كانت اللجنة المركزية لحزب مؤتمر البجا قد حذرت في دورتها السابعة، التي انعقدت اكتوبر الماضي، من حدوث مجاعة في شرق السودان نتيجة لشح الأمطار وارتفاع اسعار الحبوب الغذائية، ودعت حينها الدولة لاتخاذ ما يلزم من تحوطات لمنع وقوع كارثة إنسانية. وربما كان التحذير من اهم مخرجات ذلك الانعقاد لمركزية البجا، اذ ان وسائل الاعلام المختلفة ركزت على ابرازه بأكثر من مجموع القضايا التي طرحت في تلك الدورة. ربما لان اغلبها ظل يدور حول مناشدة اللجنة المركزية القوى السياسية كافة بضرورة العمل على تحقيق أكبر قدر من التوافق لمصلحة السودان العليا والارتقاء بمستوى المسؤولية. فقد رأت اللجنة المركزية أن حلول ومعالجة التحديات الوطنية تتطلب من الجميع عملاً صبوراً وصادقاً يؤكد خيار السلام وعدم العودة إلى الحرب، اكمال تنفيذ ما تبقى من اتفاقيات السلام، التوافق على دستور دائم بمشاركة كافة القوى السياسية وتوفير مناخ سياسي ملائم واعتماد خطاب إيجابي يعبر عن حسن النوايا وبناء الثقة، وتوسيع الشراكة في القرار الوطني. وهى مقررات تطابق الى حد بعيد ما يصدر عن القوى السياسية السودانية الاخرى بشكل دوري، بينما تتوقع وسائل الاعلام من حزب مثل مؤتمر البجا، مواقف وقرارات تشابه ما يموج به شرق البلاد من تفاعلات. لذا فإن من المرجح ان تجد وسائل الاعلام في مخرجات الانعقاد الثامن للجنة المركزية لمؤتمر البجا الذي جرت فعالياته امس الكثير مما تنتظره، بداية بالمخاوف التي ابداها مساعد الرئيس ورئيس الحزب موسى محمد احمد من المنحى الذى تمضي اليه الأوضاع في القرن الإفريقي، فقد نادى بالامس بالعمل على جعله ساحة للتعاون الخلاق بين الشعوب، مدينا كافة محاولات تقويض الأمن الإقليمي، بخاصة « ما أقدمت عليه دولة إثيوبيا من اعتداء غير مبرر على دولة إريتريا مما ينذر بخطر كبير يلحق الضرر، ليس بإرتريا وحدها بل يمتد الضرر ليمس الشعبين السوداني والإثيوبي».وناشد موسى كل الدول والشعوب والمنظمات الإقليمية والدولية المحبة للسلام، للتنادي والعمل على الوصول لحل مبكر للنزاع حتى لا يستفحل فيحرق الأخضر واليابس. وفيما خلا ذلك فقد جدد موسى محمد احمد التزام حزبه بالمضي قدما في تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاقية سلام الشرق التي لم تنفذ بعد، مشيرا أن ملف الترتيبات الأمنية، بعد أن رفعت اللجنة الخاصة بحصر وتصنيف المسرحين تقريرها، قد تحول أمر استكماله بخاصة الترتيبات الخاصة بالمسرحين وإدماجهم وتوفيق أوضاعهم، إلى ولاة الولاياتالشرقية للتنفيذ. وشدد رئيس مؤتمر البجا على قناعته بان المشاركة في الحكم تمثل خطوة ضرورية في الطريق الصحيح، لافتا الى ان شراكتهم مع المؤتمر الوطني تستند على اتفاقية سلام الشرق، إلا أنه اشار الى ان تطوير تجربة المشاركة في الحكم، يحتم « العمل على الانتقال بالحكومة العريضة من حكومة قائمة على اتفاقيات ثنائية إلى حكومة تقوم على توافقات وطنية واسعة وجامعة». ثم ان مخرجات الاجتماع مضت ابعد مما ذهب اليه مساعد الرئيس فقد طالبت اللجنة المركزية، اللجنة العليا لانفاذ سلام الشرق، بالإسراع في استكمال تنفيذ الاتفاقية والوفاء باستحقاقاته في الخدمة المدنية والمشاركة في المفوضيات وتمويل صندوق الإعمار وتوفيق أوضاع المسرحين، منبهة إلى «أهمية الشراكة السياسية والشعبية في اعتماد سياسات شفافة لتنفيذ مشروع سيتيت لتوفيق أوضاع المتأثرين ووضع أسس عادلة لملكية الأراضي وتوزيعها، وفقا لما ورد في اتفاق سلام الشرق، بغرض إزالة الفقر وتطبيق علاقات إنتاج تعطي أولوية للأسر الصغيرة «، داعية الحكومة الى اتخاذ إجراءات جادة وحاسمة لمعالجة مشكلات غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وغياب فرص العمل، واعتبارها قضايا ذات أولوية، كما نادت بضرورة توفيق أوضاع عمال الشحن والتفريغ بهيئة الموانئ. و أدانت مركزية مؤتمر البجا السلوك غير المسئول لقوات أمن المجتمع الذي أدى لاغتيال المواطنة عوضية عجبنا، على خلفية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لرفع الحصانة عن الجناة، مطالبة «بنشر نتائج التحقيق في أحداث مجزرة بورتسودان (2005م) التي ظل جرحها غائرا ولن يندمل إلا بتقديم الجناة للمحاكمة العادلة وإنصاف الضحايا وأسر الشهداء». وأكدت المركزية على سودانية حلايب، وعزم حزب مؤتمر البجا على استرداد أراضي الفشقة، كقضيتين لم تجدا بعد المعالجة الكافية والحاسمة من الحكومات المتعاقبة، معبرة في ختام أعمالها عن قلقها وإدانتها لجملة الاعتداءات الإثيوبية المتكررة على الأراضي السودانية في منطقة الفشقة الصغرى والكبرى وما جرى مؤخرا في جبل حلاوة (2010)م ومنطقة سفاوه (2012) بولاية القضارف. كما أدانت العدوان غير المبرر لإثيوبيا على دولة اريتريا، باعتباره لا يلحق الضرر بإرتريا وحدها بل يمتد ضرره للشعبين السوداني والإثيوبي. واتخذت اللجنة المركزية عدة قرارات تنظيمية متوقعة مثل تكوين اللجنة التحضيرية واللجان الفنية للمؤتمر العام الثالث للحزب، والذي تحدد مكانه في الخرطوم. كما تم تكوين لجنة «لتقييم جدوى مشاركة الحزب في السلطة»، على أن ترفع تقريرها للجنة المركزية لاتخاذ القرارات المناسبة. ومخرجات هذا الاجتماع استثنائية لحد بعيد فمؤتمر البجا منذ مشاركته في السلطة على شرعية اتفاقية سلام الشرق، لم يطرح امر جدوى هذه المشاركة على منضدة بحث وظل يثمن الشراكة مع الحزب الحاكم باعتباره ضمانة تنفيذ الاتفاق، فهل تعكس هذه المراجعات التي قررتها اللجنة المركزية واقع العلاقة بين الحزبين، وهل مطالبتها «بنشر نتائج التحقيق في أحداث مجزرة بورتسودان (2005م) التي ظل جرحها غائرا ولن يندمل إلا بتقديم الجناة للمحاكمة العادلة وإنصاف الضحايا وأسر الشهداء»،استجابة الى الضغوط الشعبية المتواصلة من اهالي الضحايا الباحثين عن القصاص، ونزولا الى رغبة قيادات الاقليم في تسوية هذا الملف الشائك، ام انها محاولة لمنازلة الشريك الاكبر والضغط عليه في ميدانه الخاص استنادا على ضعف المشاركة في السلطة المركزية والولائية، بخاصة وان حكومات الولايات المعلنة لم تتضمن حصص البجا المتفق عليها مع الخرطوم، فضلا عن ابعاد مؤتمر البجا عن شئون الشرق وغل يده عن التواضع الى مشكلات الناس هناك. كل تلك الاسئلة لن تجد اجابتها الشافية الا فور شروع حزب مؤتمر البجا في انفاذ مقررات هذا الانعقاد للجنته المركزية، لان ذلك سيبين ان كان ذلك الحزب جادا فيما اعلن بالامس، ام لا، وعندها قد تختلف الأمور.