تعهُد قادة الحكم عقب الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان الذي انتهي بانفصاله، كان تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة ورشيقة وشد الأحزمة لمجابهة شح الموارد الناتج عن خروج عائدات النفط التي ذهبت مع الجنوب،لكن تلك الوعود أطلقت ساقيها للريح عندما أعلنت الحكومة الجديدة في ديسمبر الماضي التي تمددت وصارت تضم 71 وزيرا ووزير دولة بجانب مؤسسة الرئاسة التي تتألف من مجموعة كبيرة من المساعدين والمستشارين فشلت ذاكرتي في تحديد عددهم. ومن شابه أباه فما ظلم، فقد تعهد الولاة بتقليص حكوماتهم ولكن جاءت غالبية حكومة الولايات عريضة المنكبين وطويلة الساقين مثل الحكومة الاتحادية،بل تحايلوا على التقليص فسموا بعض الوزارات مجالس وبالطبع لا فرق في الصرف المالي، حيث يقف على رأسها وزراء أو بدرجة وزراء ولهم ذات مخصصات الدستوريين،واذا كان في القصر الرئاسي مستشارون ففي رئاسة الولايات مستشارون وخبراء ومعتمدو رئاسة لا فرق الكتوف اتلاحقت،حلال على المركز وحرام على المهمشين؟. البدعة الجديدة معتمدو رئاسة وهم وزراء بلا حقائب وبلا مهمام حلت في ولاية الخرطوم، فقد أدي اليمين الدستورية الأحد الماضي خمسة معتمدين جدد للرئاسة يمثلون جماعات سياسية بعضها لا يرى بالعين المجردة وبرضو تمثيل سياسي حتى تكون الحكومة عريييييضة. ولاية الخرطوم يبدو أنها اعتبرت أنها الولاية الأكبر والأكثر سكانا،وتستضيف الحكومة الاتحادية وهي بالاضافة الى ذلك عاصمة قومية لذا فقد بحبحت في الوظائف الدستورية والسياسية،فحكومة الولاية التي شكلت في منتصف نوفمبر الماضي تتألف من والي الولاية ونائبه المتفرغ، وثماني وزارات للزراعة والتخطيط والمياه والبنى التحتية، والمالية والصحة والتوجيه والتنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والتربية والتعليم،بجانب خمسة مجالس "وزارات" وسبع معتمدين على رأس معتمدياتها،ثم مستشار ومعتمدين اثنين للرئاسة قبل الخمسة المحظوظين (أجر بلا عمل) الذين التحقوا أخيرا بركب زملائهم،وكان هناك رهط من المستشارين لكن خفضوا الى ستة تقريبا وأطلق عليهم خبراء،وينتظرون مخصصاتهم ومكافآتهم نهاية كل شهر ورغم ذلك بعضهم غير راض عن وضعه ويطالب بالمزيد، ولم لا فهم أبناء الحزب وأحباؤه،ولا ننسى أكثر من 60 دستوريا آخرين هم أعضاء المجلس التشريعي للولاية وبالطبع ليسوا متطوعين ويقولون عن أنفسهم خدام الشعب. صارت حكومة الخرطوم - مثل غالبية حكومات الولايات- مترهلة وليست عريضة ويكاد يكون نصف عدد مسؤوليها بلا مهام حقيقية، أي الحكاية توظيف سياسي،على حساب الخدمات والتنمية وأيضا الفاعلية،وقبل أن يدخل فصل الصيف تكثر الشكوى من العطش ليس في أطراف الولاية بل في قلبها،سكان حي أبوروف الذي يرقد في أحضان النيل تظاهروا لانقطاع المياه عنهم أياما،وحتى في الخرطوم شرق الذي يقع فيه مقر صحيفتنا نشتري المياه من البقالات للشرب ونهاجر للوضوء،ومشروع النظافة بعد سنوات لا يزال في طور التجريب لا التطوير،زوروا مدارس الصم والبكم في وسط أم درمان لتروا المئات محشورين في أمتار في بيئة سيئة ومبان متداعية،مخصصات المعتمدين بلا مهام لا بل ثمن سياراتهم سيكفي لاصلاح حالهم. كل ذلك لا يقلل من انجازات واجتهادات والي الخرطوم وحكومته فقد شهدت الولاية جهدا مقدرا في انشاء طرق وجسور وصرف معقول على التعليم وخطوات لسد النقص في المعلمين وزيادة الانتاج الزراعي والحيواني، وترتيبات لتوسيع شبكات الصرف الصحي،وما نشهده من قصور هنا وهناك وتراخ في أداء بعض المسؤولين يمكن تداركه،نأمل من الوالي تحريك وزرائه من أجل التصدي لهموم المواطنين بأنفسهم فلا تبدو لهم بصمات واضحة،ونهمس في أذن الصديق معتمد الخرطوم عمر نمر .. قلل من كثرة التصريحات ،فلك كل يوم وآخر تصريح منذ تكليفك قبل أربعة أشهر، حديثك كله تسويف ، سنفعل كذا وسوف وسوف،فلتدع أفعالك تتحدث أكثر من أقوالك حتى لا تحاسب على الوعود والتعهدات،فأنت مجتهد ومثابر ونشط وذو همة ، وقد ذكرت ذلك في غيابك للوالي.