وقف التاريخ في لحظة مفصلية ليسجل في أناة وألم وأنين دخول الانتفاضة السورية عامها الثاني، دون أن يترجل الرئيس السوري بشار الأسد ويحقن الدماء التي لونت جل المدن والبلدان السورية، وحولت الديار إلى جحيم لا يطاق. لم يعبأ الرئيس بشار بعدد القتلى الذين ناهز عددهم التسعة آلاف، ولا بعدد النازحين الهاربين من جحيم الحرب والذين ناهز عددهم الثلاثين ألفاً.. ولم يرف له جفن للويلات والبلايا التي خلفتها آلته العسكرية الخرساء التي هشمت أجسام الأطفال الطرية، مثلما لم يذرف دمعة حرى على الشيوخ الذين قضوا تحت الركام، والنساء اللاتي شق عويلهن ونحيبهن عنان السماء.. المبادرات والجهود الدبلوماسية التي اضطلع بها المجتمع الدولي لم تجد نفعاً.. تعاقبت اللجان، اللجنة تلو الأخرى والنتيجة واحدة: مزيد من القتل والترويع وأن المسار السلمي قد تراجع أميالاً في ظل جموح النظام السوري للاستمرار في القتل والقنص الأكثر بشاعة في ربيع الثورات العربية. لقد بدأت تلوح في الأفق مظاهر سيناريو الحل العسكري الذي يهدف إلى تسليح الجيش السوري المنشق والمعارضة السورية في الداخل التي لا تزال تستنجد بالمجتمع الدولي المخادع الذي يتوارى خلف مجلس الأمن العتيد والبليد. المواقف المخزية لروسيا والصين ليست بعيدة عن الأذهان، فالدعم المعنوي الذي حظي به النظام السوري منحه مزيداً من الفرص للاستمرار في القتل والقمع بحجة أن الإرهابيين هم الذين يقودون الثورة ويؤججون زخمها وعنفوانها، اليوم تصل إلى سوريا البعثة المكلفة من المبعوث الدولي كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة السابق، ولا ينتظر أن تحقق البعثة أية نتائج إيجابية في ضوء عناد الرئيس السوري المتشبث بالسلطة إلى الأبد. وسوف تكون نتائج البعثة الأممية كسابقتها: لجنة الجامعة العربية التي قاد فريقها الفريق الدابي، التي أخفقت ثم خفت ضياؤها وأملها المنشود. رئيس النظام السوري يراهن على الموقع السوري المحير الذي يصعب معه تطبيق السيناريو الليبي بحجة أن أي ضربة عسكرية موجهة إلى سوريا من المحتم أن يشمل لهيبها كل المنطقة بما في ذلك إسرائيل، وهذا ما لم يقدم عليه المجتمع الدولي - على الأقل في الوقت الراهن - السيناريو الآخر الذي يراهن عليه النظام السوري هو أن أي تسليح للمعارضة وللجيش السوري الحر ربما يؤدي إلى حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس. عناد وتصلب الرئيس السوري بشار الأسد في عدم الترجل والتنحي عن السلطة ربما يؤدي إلى احتراق سوريا بأسرها. الوضع في سوريا يذكرنا بقصيدة توماس اليوت «نوتون المحترقة» التي يقول في بعض مقاطعها: الثوم والذمرد في الطين في حنايا جذور شجرة الأكسل والدودة التي تزغرد في الدماء وتغنى تحت الندوب القديمة تهيج حروباً عفا عليها النسيان العقرب يصارع الشمس حتى تهبط الشمس والقمر وتبكي النيازك ويطير الأسد صائداً السماء والسهول طائراً في زوبعة ستأخذ العالم إلى تلك النار المحرقة. د.عبدالرحيم نورالدين