قرار مرتقب يتوقع أن يعلنه رئيس الجمهورية باعادة هيكلة الحكومة مركزياً وولائياً، وذلك بتقليص الجهاز التنفيذي قبل الاعلان عن رفع الدعم عن المحروقات رسميا ، فيما كشف المؤتمر الوطنى من جانبه عن اتجاه يقضى بتقليص نصيبه من اجهزة الحكم التنفيذية والتشريعية بنسبة 30% بكل من المركز والولايات ، دون المساس بنصيب احزاب الشراكة بحكومة القاعدة العريضة. ولا يستبعد مراقبون أن تخطو بقية أحزاب الشراكة الخطوة ذاتها، على أقل تقدير حتى لا تتهم باللهث وراء الاستوزار. الحكومة أجرت عدة مشاورات بدأها النائب الأول بلجنة للتشاور مع ولاة الولايات لاصدار قرارات رسمية وملزمة من مجلس الوزراء بشأن تخفيض الانفاق الحكومى والمخصصات وترشيد الصرف بنسبة 30% من جملة الصرف الكلى على الموازنة ،فيما اكتملت مشاورات لجنة حديثة التكوين لحسم الأمر ،فيما كشف وزير المالية عن خطة تشمل تقليص الوزارات بدمج بعضها والغاء أخرى وتعديل وزاري مرتقب. وأبان علي محمود أن المعالجة ستبدأ باعلان الرئيس اعادة هيكلة الحكومة مركزياً وولائياً، وزيادة الايرادات، وقد لوحت الحكومة باجراءات اقتصادية قاسية نعتها الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية ب «الاجراءات الاستئصالية» وقال انها تمثل رؤية كل القيادة السياسية للحزب وسيتم المضي فيها بلا تردد ، مؤكدا انها أمراض اقتصادية مزمنة أضحت معالجتها ضرورة لا تحتمل التأجيل. وقد اعلن القطاع السياسي للمؤتمرالوطني رسميا أمس الأول عن تكوين لجان لاعادة هيكلة الحزب والحكومة متزامنة مع القرارات الاقتصادية المتوقعة خلال الايام القادمة، واقرت امانات الحزب جملة من القرارات والخطط اولها مراعاة الشرائح الضعيفة وعدم تأثرها بالاجراءات الاقتصادية المقترحة وقال القطاع ان القرارات الاقتصادية التي تترقبها البلاد والحزب ستتزامن مع اجراءات ادارية اخري بإعادة هيكلة الحزب والحكومة، نتساءل أولا عن أهداف ومبررات الحكم اللامركزى؟ يقول الدكتور الشيخ البشير أبوكساوى الخبير فى الحكم المحلى والمختص فى الدراسات الاستراتيجية ان الانقاذ ظلت منذ تسلمها مقاليد السلطة فى السودان تبحث عن حل وحسم قضايا واشكالات نقل السلطة للأقاليم والقسمة العادلة للثروة والموارد من أجل التنمية المتوازنة والمستدامة وتأسيس نهضة حضارية وثقافية تفضي لحل قضايا التنوع الديني والاجتماعي والاقتصادي، وقد ورثت الانقاذ نظاما فيه « تسعة» أقاليم و«66» محافظة و«219» محلية الا أنها سرعان مادعت لمؤتمر للحوار الوطني لقضايا السلام «1990» ،وقد أثمرت مداولاته بتطبيق قانون الحكم اللامركزى لعام 1992 ، واشار الى أن الفكرة أصلا بنيت على نظام التطوع لتقليل التكلفة ، ويعترف أبوكساوى بفشل تطبيق النظام وانتقد طريقة التطبيق ويقول ل«الصحافة» ان عدم استقرار الكوادر المدربة والمؤهلة المناط بها تنفيذ الفكرة هو السبب الأساسى الذى جعل الفكرة تنحرف عن مسارها الصحيح ،لقد طال التشويه عملية التطبيق ،فضلا عن تفشى ظاهرة الصراع القبلى والجهوى والمحسوبية والشللية ويقول ان العملية برمتها افتقدت الى الرقابة والمحاسبة فى ظل افتقاد وحدة القياس نفسها لتحديد مستوى النجاح أو الانحراف ، ويؤكد ان الاخفاق الذى أصاب تطبيق اللامركزية فى الدولة هو ذاته اخفاق الوطنى فى تطبيق اللامركزية فى هياكله . الا ان مراقبين أعابوا على الحكومة عدم الاستقرار فى القوانين بشأن تطبيق نظام الحكم اللامركزى «1991 ،1995، 1998، 2003 وأخيرا الدستور الانتقالى لعام 2005» ، واعتبروا ان اعتماد التجربة نفسها على نظام التطوع أدى لتفشى المحسوبية والقبلية والجهوية والشللية، والتى بدورها قادت لظاهرة التجاوزات المالية بل الفساد المالى والادارى فى ظل غياب المؤسسية والعملية الرقابية والمحاسبية. دعونا الآن نتساءل: كم يبلغ راتب ومخصصات مؤسسة الرئاسة؟ لكل من رئيس الجمهورية ونائبيه ومساعديه ومستشاريه وو....؟ وهل سيبدأ رئيس الجمهورية بنفسه والذين معه ومن حوله ثم الأقرب فالأقرب ؟ سيما ان حكومتنا الرشيقة تضم «31» وزيرا ومن هم بدرجة وزير اتحادى يتقاضى كل منهم «13» ألف جنيه تقريبا شهريا ، «40» وزراء دولة ويتقاضى كل منهم حوالى «9» آلاف جنيه شهريا ، «15» من المستشارين ويتقاضى كل منهما «12» ألف جنيه تقريبا ، فضلا عن مخصصات أخرى ! بلغ عدد الولاة «17» واليا متوسط مرتب ومخصصات الوالي الشهرية حوالى «9» آلاف جنيه تقريبا وتشمل «الراتب الشهرى + بدل السكن +المياه +الكهرباء +هاتف +دعم اجتماعى +طبيعة عمل »+جملة المخصصات «4» آلاف جنيه تقريبا شهريا وتشمل «بدل نقدى +لبس + تذاكر داخلية+تذاكر خارجية +ضيافة» لتبلغ جملة مخصصات ومرتبات الوالى الشهرية «13» ألف جنيه تقريبا شهريا ، عدد الوزارات الولائية «150» وزارة ومتوسط مرتب ومخصصات الوزير والمستشار الشهرية حوالى« 8» آلاف جنيه + «4» آلاف جنيه تقريبا بدلات «نقدى وسفريات داخلية وخارجية ولبس وضيافة» لتبلغ جملة مرتب ومخصصات الوزير «12» ألف جنيه تقريبا شهريا، وأكثر من «300» معتمد ومستشار بالمحليات ويبلغ مرتب المعتمد «7» آلاف جنيه تقريبا وتبلغ مخصصاته «4» آلاف جنيه تقريبا وتشمل «البديل النقدى +السفر الخارجى + الداخلى + الضيافة + لبس » لتبلغ جملة مرتب ومخصصات المعتمد «11» ألف جنيه تقريبا شهريا ، وأكثر من «140» رئيس لجنة متوسط المرتب والمخصصات الشهرية لرئيس مجلس الولاية التشريعي «8.5» ألف جنيه تقريبا وتبلغ جملة مخصصاته «4» آلاف جنيه تقريبا شهريا وتشمل «البديل النقدى +السفر الخارجى + الداخلى + الضيافة + لبس » لتبلغ فى مجملها «12.5»ألف جنيه تقريبا شهريا ، وتبلغ مرتبات نائب ورئيس اللجنة التشريعية «7» آلاف جنيه تقريبا ومخصصاته «4» آلاف جنيه شهريا وتشمل ««البديل النقدى +السفر الخارجى + الداخلى + الضيافة + لبس » لتبلغ فى مجملها«11» ألف جنيه تقريبا شهريا ، وعدد الدستوريين بالمجالس التشريعية أكثر من «600» ويبلغ مرتب ومخصصات الواحد «3.8» ألف جنيه تقريبا شهريا ، عدد المحليات «190» عدد الدستوريين بالمحليات «2000» تقريبا ،فضلا عن العربات والتى يتجاوز ما هو مخصص لبعضهم أكثر من عربة ،فيما يبلغ مجمل الصرف الحكومى فى الفصل الأول مرتبات «35%»،الفصل الثانى تسيير «15%» الفصل الثالث والرابع «50%» ،الفصل الأول المصدق به للولايات «3.7» مليار جنيه ،الا أن الحكومة غالبا ما تكون عاجزة عن الايفاء بهذه المتطلبات ،ويبلغ الصرف الفعلى «3» مليارات بنسبة «75%» ،علما بأن التحصيل ضعيف جدا فنادرا ماتحقق الولايات والمحليات الربط المطلوب . ولكن كيف تكون تلك الهيكلة المرتقبة ناجحة وممكنة فى ظل الظروف الراهنة ؟ فالوضع من حيث التطبيق أصبح سيئا، وزارات مفصلة لشخصيات وجماعات وجهويات بعينها ،وولايات ومحليات عشائرية وشللية وقبلية ، تمثل مأساة الحكم اللامركزى فى السودان ، فكيف يمكن لهذه الدولة أن تخرج الحكم اللامركزى من ورطته ؟ يقول ل«الصحافة» الدكتور محمد يعقوب محمد علي أبوحليمة الخبير فى شؤون الحكم المحلى: مهما عملت الحكومة من اصلاحات ان تم تنفيذها على شاكلة الطريقة السودانية من ترضيات ووساطات لم يكتب لها التوفيق، ويعتبر ان الحكومة أمامها خياران اما ان تلجأ فى خطوتها لتعديل فى هياكل الحكم أو جراحة استئصالية للنظام الفدرالى نفسه ، وذلك فى اتجاهين على مستوى الخط الأفقى بتقليص عدد الوزارات والمحليات وغيرها ورأسيا بزيادة المرتبات والمخصصات، ويقترح أبوحليمة الغاء أى محلية تعتبر عالة على النظام الفدرالى ،ويقول ان كثيرا من المحليات ينطبق عليها هذا الحكم ويجب ان تذهب بلا رجعة. واعتبر مراقبون خطوة الحكومة «اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية » بمثابة «تضحيات جسام» وقالوا ان فيها الكثير من المخاطر ولكنهم يتساءلون عن ضمانات النجاح مقابل الصبر الذى ظل يدفعه المواطن لأكثر من «22» عاما، وزير المالية حذر من التراخي في انفاذ الاصلاحات بصورة كلية وقال انها ستدخل البلاد في مرحلة ندرة وعودة الصفوف ، وأبان الوزير ان وقف الصرف الحكومي يشمل عدم تخصيص أي مبالغ للمباني الحكومية دون استثناء ووقف استيراد العربات الحكومية بجانب تقليل الصرف على العربات الحكومية، وقال علي محمود «نحن سلمنا الرئيس رؤية مكتوبة وله الحق في تقليص الجهاز الحكومي في المركز والولايات ومن ثم رفع الدعم عن المحروقات، وبذلك يصبح الأمر برمته هكذا فى قبضة رئيس الجمهورية».