صباح الأحد 25 مارس 2012م وورى جثمان الراحل محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني الثرى في مقابر فاروق بالخرطوم بعد أن أدركته منيته في لندن صباح الخميس 22 مارس إثر معاناة من المرض - رحمه الله وتقبله. الراحل نقد وهو من عاصر نشأة الحزب الشيوعي السوداني وتكوينه وزخم الماركسية العالمية وهي تقتسم السلطة والقرار في العالم مع المعسكر الغربي ثم وهي تتراجع وتنهار بعد ظهور نظرية اعادة البناء (البيريسترويكا) في آخر ثمانينيات القرن الماضي. وقاد حزبه سكرتيراً له في ظروف صعبة واستثنائية بعد انقلاب 19 يوليو 1971 وحتى رحيله بالأمس والتقلبات والمستجدات السياسية والاقتصادية محلياً واقليمياً وعالمياً، لا نجد من راقبه وتابع مسيرته السياسية إلا أن يعترف له بأنه (إمام الوسطية الماركسية) في السودان خلافاً لنهج الكثيرين من السادة (المراكسة) وزعماء اليسار..! وما نقول بحقه وقد رحل كلمة حق. وخير شاهد على ذلك ما أظهره وداعه وتشييعه الذي كان في مقابر فاروق بالخرطوم وصيوان العزاء الذي أقيم له بداره وقد أمهما جمع كبير من أهل السياسة ورموز المجتمع والدين. وعندما أمّ صلاة الجنازة أحد الأئمة الصوفية - الشيخ الادريس - بتوصية وطلب من الراحل قبل وفاته كان ذلك علامة نزعة صوفية كانت مستقرة ومختفية في وجدانه شأن أمور أخرى. الأستاذ نقد في مسيرته السياسية والعقائدية لم يعرف التعصب والانحياز الأعمى للحزب ومعتقداته وواقعه السياسي كما لم يمنعه وجوده في صفوف المعارضة ومكوناتها ومسمياتها من أن يقول الحقيقة ولو خدشت حياء البعض السياسي والعقدي. فقد اعترف لي في الجمعية التأسيسية الثالثة (1986-1989) وكان حظ حزبه فيها ضئيلاً بأن وجودهم فيها (تمومة جرتق..!). وبعد انهيار الماركسية والاتحاد السوڤيتي كان يقول «الاشتراكية ماتت ولن نفرش عليها..!». وأما عن أحزاب المعارضة فقد كان يوجه سهامه إليها كما يوجهها إلى الحكومة. فهي برأيه أحزاب (مَحْرَكة) ليس إلا.. بل عندما ذهب إليها في ميدان إبى جنزير ذات مرة ولم يجدها ترك لها عبارته الساخرة المشهورة (حضرنا ولم نجدكم..!) وكذلك كان حاله مع الحركة الشعبية في الفترة الانتقالية وهي تنسحب من البرلمان وتقاطع جلسات مجلس الوزراء حيث وصف ذلك بأنه سلوك مجموعات طلابية وليست سياسة حزبية. وهذا كله وغيره كثير يعبر عن أن الراحل نقد كان وسطياً وصريحاً وصادقاً للغاية. فهو والحال كذلك (إمام الوسطية الماركسية) والسياسية بشكل عام الشيء الذي ربما لن يتكرر. الدعاء له بالرحمة والقبول ولوطنه وأسرته الكبيرة والصغيرة وحزبه حسن العزاء - آمين.