الحرية.. حديث السر والعلانية! الخرطوم: خالد أحمد هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته عندما كانت ليلة أمس الأول (الخميس) تلملم خواتيم الأسبوع، كان في وسط الخرطوم وبعيدا عن الضوضاء اجتمعت نخبة البلاد من اليسار إلى اليمين مروراً بالوسط، حاكمين ومعارضين، تحاوروا بهدوء العلماء في منتدى "مفاكرات" الذي أقيم بمنزل القيادي بالمؤتمر الوطني "د. نزار خالد" بالخرطوم وكان بعنوان "الحرية السياسية في الإسلام.. الواقع والمأمول" تحدث فيه كل من رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي ود. منصور خالد بجانب مستشار رئيس الجمهورية د. غازي صلاح الدين والوزير برئاسة الجمهورية د. أمين حسن عمر ومدير مركز أبحاث السلم بجامعة الخرطوم د. محمد محجوب هارون بجانب الناشط والمفكر القيادي بالحزب الشيوعي الأستاذ كمال الجزولي ليبدأ بعدها حوار عميق وعلى درجة عالية من السخونة. المهدي: الحرية كل ما نحتاج ابتدر رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي الحديث بطريقته المعهودة في الترتيب حيث أشار إلى أن الحضارة الغربية تفوقت على العالم الإسلامي "بالحرية" وأن الحركات القومية التي نشأت في المنطقة في الفترة السابقة فشلت لعدم تبنيها الحرية منهجا وتطبيقا، مشيرا إلى أن نصوص الوحي تكفل الحرية ولكن غيبت وعلى العكس بدا الغرب حيث سيطرت الكنيسة وانفتح بعد الثورات إلى الحرية. وأشار إلى أن المسلمين بدؤوا من نصوص وحي كفلت الحرية لكن غيبناها لاحقا وأدى هذا لانحطاطنا في وقت كان الغرب قد بدأ بإنكار تام للحرية إلى أن وصولوا عقب العديد من الصراعات اكتسبت حقوق الحرية وتحرر الشعوب من الهيمنة ولكن الآن أصبحنا تحت وصاية الغرب لأنهم الآن يمتلكون زمام العالم ونحن موجودون فقط "ضيوف في هذا الكون"- على حسب قوله. وأضاف أن التنوع يعتبر سنة الحياة لذلك قالدين الإسلامي به قسم ثابت يتعلق بالعقائد والعبادات وجسم متحرك وأضاف أن هنالك سؤالا إذا لم نتخطه فلن نصل للحرية وهو يقوم على: هل الإنسان مخير أم مسير؟ إلى ذلك يجب أن نبدأ بالسؤال إننا ممتحنون إذن نحن مخيرون بجانب الحديث عن الشورى معتبرا أن لا معنى لها إذا لم تؤسس على حرية وفي الإسلام لم يوضع شخص كي سيطر على الناس ولا حتى الأنبياء لم يعطوا هذا الحق. وأشار إلى أن كل حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان خرج من خمسة أصول وهي الحرية والعدل والكرامة والمساواة والسلام وهي أصول موجودة ومنصوص عليها في نصوص الوحي الإسلامي وهي الأساس للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهذه هي السلفية الحقيقية ولكن السلفية الموجودة الآن هي سلفية "الانكفاء" وواقع الحال يقول إننا تخلينا عن كل تلك القيم وواقع التجربة هزم هذه الحرية من المنهج والتطبيق ونحن ذهبنا من النور إلى الظلمات من ناحية العقل الفكري والسياسي. واعتبر المهدي أن الأنظمة الديكتاتورية متشابهة فيما بينها في كبت الحريات ونظام الحزب الواحد حتى وإن اختلفت الأنظمة في العالم إلا أن ضحيتها كانت الحرية والعدالة. وأشار إلى أن السودان يحتاج لتسوية سياسية للخروج من الأزمة الحالية مشيرا إلى أن العلاقة مع دولة الجنوب "وليدة" وفي التاريخ الدولة المنقسمة يجب أن "تتطقع" الدولة التي انفصلت منها وهي قد تضع السودان في موقف العدو إلى ذلك نجد أن دولة إسرائيل تواجه خطرا وجوديا وتطرفا دينيا بها وفقدت كل حلفائها في المنطقة والجسر الجوي مع الولاياتالمتحدة ولذلك تحس إسرائيل بالخطر لذلك يحاولون في جنوب السودان ويعتبرونه "هبة سماوية" وأنه جاء وأصبح دولة تتميز بالعداء للعرب والمسلمين وهي تريد الاستفادة من هذا الأمر ونتيجة ذلك توقع المهدي أن يكون في السودان أكبر صراع حضاري في المنطقة والعالم مطالبا بمناقشة كيف سيلعب السودان هذا الدور وأشار إلى أن الحرية أساس أي عمل للتقدم وكل القيم مرتبطة بها. وقدم المهدي انتقادا لتجربة الجبهة الإسلامية في السودان وقال إن الإنقاذ قدمت الدين بصورة تتناقض مع مبادئ الدين الأساسية المتمثلة في الحرية والعدالة مشيرا إلى أن الإسلام في الحكم يجب أن يتبنى استحقاقات الشعوب. وأضاف أن السودان يواجه تحديا في أنه ما يزال لديه فرصة تاريخية في إتاحة الحرية ويمكن أن يعطي القيادة للدول العربية لأن الدول التي قامت بها الثورات فازت في انتخاباتها القوى الإسلامية وهي "سازجة" وفي السودان لدينا التجربة والخبرة وجربنا كل أنواع الأنظمة ويجب أن نصل إلى الديمقراطية ونحميها ونحن نحتاج أيضا إلى الاعتراف أننا في ظرف عصيب جدا وأن نفكر كيف الخروج منه بصورة تقدم التجربة السودانية لتصبح مثلا وبهندسة تتفوق على التجارب في تركيا. وأضاف المهدي: "يجب أن نعترف أننا في ورطة شديدة" وأهم أسباب هذا الأمر غياب الحرية والانفراد ولذلك يجب أن نتفق على أن الحرية هي مخرج للذي تعيشه البلاد معتبرا أن مخرج السودان متعلق في "حزب السودان" وكيف خلق مائدة مستديرة بها مساحة من الحرية لإيجاد مخرج للوطن لأنه يذهب إلى التفكك بواسطة العوامل الداخلية والخارجية العديدة التي تسعى لتقسيمه لذلك يجب الاتفاق على الأجندة الوطنية ووضع خارطة طريق للمستقبل، محذرا في حالة انعدام ذلك فإن العوامل الأخرى ستتغلب علينا، وأضاف: "يجب الاتفاق على خطة لدرء المخاطر الداخلية والخارجية وإذا لم يحدث هذا الأمر فالأجندات الأخرى ستسيطر علينا". غازي صلاح الدين.. حديث إطلاق الحرية وتقييدها! أما مستشار رئيس الجمهورية د. غازي صلاح الدين فقد أشار إلى أن حديث الإمام المهدي يجعل الأساس النظري والفكر في أطروحاته وأضاف: "نحن لدينا مهمة في إعادة بناء البلاد ونحتاج إلى أفكار ونريد الاستفادة من كل الخبرات السياسية، وإشار إلى أن السياسية دون أفكار تتحول إلى تسلط أو عمل بريئ وإذا تحدثنا عن الحرية فهي أمر مهم وعليها إجماع من الكل ولكن كل شخص ينظر إلى الحرية من وجهة نظره. وأشار إلى أن الإسلام ما يزال متماسكا على الرغم من الضربات التي تعرض لها ونحن في واقعنا نعلم أن الحرية مطلب لأن بها نفعا لنا وهذا أمر متفق عليه ويوجد حتى في الإسلام وهي مصلحة عامة لصالح الشعب ولكن لتجاوز التفسير المنفعي إلى تفسير يجذر قضية الحرية في الأوامر الإلهية وهذا أدعى لبقائها وتجذرها، وإذا نسبناها إلى منهج وضعي قابل للزوال ونسبي الحق والباطل فيه غير مستقيم إلى يوم القيامة بمنطق واحد وإذا حاولنا أن نجذر مفهموم الحرية في الإسلام نجد أنه لا يوجد دين فيما قرأت لم أجد فيه نصوصا تتحدث عن الحرية كما وجدتها في النص الإسلامي وعندما نتحدث عن الحرية ليس كأنها تمسك بمظهر أو بقضية عارضة أتت بها الحضارة الغربية وإنما هي شيء في الدين الإسلامي، وأضاف: "أنا أقول للعلمانيين من المهم جدا أن ينص على ذلك ويجذر في الدين لأن هذا أدعى أن يكون باقيا ومستمرا إلى الأبد". وأضاف أن هنالك قضية مهمة تأتي في إطار الحرية وهي "تقييد الحرية" وكما يقول الجميع أن لا حرية مطلقة وهي قيمتها هي "قيمة ضرورية" وفي الإسلام العدل هو المطلوب الأقصى والمطلق والذي نتحدث عنه الإسلام بصورة واضحة لكل الناس وليس للمسلمين فقط، وأشار إلى أن العدل لا يحقق بدون حرية وفي هذا نفهم أن الحرية قيمة ضرورية لغيرها لأنه بغيرها لا يتحقق العدل ويمكن في هذا أن نربط بين الحرية ومقاصد الإسلام الخمسة وهي التي لا يمكن أن تتحقق أيضا بدون الحرية لأنها مناط التكليف، وأضاف أن المهم أن يتم النقاش حول كيف "تقيد الحرية" خاصة وأن هنالك إجماعا على هذا التقييد وفي هذا الأمر حدث جدل كبير جدا بين الليبراليين في القرن التاسع عشر حيث كانوا يطرحون سؤالا: هل يجوز للمرء أن يستبعد نفسه؟ ويردون أن هذا لا يجوز على الرغم من أنهم ليبراليون لأنهم يعتبرون أن بيع الإنسان نفسه مدعاة لفساد المجتمع لذلك قيد أحوال المجتمع مشروع لتقييد الحرية ولكن هذا التقييد يأتي من المجتمع لأننا إذا وضعنا مبدأ تقييد الحرية للأفراد فمن هنا يأتي الفساد وهنالك أيضا متعلقات بالأمر منها الحرية الاقتصادية والاجتماعية، وأضاف: إذا تنحى الأفراد من تقييد حرية الناس وجعلنا المجتمعات هي التي تقيد الحريات بالطريقة التي تراها يكون هو الطريق الصحيح. أمين حسن عمر: نريد مصارحة أكثر ومجاملة أقل أما الوزير برئاسة الجمهورية د. أمين حسن عمر فقد أشار إلى أنه لا بد أن تحسم قضية أن الإنسان مخير أم مسير ويجب أن نجيب على هذا الأمر بأن الإنسان مخير وأن الحرية يفترض أن توجد جهة تمنح أو ترفض وإنني وجدت أن النقاش يتركز حول الحرية السياسية فقط وتم تجاهل الحرية الاجتماعية على الرغم من أنها المصدر للحرية السياسية. وإشار إلى أن تجربة القيادة الطائفية للبلاد لم تكن تحتاج لمصادرة الحرية وبالعكس كان ينبغي أن تمكن الناس من الحرية ولكنها فشلت فيه، وتجاربنا السياسية والاجتماعية كنظام ومعارضة نحتاج إلى "مصارحة أكثر ومجاملة أقل ونقد ذاتي أكثر" وما يمكن أن ننتقده كثيرا جدا لدرجة إذا لم نبدأ فورا في النقد الذاتي فلن نجد فرصة حقيقية لبدايات جديدة وفي الجملة نجد أن حظنا من الحريات أقل بكثير وغيابها أفقدنا الابتكار والمبادرة والبحث العلمي والتفكير الحر من المجتمع الغربي. نقاشات لا تخلو من الصراحة أما المفكر السياسي كمال الجزولي فعلق على حديث الإمام الصادق وقال إنه ركز على الحرية في إطارها الفلسفي والنظري ولكنه أشار إلى أننا في السودان لا بد من أن نتناول مفهوم الحرية من منظور سياسي ويجب الحديث عن تجربة الحرية السياسية في ال22 عاما الماضية وكيف عملت على تحويل الحرية في الإسلام إلى الفاشستية وفرضت التفكير الاحادي، وأشار إلى أن حركة الإسلام السياسي تتحدث وكأنها "مبعوثة العناية الإلهية" لإخراج الناس من الظلام إلى الرشد، مشيرا إلى أن الخلفية القانونية لقادة الإسلام السياسي في السودان سبب في فشلها مشيرا إلى أنه ليس صحيحا أن كل الأفكار الموجودة في الساحة السياسية جربها الشعب السوداني خاصة الحزب الشيوعي فهو لم يجرب بعد وهم وضعوا منهجا في الديمقراطية لدرجة أنه انتقد حتى من الأحزاب الشيوعية في المنطقة. فيما تحدث مدير مركز أبحاث السلام بجامعة الخرطوم د. محمد محجوب هارون وأشار إلى أن هنالك حاجة لتقييد الحديث عن الحرية، مشيرا إلى أن التجربة المركزية في الحرية جعلت الغرب إلى الامبريالية وتحركت أساطيلها لاستعمار العالم ولذلك يجب التوصل إلى أن الحرية ليست عاصمة من الضلال مشيرا إلى أن الحرية في التجربة الإسلامية في السودان لم تكن في المستوى المطلوب وفي حالات كثيرة تم الانتصار لاستمرار المشروع على حساب الحرية مشيرا إلى أنهم كإسلاميين لم يحسوا بالأمر إلا عندما ذاق الإسلاميون الظلم وغياب الحرية بعد المفاصلة. منصور خالد.... فيما أشار المفكر د. منصور خالد إلى أننا دائما نفشل في تطبيق مشاريع ومفاهيم الحرية معتبرا أن كل التجارب الإسلامية لم تكن ممارسة للحرية، مشيرا إلى أن هنالك أناسا يفكرون بشكل غبي "سلفي" وهم في غيبوبة ويغرون بالإسلام. فيما أشار القيادي بالمؤتمر الوطني د. نزار خالد إلى أن الفهم الجوهري للحرية يتمثل في تحديد "محددات الحرية" ويجب التناقش حول وضع رؤية لوضع تلك المحددات التأصيلية. كما وضع القيادي بحزب الأمة د. عبدالرحمن الغالي العديد من الاستفهامات، منها: هل يحترم الإسلام الأديان الأخرى؟ وفي نهاية الأمر دعا لضرورة أن تدرس قضية الحرية من الأسس التي قامت عليها وفي أنها مرتبطة بكل القضايا الأخرى خاصة السياسية منها.