لا عمرة للسودانيين في كل عام تواجه أهلنا السودانيين الراغبين في أداء مناسك العمرة مشكلات لا حدود ولا حصر لها حتي أصبحت المعاناة في الحصول على تأشيرة للعمرة سمة ملازمة وأمراً اعتيادياً بعد مرمطة وواسطات وسمسرة وتلاعب الغرض منها امتصاص المزيد من مما في جيوب هؤلاء المحبين الذين لن توقفهم جميع العوائق من اجل اللحاق بركب رحلة الايمان إلى الرحاب الطاهرة، لذا نجد أن عمرة السودانيين ورغم المشقة والعنت هنا وهناك، هي الأرفع كلفة مادية، والاقصر مدة بقاء هناك، والأبعد سكناً عن الحرمين الشريفين، والأكثر إهمالاً من قبل الوكالات والشركات السياحية لهؤلاء البسطاء الذين يستحون من المطالبة بحقوقهم التي دفعوا مقابلها مبالغ مادية، ومن حقهم أن ينالوا خدمات وعناية ورعاية أكثر، لاسيما إذا عرفنا أن العمرة أضحت مفتوحة طوال العام باستثناء أشهر الحج وهي شوال وذي القعدة ومحرم وصفر فضلاً عن ذي الحجة شهر الحج الاكبر، فبقية أشهر العام كلها عمرة لجميع المسلمين. لكن للأسف الشديد هذا ما لا يحظى به السودانيون، وهو واقع محزن ومؤسف أن ترى في الحرمين الشريفين في هذه الاشهر جميع جنسيات العالم معتمرين ومتمتعين بزيارة البيت الحرام ومسجد المصطفى عليه أزكى الصلوات والسلام، خاصة أن هؤلاء يأتون من بلاد بعيدة ويقطعون آلاف الكيلومترات، معلقين لساعات طويلة بين طيات السحاب تنقلهم الطائرات العملاقة وتسبقهم أشواقهم قبل خطاهم الى الديار المقدسة، بينما تجد في الجزء الآخر من الصورة شيئاً محبطاً، إذ تبحث عن سوداني وزوجته وأسرته الصغيرة أو أفراد قادمين مباشرة من أرض الوطن لأداء هذه الشعيرة، فلا تراهم في الطواف أو السعي إلا كما ترى «الشامة» على جسد أبيض كما يقول المثل السوداني «تشوف الزول زي الشامة في الحرم» وهي دلالة على قلتهم بل وعدمهم في أحيانٍ كثيرة، فهناك آلاف المعتمرين في الطواف لن تجد بينهم سودانياً، وإذا وجدته فغالباً ما يكون مقيماً إما في مكة وضواحيها أو قادماً من إحدى مدن وقرى وهجر المملكة، وبعد كل هذه الجدلية والإشكالية فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح أين تكمن المشلكة؟ وما هي أسبابها؟ وهل عدم وجود السودانيين في العمرة المفتوحة طيلة العام برغبتهم؟ وهم الذين تتقطع أكبادهم حسرة وحزناً إن لم يزوروا أرض الحجاز ويتشرفوا بالسلام على ساكن طيبة، وقد حفظ لنا ديوان المديح مدى المحبة الخالصة، والعشق الاستثنائي للسودانيين لبيت الله العتيق ووديان وشعاب وبطاح مكة والمشاعر المقدسة وأنوار المدينة و «القبة البلوح قنديلا» والشوق والحسرة للذين لم تسعفهم ظروفهم لزيارة الهاشمي الأصيل والسلام عليه وعلى أصحابه وعلى ساكني البقيع وشهداء أحد، والمعالم التاريخية الكثيرة التي تزخر بها مدينة المصطفى عليه افضل الصلاة والسلام، بل أن جدودنا كانوا يأتون الى أرض الحجاز على ظهور الجمال الجياد ومعهم طار المديح والزوادة التي تمكث معهم مدة رحلة الحج التي تحسب بالأشهر وليست بالأيام كما يحدث في زماننا هذا. فمن يحل مشكلة معتمري السودان ويتصدى لهذه التعقيدات التي تحدث في كل عام؟ لاسيما أن حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لم تألُ جهداً في سبيل أن يصل الجميع الى الاراضي المقدسة، وبذلت ما يكفي لحل هذه المشكلات، فأوكلت هذه المهمة لشركات تشرف عليها وزارة الحج، وهذه الشركات تعمل وفق ضوابط صارمة وتتم معاقبتها ان خالفت التوجيهات، ولهذه الشركات وكالات في السودان نجح بعضها وفشل بعضها الآخر فشلاً ذريعاً، وللأسف فإن بعثة الحج والعمرة المقيمة بالمملكة العربية السعودية قد تم كف يدها تماماً عن هذه المهمة، وأصبحت مسؤوليتها اشرافية فقط وغير مسموح لها بالتدخل في أمور قضايا المعتمرين أو سكنهم أو ترحيلهم، انما مهمتها تنحصر فقط في رفع تقارير صماء للجهات المختصة في السودان، وإزاء هذا رأيت عدداً من المعتمرين الذين وصلوا على قلتهم حتى الآن هائمين على وجوههم، وأخطر شيء يواجههم خاصة النساء التوهان في الطرق المؤدية من وإلى المسجد الحرام، وغياب المشرفين معضلة أخرى تضاف إلى المشكلات الأخرى.