مدخل: التعبير الحر حقٌّ إنسانيٌّ أساس يجب ممارسته في وجه القمع إن نعمة التعبير أفضل وسيلة فاعلة للتواصل الإنساني، فالقدرة على التواصل تمكننا من ترسيخ روابط عبر الزمان والمكان ومن فهم الحضارات والثقافات المختلفة ومن توسيع المعرفة رأسياً وأفقياً ومن تطوير الفنون والعلوم. كما تساعد أيضاً على تجسير الفجوات في التفاهم بين الشعوب والأمم وعلى وضع حدٍّ للعداوات القديمة وعلى تحقيق الانفراج وغرس زمالاتٍ جديدة. إن التعبير يجعل البشر يُفصحون عن أفكارهم وعواطفهم والمفردات تجعلنا نعبِّر عن مشاعرنا ونسجِّل تجاربنا ونستوعب أفكارنا ونوسِّع من حدود استكشافنا الفكري، فالمفردات يمكن أن تحرك القلوب ويمكن أن تغيِّر التصورات والأحاسيس ويمكن أن تضع الأمم والشعوب في حركة دفعٍ قوية. تعتبر المفردات جزءاً أساساً من التعبير عن إنسانيتنا، فتقييد حرية الكلام والتعبير يعطِّل الحق الأساس لإدراك قدراتنا الكاملة الكامنة. فهل يمكن لحرية التعبير أن تنتهك؟ فقد كان من المعلوم منذ الأزمنة التاريخية أن المفردات يمكن أن تجرح كما يمكن لها أن تضمد الجراح، وهذا يعني أن علينا مسؤولية استخدام مهاراتنا الشفهية بالطريقة الصحيحة. فما هي الطريقة «الصحيحة؟» إن الوصايا العشر تشمل إنذاراً ضد حَمْل شهادة الزور، فسوء استخدام نعمة التعبير لخداع الآخرين أو إلحاق الضرر بهم يعتبر عموماً أمراً غير مقبول، هذا فتعاليم البوذية تقول إن هناك أربعة أفعال شفهية تشكل «فشلاً ذريعاً في الحياة»: إطلاق أكاذيب متعمدة لخاطر المرء نفسه أو لخاطر آخرين أو من أجل فائدةٍ مادية، التلفظ بالكلمات التي تسبب الفتنة التي تخلق الخلاف وسط الأناس المتحدين وتحرض أولئك الذين ما زالوا في شقاق، التحدث بقسوة وتعسف مما يثير الغضب ويحدث ارتباك العقل في الآخرين كما تشمل الكلام غير المستحسن والمستهتر والمؤذي. إن القوانين الحديثة اليوم تعكس ما كان يشغل أسلافنا: فشهادة الزور والقذف والتشهير والتحريض على الكراهية المجتمعية والتحريض على العنف تعتبر جميعها اليوم جرائم تقع تحت طائلة التهم في كثير من البلدان. والاعتراف بالآثار السلبية لسوء استخدام نعمة تعبيرنا لم تقابله على أية حال أية توعية بالآثار الضارة لكبت حرية التعبير. ويُنظر عموماً إلى حرية التعبير بحسبانها مهدداً للنظام القائم وذلك في المجتمعات التي تكون فيها قاعدة معالجة السلطة ضيقة، فعندما لا يُسمح بالحديث عن الأخطاء والمظالم الماثلة فإن المجتمع يُحرم من قوة دفع مهمة نحو التغيير والتجديد الإيجابيين. وقوانين الرقابة التي تحمي المجتمع ظاهرياً من التأثيرات الجائرة تحقق القليل مما هو إيجابي وتكون النتيجة المعتادة جواً من الريبة والخوف الذي يكبت الفكر الإبداعي. ولم يبدأ الاعتراف بحرية التعبير إلا في القرن العشرين بحسبانها حقاً إنسانياً أساساً لكن ظلت حرية الكلام والتعبير اليوم هشة بل غير معروفة في كثيرٍ من الدول الموقعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وكما كان في الماضي البعيد فإن أولئك الذين يتبوأون مناصب السلطة والنفوذ هم الذين يقفون ضد حرية التعبير عن المظالم والتطلعات العامة. ولقد تبين بحقٍّ وحقيقة أن الأهم ليس هو الكثير من حرية التعبير بل الأهم هو الحرية التي تلي التعبير، فلأعوامٍ طويلة من الحكم الاستبدادي عوقب أعضاء حركة الديمقراطية في بورما بسبب احتجاجهم ضد انتهاكات حقوق الإنسان وإساءة استخدام السلطة فالقليلون منهم الذين تحدثوا عن ذلك كانوا يُعبِّرون عن الاحتجاج الصامت للكثيرين الذين باتوا مُروَّعين لدرجة الاستسلام. فوقوف القلة ضد قوة السلطة الماحقة ليس أمراً صعباً، فلقد كان تضامن الناس الذين لهم ميولٌ مشترك في الداخل والخارج هو الذي دعم أنصار حرية التعبير في بلادنا. إن نصير حرية التعبير يعتبر بالضرورة مهنياً، فالمبدأ الأساس لأولئك الذين يريدون حماية حرية التعبير هو وجوب إظهار التزامهم بممارسة ما يبشرون به، فعندما نعبِّر عن حقنا في حرية التعبير سنشرع في ممارسة ذلكم الحق إذ لا يمكن أن تكون هناك مناصرة نظرية لهذه الحريات لأن ممارسة المناصرة تكون بشكلٍ عملي فقط.