كلما أعود لدفاتري القديمة، اتصفحها تتلألأ أمام ناظري عبارة تكاد ان تبوح، تكاد ان تصرخ من احتقان المعاني فيها، تكاد ان تنفجر وتفضح الموقف الذي ساقني اليها، عبارة تكاد ان تلمس تعاطفها معك ومشاركتها لك. لهذه العبارة توقيت واوان، فهي في «بيات» متى كانت الامور تسير سيرها الطبيعي المعتاد، ولكنها تنطلق كالشرر في ثورة وهيجان، تتجاوز كل الخطوط والاعتبارات وتتحدى كل المعايير المصنوعة لمصالح البشر وحبهم لذواتهم الفانية، ظلم الانسان لاخيه الانسان في ذاته بل يجعل الباب مشرعاً لتوافد الوسواس والقول بالفم المليان «ابوكي بلد» والظلم رويدا رويدا ترتفع وتيرته تتآكل كل مقومات الانتماء والهوية ويسقط الوطن من عليائه، وفي هذه المحطة الفاصلة اما ان يشهر الانسان سيفه في وجه الوطن العزيز وحياضه، ويرضى ان يكون في عداد «العاقين» اما ان يبحث في الدفاتر القديمة لتواسيه العبارة «من يوصل النجوى حدود الحس يفتح كوة النفس المريح». والعبارة منسوبة للراحل مصطفى سند، صاحب الاحساس المرهف والكلمة الشفيفة الانيقة، وان كانت تعوزنا معرفة الموقف الذي دعا شاعرنا ليتحفنا بهذه العبارة التي نعتبرها حمالة وجوه، اينما وضعتها تستقيم الفكرة وتقوى المعاني وتؤدي الغرض، والعبارة في تقديرنا يصطف خلفها طابور من الآهات والمرارات والجراحات، والصور الحزينة، وبمرور الايام وتراكم سنوات الظلم الذي يبقى ويظل كالبثور في وجه الوطن الجميل، وينعدم الطريق الى كوة النفس المريح. انسداد في افق الرؤية واقتحام لجدلية «الفيل وضلو». جيش جرار من المهزومين والمأزومين يركض خلف الظل الممدود على ارصفة الخوف، والفيل المعني تقعده «الطخمة» فوق العشب الاخضر، يمد لسان الغيظ ورهان «الهمبول» على اشباح تتلوى، يقتلها صقيع النسيان واحتضار النجوى على اعتاب حدود الحس وتلك الكوة البعيدة المحروسة بالهتيفة ومن جاءوا «صحبة مراكبية» لا هم في العير ولا في النفير، والكلام ليك يا المنطط عينيك. محمد النوبي