اصبحت الزيادة فى الاجور تمثل هاجساً للعاملين والموظفين فى القطاعين العام والخاص على حد سواء، وذلك لما يترتب عليها من زيادات فى الأسعار تؤدى الى ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث يجد العامل ان الدخل اقل بكثير من المنصرف. واتفق عدد من الخبراء الذين تحدثوا ل «الصحافة» على عدم جدوى الزيادة فى ظل الغلاء الذى استشرى فى الاسواق. وطالبوا بضرورة اعادة النظر فى الزيادات وتحديدها وفق الاسعار الحالية، واعادة النظر فى ضريبة الدخل الشخصى والخصومات العديدة فى الراتب. وكان وزير العمل د. فرح مصطفى قد كشف عن ترتيبات لتشكيل لجان لإزالة الفوارق بين الأجور. ووعد بالعمل على جعل لجنة الاختيار لجنة قومية وعدم إعادة من أكمل سن المعاش إلى الخدمة، مبيناً أن اللجنة سترفع توصياتها إلى النائب الأول لرئيس الجمهورية بعد الفراغ من عملها. فيما وجه النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه بالاسراع في اعداد الهياكل المتعلقة بالخدمة المدنية ومراجعة قوانينها التشريعية لازالة معوقات الاستثمار وازالة الفوارق في الأجور للعاملين بالمؤسسات في المراكز والولايات. وقال وزير العمل فرح مصطفى إن وزارته تسعى لزيادة الناتج القومي الاجمالي، مبيناً ان طه وجه بإعداد تصور جديد لمفوضية الخدمة العامة، واشار فرح الى ان قانون الخدمة المدنية يعد ركيزة في هذه المرحلة ويهدف الى زيادة الانتاج. وأضاف أن النائب الأول وجه أيضاً بإعداد خريطة جديدة للنهوض بالخدمة المدنية يتم إعدادها بالتنسيق مع الوزارات ذات الصلة «المالية وتنمية الموارد البشرية» حتي يتم استيعاب 25 ألف خريج ضمن ميزانية عام 2012م. وحسب دراسة حديثة أعدها المجلس الأعلى للأجور، فإن مراجعة الأجور بصورة عامة غالباً ما تتم حسب الارتفاع المستمر فى الرقم العام للأسعار والتضخم الذى ينعكس على تكاليف المعيشة. وفى كثير من عقود العمل يأتي التدرج فى الأجور بالزيادة فى تكاليف المعيشة، إذ أن دخول الافراد قد ترتفع من الناحية النظرية خلال فترة من السنوات، الا ان الدخول الحقيقية قد تنخفض من الناحية الفعلية، نظرا لارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض القوة الشرائية للنقود. وعند ربط الأجور بالأرقام القياسية لتكاليف المعيشة، نلاحظ انه وبالرغم من ان الرقم القياسى ظل أعلى من متوسط الرقم القياسى للاسعار لشهرى يناير وفبراير 2008م، إلا أن الملاحظ ان الاجر الحقيقى قد انخفض عما كان عليه فى النصف الاول من عام 2007م مقارنة بالقوة الشرائية للنقود فى عام الاساس. وتقدم المجلس الأعلى للأجور في السودان بعدة مقترحات لجهات الاختصاص في الحكومة لزيادة الحد الأدنى من أجور العاملين، وذلك لتلبية الحد الأدنى من احتياجات العاملين في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار الذي تشهده البلاد. وقال رئيس المجلس الأعلى للأجور، بروفيسور سوار الذهب أحمد عيسى، لوكالة السودان للأنباء «سونا»، إن سياسة الدولة العامة تستهدف زيادة الحد الأدنى للأجور وفق دراسة لتكاليف المعيشة، مضيفاً أن الجهات المسؤولة في الدولة وعدت بدراسة هذه المقترحات بغرض إنفاذها وفق الإمكانات المتاحة. وشدد رئيس المجلس على أهمية توحيد قوانين المعاشات في السودان لإزالة الفوارق بين المعاشيين. وأشار إلى الميزات التي تتضمنها قوانين المعاشات والتأمينات الاجتماعية للقوات النظامية والسلطة القضائية، فيما تلقى بقية فئات المعاشيين التجاهل التام. أما بالنسبة للتعاقدات الخاصة فقد أكد رئيس المجلس الأعلى للأجور أن التعاقد محدد بأجور وأرقام لهذه الأجور، وليس متروكاً للمتعاقد أن يضع الأجر كما يريد. وأبان أنه مطلوب الموافقة على التعاقد من الجهة المركزية صاحبة التصديق النهائي ممثلة في مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية. وشدد على أهمية التزام الهيئات ومؤسسات الدولة المختلفة بكل اللوائح والمنشورات التي تصدر عن ديوان شؤون الخدمة حفاظاً على حقوق العامل. وقال رئيس المجلس الأعلى للأجور سوار أحمد عيسى إن قانون الخدمة حدد العلاقة بين العامل والدولة، إما علاقة تعاقدية أو لائحية. فالمجلس الأعلى للأجور في السودان اشترط أن تتوفر في الذين يعملون في وظائف تعاقدية خبرات ومطلوبات محددة قانوناً، ومن ضمن هذه المحددات ألا يؤدوا عملاً تنفيذياً بمعنى أن يكونوا في وظائف ذات صفة استشارية فقط. وأضاف عيسى: «الذين يعملون في وظائف تعاقدية لا بد أن تتوفر فيهم خبرات ومطلوبات محددة قانوناً، ومن ضمن هذه المحددات ألا يؤدوا عملاً تنفيذياً وأن يعملوا في وظائف ذات صفة استشارية». واعتبر آدم فضل المولى مسؤول شؤون الولايات باتحاد عمال السودان مرتبات العاملين خطاً أحمر استنادا إلى توجيهات رئيس الجمهورية، وأولوية على الأمن والتنمية. وأوضح ل «الصحافة» ان الاتحاد طالب عبر خطاب رسمى وزارة المالية بزيادة المرتبات بصورة مقدرة، مشيراً الى ان الحد الادنى للاجر حدد ب 500 جنيه فى الموازنة الجديدة، حتى يستطيع العامل مجابهة تكاليف المعيشة، مضيفاً «يكفي ما يلاقيه العامل من عنت التعامل مع وضع اقتصادى يعاني أساساً من التضخم». وطالب بوجود زيادة ومعالجة الأجور فى ظل غلاء وارتفاع مدخلات الانتاج «خاصة الكهرباء»، بجانب الزيادة فى القيمة المضافة. وقال فضل المولى إن نسبة الزيادة في الأجور خلال الخمس سنوات الماضية تراوحت ما بين 10% 15%، وبلغ عدد الزيادات من عام 1990م وحتى الآن 15 زيادة، أما ما بعد عام 2004م فبلغت نسبة الزيادة 100%، وهو ما يوصف بعام الأساس فى الزيادات. وتفاوتت نسبة الزيادات ما بعد هذا العام ما بين5% 7%. وطالب بعمل بعض المعالجات قبل الشروع فى وضع زيادات الأجور. وفى البداية يجب الوقوف على الزيادة فى القيمة المضافة التى تنعكس على الزيادة فى اسعار السلع. وفي ما يلى بنك السودان عليه ضخ السيولة فى مناطق الانتاج المختلفة لإحداث الحراك الاقتصادى فى المناطق التى تعاني التدنى فى الوضع الاقتصادى، مثل المناطق الطرفية التى تعاني غلاء الاسعار وانعدام السيولة. ويرى د. محمد الناير الخبير الاقتصادى أن الفارق كبير جداً بين الحد الادنى لمتطلبات المعيشة والحد الادنى للاجور، وقد لا يكفى، حيث ان الحد الادنى للاجور يتراوح ما بين 15 20 % لمقابلة تكاليف المعيشة، لكن هنالك شيئاً آخر يجب توضيحه، وهو أن معظم العاملين بالدولة اذ لم يكن كلهم لديهم استحقاقات اضافية او مكافأة وبدل وجبة تتم اضافتها الى المرتب ليصبح الحد الادنى أعلى بكثير مما هو معلن، ولكن الدولة تتحاشى اتخاذ قرار يجمع كل هذه المخصصات وادراجها ضمن الاجر ربما خوفاً من الاستحقاقات المعاشية، ولكن هنالك اتجاهاً من قبل الدولة بتوجيه من رئيس الجمهورية بتعديل المعاشات وبموجبه وصلت الى معدل معقول، مبيناً أنه من الممكن اضافة الحوافز والمكافأة الى الاجر لكل العاملين بالدولة، موضحاً أن هذا لا يؤثر على الاقتصاد. وأرجع ذلك الى عدم توفر سيولة جديدة تضخ فى الاسواق لكى تثبت ارتفاع الاسعار او التضخم، بل ان هذه المبالغ تدفع بالفعل، وبالتالى يحتاج الامر الى قرار يجعل الدولة تقر بأن الحد الادنى للاجور هو 165 جنيهاً، وإذن بقرار فقط يمكن تعديل الحد الادنى للاجور بما يتناسب مع نسبة ال60% من الحد الادنى للاجور لمتطلبات المعيشة. ويقول الناير إن الامر يحتاج الى للجنة تدرس الأجور فى كل الوحدات التابعة للحكومة او الهيئات او المؤسسات، بجانب العمل على توحيد الأجور والمخصصات فى كل هذه الجهات تحقيقا لمبدأ العادلة، وبهذا يمكن ان يرتفع الحد الادنى بما لا يقل عن 400 جنيه دون أن تخسر الدولة سيولة اضافية او ضخ سيولة جديدة تؤثر فى معدل التضخم. ويرى الناير أن تكون للجنة مهام اخرى، وهى أن تجرى دراسة مستفيضة للتفاوت فى الأجور بحيث تستطيع ان تحدد حجم التفاوت فى الاجور لكل المؤسسات والوزارات والجهات التى تتبع للدولة، وبالتالى يمكن أن تعالج بتخفيض بعض المخصصات من جهات ذات صلة لخلق نوع من التوازن. فتح الله عبد القادر عن لجنة فوارق الأجور باتحاد عمال السودان أكد ل «الصحافة» وضع هيكل راتبى منذ 2004م لمعالجة الاجور، مبيناً ان هنالك أكثر من 200 علاوة، ثم بعد ذلك تم توحيد العلاوات فى علاوة واحدة تمت فيها مراعاة سياسات الأجور، ويقول: «الآن نحن بصدد وضع بعض المعالجات عليها، ويمكن للمجلس الاعلى للاجور ان يضع دراسة للتخلص من التشوهات»، مبيناً أن المجلس يضم خبرات كبيرة بجانب الشركاء الثلاثة اصحاب العمل والدولة ممثلة فى وزارة العمل، وهم خبراء ذوو باع طويل فى مسائل معالجة الأجور، وقد تم وضع بعض الدراسات، مؤكداً أن اللجنة مستمرة فى عملها ولا بد من الالتزام بسياسات المجلس الاعلى فى الهيكل الموحد للأجور. ووصف مصدر فضل عدم الاشارة الى اسمه ل «الصحافة» الزيادات الاخيرة فى الرواتب بغير الحقيقية، مبيناً أن ضريبة الدخل الشخصى التى واكبت الزيادة اخذت بالشمال ما اعطته الحكومة للعاملين باليمين. وقال: «لا ينكر احد ان الزيادة التى حددت كانت كبيرة بالقياس مع الرواتب قبل الزيادة، ولكن العامل لم يستفد منها فى ظل غياب الرقابة على الاسواق التى ادت الى ارتفاع الاسعار بصورة جنونية ابتلعت كل الزيادة وطالت حتى المرتب الأساسي». وأضاف أن الحد الادنى للأجور500 جنيه هذا اذا طبق لا يكفي أسرة متوسطة لشراء الخبز خلال الشهر بعد الزيادات الاخيرة بغض النظر عن بقية الاحتياجات الاخرى. وانتقد النسب المطبقة فى الزيادات، مبيناً انها أحدثت المزيد من المفارقات بين الموظفين، بعد أن تساوت النسب بين الموظف ذي الراتب العالى والموظف ذي الراتب الضعيف، وبذلك لم تحل المشكلة وزادت الأمر سوءاً اكثر مما كان عليه. واكد مصدر مسؤول بوزارة العمل أن تشكيل لجنة لمراعاة فوارق الاجور أمر ضرورى، وان اتخاذ الدولة لهذا الاجراء شىء محمود، لكن هنالك تساؤلات حول حقيقة النتائج التى ستخرج مع توصيات اللجنة، بجانب طريقة حساب هذه الفوراق، وأثر ذلك على أهم قطاع فى منظومة الاقتصاد الكلى وهو قطاع الأجور، مشيراً إلى أن هذه الفوارق تؤثر فى اداء العاملين فى قطاعات الاقتصاد سواء العام او الخاص، وقال إن هنالك أجوراً إضافية تضاف إلى المرتبات المعلنة، وهذه تسبب الفوارق فى الأجر، وبذلك تشكلت طبقتان عليا تنال كل شىء وطبقة دنيا تنال الفتات، موضحاً أن اللجنة التى تم تشكيلها اذا كانت جادة فلا بد من إجراء مسح وجمع بيانات كاملة عن مستويات الأجور الحقيقية مقارنة بمعدلات التضخم ومستويات التشغيل، وقال يجب أن تشمل هذه البيانات الارتفاع فى أسعار السلع وقدرة المواطن على شراء حاجاته الضرورية، إضافة إلى قدرة الاقتصاد على تحمل أية زيادة فى الأجور، لذلك يجب أن تراعى الدولة المهمة الاساسية وهى التحكم فى معدلات التضخم واحياء الاقتصاد قبل النظر فى فوارق الأجور، بالرغم من أن الدلالات تشير إلى انه قد لا تكون هنالك قدرة على وضع الأجور سواء أكانت معدلة أو في وضعها الحالي خلال الشهر القادم.