جدا وأنا لسه صغيرة عليه»    جريمة اغتصاب "طفلة" تهز "الأبيض"    تنبيه هام من "القطرية" للمسافرين إلى دول الاتحاد الأوروبي    ليس ترامب .. إعلان الفائز بجائزة نوبل للسلام لعام 2025    محمود سلطان يكتب: لماذا وافق نتنياهو على وقف الحرب مرغما؟    ويسألونك عَن فَرفور    فصل "فرفور" من "المهن الموسيقية" يثير جدلاً في الأوساط السودانية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    الفترة الانتقالية شهدت احد اسوأ حقب الادارة الاقتصادية    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    الدولار يبتلع الجنيه السوداني.. أزمة اقتصادية بلا كوابح    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    وزير الصحة يشارك في تدشين الإطار الإقليمي للقضاء على التهاب السحايا بحلول عام 2030    حادث مرورى لوفد الشباب والرياضة    انهيار الجسر الطائر بجامعة الخرطوم إثر اصطدام شاحنة    عملية أمنية محكمة في السودان تسفر عن ضبطية خطيرة    السودان..محكمة تفصل في البلاغ"2926″    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    الاقصاء: آفة العقل السياسي السوداني    ضبط شخص بالإسكندرية ينصب على المواطنين بزعم قدرته على العلاج الروحاني    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نائب الرئيس في الاتفاقات السودانية
نشر في الصحافة يوم 17 - 03 - 2012

برز د.الحاج آدم يوسف نائب رئيس الجمهورية، كمصدر من مصادر القدرة القيادية المحتملة للحكومة الإتحادية في التحديات التي تواجهها اقليمياً ودولياً، وحيث أن تجربته في المنصب ماتزال تحت الاختبار والنظر وسط مواطنيه، فقد أثارت مجمل تصريحاته مؤخراً بين مناصريه في المؤتمر الوطني حول امكانية العودة لاستخدام العنف العسكري في مواجهة دولة الجنوب، أثارت جدلا وصل حد التساؤل عما إذا كان نائب الرئيس يدرك حقاً مسؤولياته الدستورية في سياق تنفيذ إتفاقات السلام التي تعهدت الحكومة بالصبر على متابعة تنفيذها مع أطراف كانوا بالأساس خارج دوائر الثقة بسلوكها السياسي التنفيذي. لعل الاهتمام بتصريحات نائب رئيس الجمهورية نابع من التطلعات الشعبية أن يكون وجوده في الموقع الدستوري مرتبطاً بترفيع قدرات التراضي بين مواطنيه وفق اتفاقات السلام، خاصة سلام دارفور بوثيقة الدوحة، وتشجيع الحوار البناء مع أميز جيران السودان دولة جنوب السودان حديثة الاستقلال، وتسهيل الحوار بين الدولتين الجارتين.
إن منصب نائب الرئيس، أبتدع وطنياً في سياقات البحث عن سلام قابل للاستدامة في السودان، إذ أن الإدارة البريطانية لم تكن في حاجة اليه. كان الحاكم العام يحكم مطلقاً بسكرتاريات إدارية، مالية وقضائية، وهي في المجمل كانت تمثل السلطة التنفيذية. لقد انتقلت سلطات الحاكم العام تدريجياً بعد تأسيس أول مجلس تشريعي، انتقلت الى مجلس الحاكم العام، ثم انتهى ذلك المجلس مع الاستقلال إلى مجلس السيادة ثم مجلس الدولة في الأطر الديمقراطية. أما نظام مايو فقد قضى على الجدل القائم، بتقديم النظام الجمهوري بسلطات واسعة للرئيس، وقد كان نميري يؤمن إيماناً عميقاً بالمبدأ الأمريكي (Who hires fires) أو بالسوداني (من يُعين يَرْفِت).
كان تصميم النظام الجمهوري على عهد نميري عودة إلى سلطة الحاكم العام بمؤسسات متعددة لا تخرج من سيطرته الشخصية، ومن تلك المؤسسات منصب نائب رئيس الجمهورية، وجميع نوابه الأساسيين كانوا من العسكريين: اللواء خالد حسن، اللواء الباقر، الرائد أبو القاسم، الفريق عبد الماجد خليل، واللواء عمر الطيب. على أن التنازل الحقيقي الذي قدمه نميري في مؤسسة الرئاسة جاء في أعقاب اتفاقية أديس ابابا (1972) حين تم تعيين أبيل ألير نائباً ثانيا ورئيسا للمجلس العالي الانتقالي للجنوب، في وقت كان أبيل أكثر المدركين للتعقيدات التي صاحبت الاعتراف بالجنوب كسلطة دستورية قانونية إدارية. لقد ظل مولانا حذراً حتى تأكد له ليس بالبحث وحده وانما بالممارسة أيضاً، ان الثقة في سلطة مركزية مطلقة لا يعني خدمة الناس العاديين أو المبادئ ذات القيمة الانسانية، انها تخدم بناء الديكتاتورية.
كان أبيل من بين أهم مصادر معرفتي بالتطورات الدستورية بشأن الجنوب، فقد أخبرني أنه وحرصاً منه على التوافق القومي، دعا د.منصور خالد لتوقيع الاتفاق في أديس أبابا مع الفريق لاقو حتى يصبح الاتفاق بالفعل اتفاقا بين الشمال والجنوب، في تلك اللحظات كان يحمل في سترته تفويضاً مكتوباً من رئيس الجمهورية الذي خوله الاتفاق مع حركة الأنانيا على كل شيء ما دام في إطار وحدة السودان. عندما تم الاتفاق، تم تعيين لاقو فريقاً في الجيش، وأصبح هو نائب ثان لرئيس الجمهورية والقائد السياسي الفعلي للجنوب.
حرص مولانا ان يحفظ للجنوب فرصه في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن لأن سلطته جاءت بالتعيين، فان قدرته في انفاذ خططه كانت ضئيلة، وكانت السلطة المركزية أو قل نميري هو من عمد الى خلق مناخ العداء بين الجنوبيين واستخدام طاقاتهم وتسخيرها نحو العنف والعداء بدل التراضي والتنمية وتوسيع قاعدة الانتماء للبلاد. لقد ظل الجنوب يتداعى نحو الانفصال والاستقلال برغم حسن نوايا القادة الوحدويين، لأن مسؤولية التعيين والرفت كان مركزياً وفي يد شخص واحد، ودون اعتبار للمؤسسات. وهكذا لم يكن منصب نائب الرئيس إلا أداة في يد الرئيس وكانت مفارقة أثارت الحيرة عندما ذكر الفريق جوزيف لاقو في خطاب شكواه للأمين العام للأمم المتحدة بعد الانتفاضة (ابريل 1985م) انه كان في القصر مجرد سجين، برغم أنه كان في منصب نائب الرئيس.
في ثمانينيات القرن الماضي برزت بعض تطورات سياسية في الشمال أدت الى إعلان أقاليم بقانون 1980م. لتلك التطورات، جذور ترجع الى طلب محمود حسيب أحد قادة الاتحاد الاشتراكي ومن جبال النوبة، ضرورة تطبيق الحكم الاقليمي في الشمال وكان ذلك في مؤتمر سياسي (1979م)، الأمر الذي أغضب نميري وأثاره بالفعل، ولم يسمع عن ذلك الطلب الا بعد عام، عندما طرح مبدأ الحكم الاقليمي بقوة في مؤتمر للاتحاد الاشتراكي. لقد خرجت البلاد بمستوى إقليمي للحكم في شمال السودان، وحكام للاقاليم بدرجة مساعدي رئيس، وقد كانت مساهمة الدارفوريين في كل ذلك واضحة للعيان. بأسف ان الحكم الاقليمي لم يمض باتجاه التنمية والتعمير، ولكن بسبب السيطرة المركزية اقتصاديا وأمنياً تراجع أداء الحكم الاقليمي في البلاد الى أدنى المستويات واستمر تراجعه في الحكم الديمقراطي التالي، مما مهد لنزاعات تطورت فيما بعد لنزاعات مسلحة مع الحكومة المركزية نفسها.
عندما تسلمت الانقاذ السلطة بانقلاب، مضت في ذات التدابير التقليدية للانقلابات (مجلس ثورة، مجلس وزراء.. الخ،) ثم اعلنت في أوقات لاحقة عن نفسها على قاعدة الحكم الجمهوري، برئيس جمهورية ونائب أول، ونائب ثان من الجنوب، واستمر الحال كذلك الى حين توقيع اتفاق السلام الشامل (2005) . استجدت تطورات درامية جعلت من قائد حركة تحرير السودان جون قرنق، نائباً أولاً، كضامن (فيتو) للاتفاق في حالتي الطوارئ واعلان الحرب، اضافة الى حكم الجنوب، اما عدا ذلك فان السيطرة التامة فمازالت في يد رئيس الجمهورية ومعاونيه التقليديين الذين ظلوا ينظرون بريبة الى كل من يدخل كابينة القيادة. في أحسن الاحوال يتم تكيّف القادم الجديد مع الاوضاع وبذا يكون خاضعاً للأمر الواقع، أو يجد نفسه مضطرا للجأر بالشكوى او الخروج من منظومة الحكم بالكامل، وذلك ما حدث تماما لمساعد رئيس الجمهورية غير الموفقة أوضاعه مني أركو مناوي، ومن قبله رياك مشار، ومبارك الفاضل المهدي.
كانت تلك التجربة الثرية ضمن مطروحات حوار هايدلبيرج حول دارفور(2008 - 2010)، بكل من السودان وألمانيا، بمعهد ابحاث السلام بجامعة الخرطوم، ومعهد ماكس بلانك للقانون العام المقارن والقانون الدولي، وهكذا عندما تم تدشين الوثيقة بزخم دولي عريض في برلين (يونيو 2010)، أخذ المفاوضون الدارفوريون من ممثلي الحركات المسلحة والمجتمع المدني والاهلي في الدوحة (قطر) خلاصات الحوار، وطرحوه على مائدة التفاوض كموقف تفاوضي. كان من بين اطروحات التفاوض تمثيل الدارفوريين لفترة انتقالية في مؤسسة الرئاسة، بما يمكنهم من تأهيل أنفسهم للمنافسات الانتخابية مستقبلا في كل أجهزة الدولة بما في ذلك رئاسة الجمهورية.
لقد طرحت وثيقة هايدلبيرج في الفصل السادس (المشاركة الفعالة لدارفور في كافة المؤسسات على المستوى الاتحادي وجميع المستويات الأخرى)، طرحت خيارات من بينها تعيين نائب لرئيس الجمهورية من دارفور في مؤسسة الرئاسة الى جانب رئيس السلطة لدارفور، وقد اخذت وثيقة الدوحة بذلك كما ورد في المادة (4) عن السلطة التنفيذية القومية، اذ جاء في المادتين 38، 39 على التوالي، ان تمثل دارفور في السلطة التنفيذية القومية وفق معيار نسبة السكان وان يجري تعيين عدد من نواب الرئيس على نحو يحقق المشاركة والتمثيل السياسيين لكل السودانيين، بما في ذلك دارفور. أكدت الوثيقة ايضا ان نائب الرئيس عليه ان يضطلع بمسؤوليات ان يكون عضواً في مجلس الوزراء القومي، وعضواً في مجلس الأمن القومي، وان يعمل بوصفه رئيساً في غياب الرئيس ونائبه الاول (إذ انه ألفة لنواب الرئيس متى ما زاد عددهم)، والقيام بأية وظيفة او واجب آخر قد يكلفه به الرئيس، وعلى وجه الدقة تنحصر تكليفات الرئيس الدستورية في دعم الاتفاقات المتراضي والمشهود عليها اقليمياً ودولياً، وازالة كل العوائق لسلامة تطبيقاتها مع الاطراف بما في ذلك اتفاق السلام الشامل، الذي لا يملك الا تحقيق السلام و قد فات عليه تحقيق الوحدة.
من تلك المنطلقات مجتمعة، وفي سياق التأسيس للسلام المتراضي عليه بين المكونات السودانية، فان الوجود الوظيفي لنائب الرئيس د.الحاج آدم يوسف في الراهن يكون محل احترام واسع اذا ما ساهم في بناء الثقة بين قوى الاقاليم المدنية والمسلحة ودفع التعاون بينها والسلطة الاتحادية على قاعدة بناء سلام بالتفاوض والتراضي، والمساهمة في فتح الطريق أمام كل السودانيين بتنوع هوياتهم وبالوسائل السلمية المعهودة لترسيخ ايمانهم بالسيادة الوطنية، ووحدة الاراضي السودانية، وتمكينهم من إدانة كافة انواع العنف ضد المدنيين وانتهاكات حقوق الانسان وفسح المجال أمامهم لبناء الدولة بتجفيف منابع الفساد الاداري والمالي، ودعم السلام بدارفور بمحاكمات عادلة، وصرف ميزانيات حقيقية للتنمية، وتوفير المناخ للمصالحات والعدالة الانتقالية، ودعم نشر ثقافة السلام في كل أنحاء البلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.