السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرية في الإسلام .. سؤال الجبر والاختيار ..!!
نشر في الصحافة يوم 31 - 03 - 2012

في صالون لا تتجاوز مساحته ال 30 مترا، اجتمع مساء الأول من امس الخميس، أكثر من 30 مثقفاً، يمثلون أطياف الحياة الفكرية والسياسية في البلاد، للتحاور حول «الحرية في الإسلام: النظرية والتطبيق»، وقد ابتدر الحديث امام الأنصار الصادق المهدي زعيم حزب الأمة ثم تلاه د.غازي صلاح الدين وأمين حسن عمر القياديان بالمؤتمر الوطني والأستاذ كمال الجزولي القيادي الشيوعي البارز، ود.محمد محجوب هارون وأخرون ضاقت بهم جنبات صالون الدكتور نزار محجوب القيادي بالمؤتمر الوطني بحي الشاطئ الفخيم.
جزم المهدي في صالون «مفاكرات» الذي اداره غسان علي عثمان بأننا كمسلمين «لانستطيع الحديث عن الإسلام ببراءة وكأنه لم يحكم ويجرب بعد، لأن هناك تجارب إسلامية - مايو ، ايران، باكستان، طالبان، والانقاذ- ووصف المهدي هذه التجارب بأنها «مع الاختلاف بينها الا أنها تحمل سمات النظام «الشرق أوسطي» وأنها كلها مغيبة للحرية وعدد السمات النظام الشرق أوسطي بأنه نظام يقوم على قاعدة «الحزب الواحد، الاعلام الطبَّال، الأمن القاهر، والاقتصاد المحابي» وهو نظام ذو طبيعية فاشستية..
وقال المهدي لحقت هذه الطبيعية بنظمنا بعد الاستقلال، حيث أخذت الأيديولوجيات الناصرية والبعثية هذه الطبيعية الفاشستية والستالينية من الأنظمة الدكتاتورية في العالم للقضاء على الخصوم ومنع الأصوات الأخرى في الداخل العربي رغم أن هذا الأسلوب عاد وقضى على القيادات الفكرية لهذه التيارات الناصرية والبعثية كما اعترف له بذلك ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث في لقاء جمعه به في ديسمبر 1988م، وكان وقتها عفلق مطاردا من نظام حزب البعث الذي أسسه !
ضيوف في الكون
يرسل المهدي البصر في التجربة الانسانية ويقطع بأن السر وراء تقدم الغربيين وتخلفنا في المقابل يكمن في مكانة الحرية عندهم وعند المسلمين، قال بدأنا نحن المسلمون من نصوص تكفل حقوق الانسان وعلى رأسها حق الحرية فغيبناها وانحططنا الى اللاحرية والاستبداد والركود وعشنا في الظلمات بينما الأصول الدينية للغربيين بها معطيات واضحة لتغييب الحرية، ولكنهم مع ذلك بدأوا من اللاحرية وحرروا أنفسهم من الحق الالهي للملوك وعصمة البابا وسيطرة الكنيسة فصنعوا الحضارة الحديثة وأظهروا مبادئ حقوق الانسان وعاشوا في النور.
ويداخل د.محمد محجوب هارون لاحقا بان الغربيين جعلوا من الحرية هادية لهم في كل شئ ومضت بالمجتمع الأوروبي نحو التنفذ ولكنها لم تكن منجاة لهم من ارتكاب شرور أخلاقية فقد تحركت أساطيل هذه الدول الحرة لاحتلال الشعوب الأخرى ونهب ثرواتها.
يمضي المهدي الى القول فأصبحنا والغرب نسير في خطين متقابلين هم الى صعود ونحن الى هبوط حتى انتهى بنا الحال الى أن نكون تحت وصايتهم وأصبحنا «ضيوف في الكون» وهم «أصحاب الدار» و لهذا لا يصح الحديث وكأننا في «حالة منافسة» مع الغرب والصحيح اننا في حالة كيف نوجد موطئ قدم، وقال «نحن الآن برة التاريخ».
ينطلق امام الأنصار في تأصيل مكانة الحرية في الإسلام من السؤال التقليدي: هل الانسان مسير أم مخير؟ ويورد عددا من الآيات القرآنية التي تجعل المشيئة والاختيار للانسان «حيث لا اكراه في الدين» ولا سيطرة لنبي على الناس «لست عليهم بمسيطر» ووصف «الشورى» واقرارها في بنية السلوك الجمعي الإسلامي قمة معني الحرية حيث لا شورى حقيقية بغير حرية حقيقية وجزم ان الانسان مخير وليس مسيرا..
في مداخلته قال د.أمين حسن عمر رغم الحوارات الطويلة بين المعتزلة والخوارج الا ان الفكر الإسلامي أجاب مبكرا على هذا السؤال وقال بتخيير الانسان ونبه أمين الى أن الحرية في باطنها تستصحب معنى الاذن « ما تشاءون الا أن يشاء الله رب العالمين». ويضرب أمين حسن عمر مثلا في الخطاب المؤسس على قاعدة التخيير بقضية المرأة، حيث يخاطبها البعض من منطلق مختلف، ويرى عمر أن المرأة ما دامت تلقى ذات الجزاء الذي يلقاه الرجل فانها مكلفة بذات أصل التكليف ولها الحق في ذات الفرصة المتاحة للرجل، وقال انه ليس ممكنا اخلاقيا ان لا تساوي بين المرأة والرجل .
يشير المهدي الى أن أصول الاعلان العالمي لحقوق الانسان مقررة في أصولنا الدينية وهي الكرامة والمساواة والسلام والحرية والعدالة، وقال ان الإسلام لا يهدر حقوق الانسان لاختلاف الدين ولا يجيز القتال الا لرد العدوان، ووصف المهدي هذه الأصول والمحافظة عليها بأنها «السلفية الحقيقية» وأبدى المهدي تخوفه من أن تهدر «السلفية الظاهرية الانكفائية» هذه القيم، ويستقرئ أن الانحطاط الذي أصابنا في مسألة الحرية ومن ثمة في الفعل الحضاري يرجع لأمرين وهما المنطق الصوري من خلال القول بالاجماع واعتماد القياس في توليد الأحكام، ويتحسر على أن الانشداد الدائم للقديم من خلال المنطق الصوري حرمنا من انتاج الجديد واضافة مساهمات الاجيال اللاحقة للمسيرة الإسلامية، والثاني هو وأد العقل البرهاني على يد الغزالي من خلال كتابه «تهافت الفلاسفة» ويصف المهدي أن تهافت الفلاسفة حجز العقل البرهاني وانتهى بناء الى الجمود الفكري.
الا ان أمين حسن عمر يبرئ الامام الغزالي و كتابه من الحجر على العقل البرهاني ويرى أمين ان الامام الغزالي ليس مسؤولا عن ذلك كما أنه ليس سببا في الظلمات التي لحقت بمسيرة الأمة الإسلامية.
يعتقد المهدي ان غياب الحرية من فضائنا الإسلامي رغم وجودها نظريا في أصولنا الفكرية والدينية انتهى بالمسلمين وخصوبتهم الفكرية الى حالة «خضوع الحق للقوة» وخاصة في المجال السياسي، بعد وقوع الفتنة الكبرى وما سفك فيها من دم، يسرد المهدي ما روي عن رجل يقال له يَزيد بن المقنَّع، الذي قال انه اخترَطَ من سيفه شِبراً ثم قال: أميرُ المؤمنين هذا - وأشار بيده الى معاوية - فان مات فهذا - وأشار بيده الى يزيد - فمن أَبَى فهذا - وأشار بيده الى سيفه، فقال له معاوية: أنت سيِّد الخطباء.
في تأمله لتأريخ الحرية السياسية في المسيرة الإسلامية يقرر المهدي أن المسلمين أعادوا استنساخ التجارب السلطانية حولهم الرومانية القيصرية استنسختها الدولة الاموية والفارسية الكسروية طبقتها الدولة العباسية في داخل المجال الإسلامي وحرموا أنفسهم من الاستمساك بالحرية الموجودة في أصولهم، وقال انتهى بنا خوف الفتنة الى القول «بوجوب طاعة المتغلب بقوة سلاحه ورجاله بل والقتال معه في ما يعلن من حرب».. ويرى أن مسيرة تغييب الحرية امتدت حتى عصرنا الحديث في الدولة «الشرق أوسطية» في صيغتها الناصرية والبعثية وفي الحكومات العسكرية ولا يستثني المهدي في تغييب الحرية حتى التجارب الإسلامية في الحكم في نموذجها الايراني والباكستاني والطالباني والسوداني بنسختيه المايوية والانقاذية. اعتبر المهدي النموذج الطالباني خروجا عن العصر، و النموذج الايراني قائما على ولاية الفقهية وقال رغم انها تطور في الفكرالشيعي الا انها تنطوي على القول بأن الفقيه نائب عن امام معصوم وعن اعتقاد بأن الامامة ركن من أركان الدين، وقال ان صلاحيات الفقيه تناقض الحرية بانتقاصها من صلاحيات الحاكم المنتخب ومن ثم تناقض مصالح الأمة عامة، ووصف الايرانيين بأنهم أخفقوا في هذا الجانب وأنهم أمام تحدي فكري كبير فيما يتصل بفكرة الامامة ، والحرية تطبيقاتها رغم نجاحاتهم في بعض المجالات الأخرى، وانتقد المهدي مقولة الايرانيين بأن من رفع الشعار الإسلامي فان ذلك وحده يكفيه، وقال ان رفع الشعار في تناقض مع استحقاقات الشعوب هو جناية على هذا الشعار وان التطبيقات السياسية الخاطئة تحت راية الشعار الإسلامي تعود بالضرر على الإسلام وستعجل الإسلام تحت سنة التأريخ وسيجري عليه ما جرى على الأفكار الوضعية الأخرى في العالم العربي والإسلامي..
ويصف التجربة المايوية في تطبيق الشريعة، بأنها أصدرت عقوبات إسلامية لحماية مجتمع لا دخل له بالإسلام.
وعن تجربة الانقاذ الإسلامية، يقطع المهدي بأنها قدمت الدين في تناقضٍ مع مبادئ الإسلام الأساسية كالحرية والمساواة والعدالة.
وقدم محمد محجوب هارون اعترافا نادرا بأن تجربة الحرية في التجربة السودانية لم تكن على نحو مرض فقد أهدرت الحرية عندما دخلت في موازنة بين استدامة المشروع والحفاظ على الحرية فاختارت بمحض ارادتها الحفاظ على المشروع، وقال انهم كإسلاميين لم يشعروا بانتقاص حرية الآخرين الا حينما رأوا اخوتهم يزجون في السجون «ولم ننتبه الا بعد ان قيل ان إسلاميين ذاقوا ما ذاقوا من نقص الحرية».
ومع هذا الحكم الذي اصدره بحق هذه التجارب، ينبه المهدي الى أنه لايمكن طرد الإسلام من فضائنا السياسي ومن الحكم ومن الحياة ، ودعا لدراسة هذه التجارب حتى لا نكرر أخطاءها .
في تعليقه على أطروحة المهدي، عقَّب الدكتور غازي صلاح الدين قائلا « أنا ميال الى أن نصف تلك التجارب التي شهدها العالم الإسلامي في الحكم بأنها «تجارب المسلمين» وليست «تجارب الإسلام» والفرق بين المصطلحين في الدلالة كبير.
يصنعها الشباب
في تتبعه للتجارب الإسلامية ومسارات الإسلام في حياتنا السياسية المعاصرة، يصنف المهدي التيارات الإسلامية الى ثلاث مجموعات، ولكل مجموعة مهمة وهدف، المجموعة السلفية وقد جاءت لنزع قميص التقليد المذهبي ، والمجموعة التوفيقية كما هي عند جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومن على مسارهم وهذه المجموعة سعت للتوفيق بين الأصل والعصر، والمجموعة الثالثة هي المجموعة الحركية وعلى رأسها الأخوان المسلمون ومدارسهم وجماعاتهم.
وفي سياق ثورات الربيع العربي ، ينظر المهدي لعلاقة هذه التيارات الإسلامية بالثورات الحادثة في العالم العربي وآفاق المستقبل ، ويبدأ بدحض الفرضية التي قيلت في مؤتمر طهران والتي شاعت على نطاق واسع وهي كون الربيع العربي هو ثورة إسلامية في صميمه، وقال ان الربيع العربي هو نتيجة نهاية لتراكمات أخطاء سياسية متعددة وكبت منظم للحريات العامة ، وقد تنبأ بها الكاتب الغربي «جون برادلي» في كتابه «INSIDE EGYPT» الصادر في 2008م، وتنبأ بها الكاتب المصري محمد السماوي في كتابه جناح الفراشة الصادر 2008 أيضا. ويرد المهدي صناعة الثورة في العالم العربي الى الشباب الجديد الذي أحسن توظيف التكنولوجيا الحديثة وأدواتها التواصلية في تنظيم الثورة بدافع تحصيل الكرامة وتحقيق التنمية والحرية والديمقراطية والعدالة.
يكسبها الإسلاميون
قال المهدي ان المفارقة تكمن في أن الربيع العربي جاء لهذه المجتمع ووجد بها حركات أكثر استعدادا من غيرها وكانت تقدم خطابا مطلوبا شعبيا يحثها على الصلاة وعلى حسن الأخلاق وكانت هذه الجماعات متخندقة في المساجد ولها وجود شعبي واجتماعي كثيف وتحظى بتعاطف كبير لكونها موضوع بطش السلطة الحاكمة لعقود، وقال ان بعض التيارات الإسلامية وخاصة السلفية منها كانت في حالة «دروشة» أثناء الثورة وقبيلها حيث أخذ بعض رموزها يرددون فقها قديما يفتي بحرمة الخروج على الحاكم أو الثورة فتنة وغيرها من الآراء .. واعتبر المهدي انها حركات تحظى بوجود اجتماعي وتفتقد الاستعداد السياسي، ويستثني المهدي حركة الاخوان المسلمين ويصفها بأنها ذات وعي وتجربة أكبر.
ويجزم المهدي بأن ثورات الربيع العربي صنعت الحرية وقال ان الحرية وفق معطيات الحاضر ستأتي بالإسلام، والمحك هل سيمارس الإسلاميون الديمقراطية ويحققون بها الحرية لأنفسهم ولغيرهم أم سيختارون من كان يقوله الجزائري علي بلحاج ان الديمقراطية هي سلم سيصعدون عليه مرة واحدة ولن يسمحوا لأحد بأن يستخدم هذا السلم مرة أخرى.
وقال ان صعود الإسلاميين السياسي سيجعلهم أمام خيارين أما أن يجعلوه فرصة أو يحيلوه الى أزمة، وقال ان الفرصة تتحقق اذا حققوا للشعوب الحرية والعدالة وأحسنوا ادارة التنوع والعلاقات الخارجية. ويرى المهدي ان هذه الحركات اذا فشلت في توفير ذلك كله فأنه سيصيبها ما أصاب تجربة التركي نجم الدين أربكان حيث أطاحت به وبأفكاره ثورة داخلية بقيادة رجب طيب أوردغان.
ينبه المهدي الى أن أية محاولة لتطبيق الإسلام في الواقع الماثل ستقود الى تقديم تنازلات في الواقع.. ويرى المهدي أن صعود الإسلاميين عقب الربيع العربي مشدود بتيارين غاليين: تيار علماني، يرى أنها تجارب فاشلة لأنها مناقضة للواقع ولا تفصل بين السياسة والدين، وأن أية محاولة للربط بينها ستقود الى اخفاقات بالضرورة وتيار يمين يرفض أي تنازل يفرضه الواقع ويعده خروجا عن جادة الشرع.
يضع المهدي مصفوفة أمام التجارب الإسلامية الصاعدة يجب انفاذها والوصول لمعادلات موزونة لها، وهي الأول: البعد الاجتماعي، لتحقيق التنمية وتحقيق العدل الاجتماعي، وقال ان الحرية ضرورية حتى وان لم تكن كافية. الثاني: تأكيد المواطنة والمساواة واحتواء الأقليات، وقال ان الفشل في ذلك سيجعل من الأقليات مخالب قط ومدخلا للتدخل الأجنبي في شأننا الوطني، وحذر من تحول المناداة الافتراضية بالدولة القبطية في مصر الى حقيقة انشطارية في الواقع. وقال ان اسرائيل تعمل من أجل أن تتحول المنطقة الى «مزايكو» ديني واثني ومذهبي. الثالث: البعد الدولي وتحقيق علاقات دولية متوازنة وشراكة مع العالم، وهو ارتباط لا فكاك منه النموذج الذي يعمل راشد الغنوشي على تطويره وتنزيله الآن في تونس.
وفي تعليقه ايضا على انتقادات الامام الصادق المهدي يقول الدكتور غازي صلاح الدين بأن الانتخابات في هذه الدورة على الأقل أتت بالإسلاميين مما يشير الى أن هناك أملا ما يزال معقودا بالإسلاميين في تحقيق مطالب الشعوب.
السودان وسؤال الحرية
يشير المهدي الى أن السودان أصيب بغياب الحرية والعدالة في ظل التجربة الحالية وانقسام حاد في الجسم السياسي وأزمة اقتصادية وبالجملة يمكن القول «ان السودان الآن أمام محنة كبيرة « ويستدرك المهدي «ويجب النظر لأوضاعنا من أجل البحث عن المخرج وليس من باب الادانة لجهة من الجهات» وقال ان ما ميز السودان أن هناك تواصلا بين قواه الحية ووصف الذين يتكلمون بلغة انتقامية بأن ذلك نابع من «حراق روح» لا أكثر.
وعن تجارب السودان، وصف المهدي البلاد بأنها كانت حقل تجارب لكل النظم والأفكار والأيديولوجيات، وقال ان ذلك قد يقوينا اذ لم يقتلنا وقال نحن محتاجون لتشخيص صحيح لأزماتنا في ظل وجود حقيقي للحرية بعيدا عن الغلو العلماني والغلو الإسلامي ووصف التيارين بأنهما من مهددات الحرية في الوطن.
وقال ان السودان بتجاربه مؤهل لتقديم وصفة لها قابلية وجدوى في تقديم إسلام لا يتناقض مع التحديث .. وفي معرض حديثه عن أزمات السودان أشار زعيم حزب الأمة الى ضرورة استشراف آفاق التسوية الممكنة مع الحركات المسلحة، وأشار الى أن تقريرا أصدرته مؤسسة راند البحثية أشار الى أن 48 من الصراعات المسلحة انتهت الى تسويات سياسية .
كما أشار الى مشاكسات دولة الجنوب الوليدة للدولة السودان الأم واعتبر أن طبيعة ولادتها تفرض عليها نفسيا البحث عن عدو «تطقعه» بالحجارة من أجل تأكيد ذاتها المستقلة، وحذر المهدي من أن ولادة هذه الدولة يأتي في سياق تعاني فيه اسرائيل من مشكلات وجودية وعزلة دولية وتحولات فكرية في الداخل الاسرائيلي مثل تبني حزب العمل العلماني ليهودية الدولة، مشيرا الى ان اسرائيل لم يعد لها مدد في المنطقة بعد ذهاب حكم الجنرالات في تركيا وغياب نظام مبارك من مصر «ولم يعد امامها سوى الجسر الجوي الامريكي» وقال ان جنوب السودان «هبة سماوية» لاسرائيل في هذا التوقيت بتركيبته المعادية للعرب والمسلمين.
وقال المهدي ان هذا الوضع سيجعل من السودان طرفا وميدانا لأكبر صراع حضاري في المنطقة .. وهذا يحتم علينا كيف نلعب دورنا في ذلك الصراع؟
تقييد الحرية
ينتقل المهدي بالحديث الى موضوع تنظيم الحرية في الدولة ، ويرى أن الحرية عرضة للفوضى ولهذا لابد أن تمارس في اطار الدستور والقانون والا سيكون البديل هو الفوضى، وقال ان ذلك هو الحل الوسط ويستشهد بمأثور الفلسفية اليونانية «ان الفضيلة وسط بين رذيلتين» ف «الحرية وسط بين رذيلتين الاستبداد والفوضى» ولهذا لابد ان تكون الديمقراطية هي الوسيلة التي نصل بها للسلطة والتي نحميها.
بينما يقترح د.غازي صلاح الدين العتباني في مداخلته في المفاكرة حول الحرية أن الوسيلة المثلى لتأمين الحرية وحمايتها هو تجذيرها في أصولنا الثقافية والدينية وأنه كل ما فعلنا ذلك يكون ذلك أضمن في الحفاظ عليها، وقال ان المناداة بالحرية لحظتئذ لن تكون للمباهاة بها ولكن لكونها من فرائضنا وأصولنا وقال فيما أتيح لي الاطلاع عليه من الأديان فانني لم أجد دينا نص على الحرية بوضوح كما نص عليها القرآن.
ويقترح العتباني أن نربط مثلا بين الحرية ومقاصد الإسلام الخمسة ، لأن الحرية هي مناط التكليف، ولا تكليف الا في ظل تمتع الفرد أو الجماعة بحرية تناسب التكليف المناط بها.
ووصف العتباني الحرية وفي التأسيس النظري الذي قدمه بأنها قيمة ضرورية لغيرها وليست قيمة خادمة فقط كما يراها البعض بينما العدل قيمة مطلقة.
وحول تقييد الحرية تساءل العتباني من الذي يقيد الحرية؟ ثم مضى مجيبا : المجتمع هو من يقيد الحرية، لأننا لو تركنا ذلك للأفراد سيفسد الأفراد والمجتمع لا محالة.
واعتبر د.غازي صلاح الدين أن الحرية الاجتماعية تفرض تحديا في تكييفها وتنظيمها لأننا مشدودون في منظومتنا التشريعية بأحكام وضوابط واضحة مثل قوله تعالى «ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة» وقال الأمر أيسر في الحرية الاقتصادية وغيرها من الحريات العامة.
وعلى ضوء سؤال تنظيم الحرية، عدّ غازي أنه لا أحد يرفض الحديث عن الحرية ولكن الخلاف دائما يأتي في التطبيق..وأشار العتباني الى دراسة وجدت أن 90% من المسلمين يقولون إن الإسلام مهم في حياتهم ولكنهم أيضا يقولون ان الديمقراطية مهمة في حياتهم أيضا. وقال رغم التأريخ الطويل للعلمنة في مجالنا الحضاري الا أنها لم تؤد الى ضمور العمق الإسلامي في الشعوب.
ونبه منصور خالد في تعقيبه على المتحدثين الى أن التجارب الإسلامية التأريخية في تطبيق الحرية لن تكون في صالحنا اذا حاولنا استلهامها أو الدفاع عنها وقال ان المدارس الإسلامية كانت منحازة للسلطة وتحظى بها كالمعتزلة الذين كانوا يحظون بدعم المأمون العباسي والحنابلة التي طغت لما تولى المتوكل. وقال ان العاطفة الدينية المشبوبة في مجتمعاتنا لا تكفي في تأسيس نموذج سياسي صالح. وضرب مثلا بما حدث من انشطار بين باكستان وبنغلاديش اللتين انفصلتا عن الهند لأسباب دينية.
وقال د.منصور ان الحرية قيمة معيارية، وحذر خالد من أن أية محاولة لاخضاع الحرية لعملية تأصيل ستفرغ الحرية من محتواها، وقال نحن جزء من الأسرة الدولية وتربطنا معها اتفاقيات دولية لها صلة بموضوع الحرية.
سجون الله ورسوله
كعادة اليساريين في نقل الحوار من التجريد الى الواقع، تساءل المحامي كمال الجزولي والقيادي الشيوعي المعروف، كيف كبتت الحركة الإسلامية التي عانت من القمع والسجون والتشريد الحريات وحولت «سجون الله ورسوله» لسجون غريبة سيئة السمعة، وقال ان الكلام عن الحرية السياسية كان ينبغي أن يتطرق للسجون وما يحدث فيها ، وقال كان عليهم أن يخبرونا كيف تحول النظام الإسلامي الى نظام فاشستي في معاملة الخصوم، وعد أزمة الحركة الإسلامية في علاقتها بالحرية تكمن في تصورها لذاتها ودورها كمبعوثة للعناية الالهية من أجل اخراج الناس من الظلمات الى النور، واعتبر الجزولي المفكر التونسي راشد الغنوشي من أئمة الاستنارة.
وفي الختام، دعا المهدي السودانيين الى تجنب الطائفيات كلها سواء كانت سياسية أو حزبية أو عسكرية ، وقال اذا نجحنا في ذلك فاننا يمكن أن نقدم شيئا مهما للمنطقة التي تشهد تجارب ساذجة ونحن نملك تقديم ذلك لأننا دخلنا هذا «الفيلم» 60 مرة ، على حد تعبيره.
_________________
من الجلسة:
غلاط
استشهد الدكتور غازي صلاح الدين بمقولة لكارل ماركس مفادها ان الفلاسفة اهتموا بتفسير التاريخ ولكن المهم هو تغييره لا تفسيره فما كان من كمال الجزولي الا ان صححه بسرعة في ان ماركس لم يقل التاريخ وانما قال العالم فتجابدا قليلا الى ان فض الاشتباك امين حسن عمر رد العبارة من العربية الى اصلها في لغة اخرى لم نسمعها ولكن بدا ان الجزولي انتصر.
تهنئة ملغومة
في تعليقه على تحذير الامام الصادق المهدي من الطائفية العسكرية التي قال انها اخطر من الطائفية السياسية قال الدكتور غازي صلاح الدين ممازحا الامام «نهنئكم بزواج الطائفتين لديكم» في اشارة ربما للعقيد عبد الرحمن الصادق مساعد رئيس الجمهورية، وقال نريد الاستفادة من الطوائف السياسية والعسكرية.
ورقة مجاناً
بشر مستضيف المنتدى الدكتور نزار محجوب جمهور الحاضرين بأن الدكتور كمال الجزولي سيقدم في المنتدى القادم ورقة عن العدالة الاجتماعية في الإسلام وسيقدمها مجانا اعترض على الجزء الاول من الجملة الدكتور امين حسن عمر حين قال «كمال مالو ومال الكلام عن الإسلام خلي يقدمها لينا عن العدالة الاجتماعية في الماركسية» واحتفظ الامام المهدي بتعليقه على الجزء الثاني «مجانا» الى نهاية الجلسة حين دعا محجوب الحاضرين الى تناول العشاء، وقال «هذه هي مجانا».
اعتذار واجب
في غمرة الحديث الذي جاء عرضا حول مشاركة الحزب الشيوعي السوداني في انقلاب مايو انفعل كمال الجزولي حين حاول البعض تجريم الحزب، وقال ان حزب الامة هو اول حزب نفذ انقلابا في السودان ولكنه سرعان ما رجع الى نفس هادئ وقال بنبرة اعتذارية «الصادق المهدي استاذي واستمتع بالحوار معه» وكان الدكتور عبد الرحمن الغالي قال في تعقيبه ان حزب الامة لم يشارك في انقلاب عبود واستشهد بالدكتور منصور خالد الذي التزم الصمت ولم يرد سلبا أو ايجايا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.