الفول يتقدم الصفوف وتراجع مخل لمخرجات الذرة والدخن الخرطوم: مراحم عبد الجليل شهد النمط الغذائي السوداني تغيراً كبيراً، اذ تراجع استهلاك الذرة والدخن بصورة كبيرة، وباستثناء الخرطوم ذات الخصوصية فقد ظل اهل السودان يعتمدون في نمطهم الغذائي على الدخن والذرة حتى في المناطق الحضرية، مع استصحاب محدود للخبز الذي لم يكن يشكل حضوراً لافتاً ودائماً على المائدة حتى مطلع الثمانينيات الا في وجبة الفطور، غير أن حالة النزوح الكثيف نحو المدن لدواعي الجفاف والصراعات ادت الى حدوث نوع من التغيير في النمط الغذائي، خاصة بعد تراجع انتاج غلتي الدخن والذرة بعد ان ابتلي الريف السوداني بحالة من الهجرة الي المدن. وادت حالة النزوح الى تراجع مخل في مداخيل الاسر التي لم تجد من الموارد المادية ما يمكنها من الايفاء بمتطلباتها من الغذاء، ليظهر الفول بديلاً للفقراء، ويعود الاعتماد على الفول باعتباره وجبة رئيسة الى القدم، وكان الإغريق من اوائل الامم التي اعتمدت على الفول لدرجة انها اضفت عليه نوعاً من القدسية، ولذلك فقد كانوا يستخدمونه في بعض الاحتفالات الدينية، وكان يستخدم الفول في الحساء وعمل الفتة، واستخدم طحينة في صنع الخبز، ويلعب الفول دوراً مهماً في تغذية سكان حوض البحر الأبيض المتوسط، حتى أطلق عليه اسم لحم الفقراء، هذه التسمية التي يؤيدها العلم، بسبب غنى الفول بالبروتينات التي تتميز بها اللحوم. ورغم أن صحن الفول لم يكن غريباً على اهل السودان الذين عرفوه منذ اقدم العصور، الا ان الغالبية لا تنظر اليه في وجود مخرجات الذرة والدخن، غير ان مخرجات النزوح وجهت كل الاسر نحو الفول خاصة تلك التي تسكن اطراف المدن، فبات يشكل وجودا دائما، بل وصل الامر للاعتماد عليه باعتباره غذاءً رئيساً في كافة الوجبات، مما دفع ربات البيوت الى التنوع والتفنن في تقديمه بأكثر من شكل، بالصلصة، بالتوم، بالليمون، ومطبوخ، وبالطحينة، وبزيت الزيتون، وبالزيت الحار مع اضافة السلطات والشطة بجميع انواعها. «الصحافة» التقت بعدد من المواطنين لمعرفة مدى اعتماد السودانيين على الفول بوصفه وجبة رئيسة.. «الفول بات وجبة رئيسة في المنزل وصار الجميع يعتمد عليه» هكذا ابتدرت مها علي «طالبة جامعية» حديثها ماضية في القول الى انها تعتبر الفول وجبة رئيسة في الفطور، اما العشاء فتفضل مها ابداله بشيء آخر، وبررت ذلك بأن الفول ثقيل على المعدة ولا يهضم بسرعة، وذكرت انها تشعر بالنعاس فور تناولها الفول في وجبة الفطور، الا انها لا تبدي استعداداً لتغيير الفول، مشيرة الى ان الموظفين والطلبة يعتمدون عليه اكثر من الوجبات الاخرى لأنه رخيص ومشبع ايضا. وذكر محمد حسن «أعمال حرة» أن الفول وجبة الشعب غير المستطيع خاصة شريحتي الطلبة والعمال الكادحين، واضاف أنه يعتمد على وجبة الفول، ودائماً يبدأ به يومه لأن الظروف لا تساعده على استبدال الفول باية وجبة اخرى. ويرى محمد حسن أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية لاهل السودان دفعتهم نحو الفول الذي يوصف بأنه مفيد للصحة، كما انه رخيص نسبياً وفي متناول الفقراء. واشارت عائشة حسن «ربة منزل» الى انها لا تميل للفول وتحبذ الوجبات البلدية، فهى تفضل الوجبات البلدية من عصيدة وقراصة وكسرة لأنها مفيدة للجسم ومشبعة، وتشير عائشة الى ان الشباب اكثر ميلا للفول من ناحية الاعتماد عليه بوصفه وجبة ثابتة، خاصة الفطور، أما هل الريف فيعتمدون على الوجبات الشعبية اكثر من الفول «مجبر أخوك لا بطل».. هكذا بدأ محمد علي صاحب مطعم حديثه، مضيفاً أن غالبية الناس تعودوا على الفول باعتباره وجبة ثابتة مجبرين، خاصة الطلاب، ويشهد المطعم اقبالاً على الفول في وجبة الإفطار منذ الساعة التاسعة صباحاً خاصة الطلبة والعمال. وكشف محمد أن هنالك طلبات للفول من قبل موظفي الدرجة الأولى، مما يدل على أن الوضع الاقتصادي ليس له دخل في اعتبار الفول وجبة رئيسة ليصبح بذلك «حبيب الشعب». التلفون القرصي.. هذا الرقم لا يمكن الوصول إليه الخرطوم: عبد الوهاب جمعة في اواخر تسعينيات القرن الماضي وفي غمرة الفرح الشديد بوصول الجديد، نسيناه وتركناه وحيداً بعد أن قدم خدماته الجليلة وصلاً لعوالمنا.. وتقريباً لوجهات نظر الكثيرين.. وحلاً لمعضلات عويصة واجهت المجتمع. «الصحافة» وقفت عند ملك الاتصالات في الزمن القديم ونفضت غبار الحزن عن الأسود الجميل ذي القرص. وفي كل بيت كان التلفون ذو القرص يحظى بمكانته العلية على كل قطع الاثاثات، وعلى غرفة المعيشة او صالون الضيوف.. فقد كان يقف بكل كبرياء وشموخ مرحباً بضيوف المنزل او الجيران، ليحكي بصورة مباشرة عن غنى وتحضر العائلة، وكانت أسلاك الهاتف الموصولة بأعمدة شركة الاتصالات السلكية واللاسلكية الخشبية تعلن للعامة بصورة واضحة.. أن هناك هاتفاً يقف في الانتظار. يقول عبد المنعم محمود إن اسرته كانت تمتلك هاتفا بمتجر والدهم، وأشار إلى آخر بالمنزل، موضحاً أن عدد الهواتف آنذاك كانت قليلة العدد وتحصى على أصابع اليد الواحدة بالمدينة، مضيفاً أن هاتفهم كان يقدم خدمة استقبال المكالمات الهاتفية لاكثر من مئة اسرة على مستوى الحي الذي يقطنه، مشيراً إلى أن أكثر المكالمات تلك التي تأتي من خارج المدينة ومن المغتربين خارج البلاد، ويوضح عبد المنعم انهم كانوا في بعض الحالات الطارئة من مرض او وفاة يسمحون للجيران بالاتصال المجاني، ويكشف عبد المنعم صعوبة استخدام الهاتف ذي القرص الذي يتطلب صبراً واحتمالاً كبيرين، مؤكداً صعوبة اعادة الاتصال في ظل شبكة محدودة الامكانات. بينما يقول عادل خضر إنه كان يستخدم هاتف هيئة الاتصالات لعدم امتلاكهم خطا هاتفياً، مشيرا الى ذهابه الى كبانية المدينة لاجراء الاتصالات باستخدام هاتف القرص الاسود الذي يصفه بأنه كان عظيماً ومهيباً، موضحاً طريقة استخدامه بإدخال أصبع السبابة في دائرة صغيرة امام الرقم المحدد، ويدور به في اتجاه عكس دوران الساعة، مبيناً أن القرص يحتوي عشر فتحات من الرقم واحد الى الصفر. ويكشف حاج الهادي يوسف أن اجمل الاصوات امتاعا في الحي كان صوت جرس التلفون برنته الشهيرة المستمدة من الجرس النحاسي بداخله، مضيفا «كان صوته مهيباً وقوياً»، مؤكداً أن الجميع يسمعه مهما كان بعد المسافة. ويوضح حاج الهادي أنهم كانوا يعمدون إلى وضع طبلة صغيرة بفتحة الرقم واحد لمنع القرص من الوصول الى نهايته، مانعين بذلك الاشخاص غير المرخص لهم باستخدام الهاتف. ويكشف حاج الهادي ان فاتورة الهاتف القرصي كانت تأتي الى منزله بانتظام، مشيرا إلى أن الفاتورة كانت مفصلة بكل المكالمات بخط اليد مع بيان تواريخها بالدقيقة واليوم. وتوضح إحدى عاملات الكبانية التي فضلت عدم ذكر اسمها، أن العاملات بالكبانيات كن الأكثر حظوة بالزواج وأكثرهن احتراماً في المجتمع، لجهة مكانتهن وتسهيل الاتصالات الهاتفية، مضيفة «كنا بثيابنا البيضاء وتسريحة شعرنا المميزة محل إعجاب وحسد الجميع»، مؤكدة أن جميع العاملين بالكبانيات كان لديهم ميثاق شرف بعدم بإفشاء خصوصية المتصلين. والشاهد أن وجود الهاتف ذي القرص بالأحياء السكنية كان دليلاً على تواصل المجتمع، في ظل قلة تلك الهواتف.. بيد أن المجتمع في ذروة تلقفه للهواتف النقالة من ماركات الآيفون والبلاكبيري والأنرويد، نسي أبانا المهيب الذي كان محل اهتمام الجميع. الإعلان عن السلع عبر مكبرات الصوت ومواكبة تقنيات العصر الخرطوم: وجدي جمال تتميز أسواق العاصمة بالإعلان الصوتي بواسطة مكبرات الصوت، الذي أفاد عدد من المواطنين برفضه، وفي الوقت ذاته يتعامل أصحاب المحلات المروجين لسلعهم بهذه الطريقة على أنه حق مشاع طبقا لافاداتهم، وتختلف الوسائل المستخدمة في هذا الاعلان، إذ استخدم جهاز الميكروفون في بادئ الامر ثم تطور الاسلوب عند ظهور السماعات الحديثة التي تعمل بالشريحة الالكترونية «الذاكرة » التي يحمل عليها التسجيل الصوتي الترويجي، وتسلم الشريحة الالكترونية للمشتري الذي هو هنا صاحب المحل الذي يريد الترويج لسلعه، والتي يرتفع سعرها حسب صاحب الصوت وسمعته في هذا المجال، وأصبحت هذه مهنة جديدة تضاف الى عقد المهن المستحدثة، حيث يوضح وضاح عامر «أحد العاملين في هذا المجال» ان صاحب التجارة الذي يريد الترويج لسلعته بهذه الطريقة يتصل به هاتفياً للالتقاء به، ويقوم بتحضير ورقة مكتوب عليها انواع السلع التي يعرضها، والتي تتنوع بين وجبات الكافتريات وأنواع المشروبات والعصائر المختلفة، الى جانب ملحقات الهاتف الجوال من البطاقات الهاتفية «الشرائح» وعدد من «الاكسسوارات» الاخرى، بالاضافة الي معروضات الملابس خاصة المفروشة على الارض والمحلات الصغيرة «للكريمات» والعطور وبعض أدوية الاعشاب، ويقوم وضاح بتجهيز التسجيل الصوتي للسلع المراد ترويجها الذي يحتوي على ما سماه «بهارات» لهذه السلع، وهو مجموع الجمل التي يسمعها الجمهور في الاسواق التي تجذب عدداً كبيراً من الجمهور، وتتم معالجة التسجيل في العادة بأجهزة ذات تقنية عالية طبقا لما قال. وبعد ذلك يتم تحميل التسجيل في شريحه الكترونية «ذاكرة» سعة واحد «قيقا» التي يبلغ سعرها بهذا التسجيل مئة وخمسين جنيها، وتسلم للمشتري الذي يستخدم هذه الشريحة بادخالها في مكانها المحدد داخل السماعات الحديثة متوسطة الحجم التي توضع في مقدمة المحل. ويقول عثمان لازم «صاحب كافتريا» ان العمل في هذا المجال يتطلب مثل هذا الترويج، خاصة في ظل منافسة عالية وتكدس لعدد من المحلات ذات السلع الواحدة في بقعة واحدة، فيما تؤكد مشاهداته الاقبال الكبير للجمهور على المحل الذي يستخدم مثل هذا النوع من الترويج، مشيراً إلى أهمية تطوير وابتكار أنواع اخرى من الدعاية بغير هذه الطريقة التي وصفها بغير الحضارية، لجهة الازعاج والضوضاء التي تخلقها، خصوصاً اذا كان هناك عدد من المحلات التي تستخدم هذه الطريقة في مكان واحد، حيث تتداخل الاصوات، مما يؤدي إلى ازعاج كبير، هذا غير انه يطرد الجمهور الذي لا يفكر الا في ان يجتاز مكان الازعاج هذا بما أمكن من سرعة، كاشفاً عن ان هذه الطريقة منتشرة في كل الأسواق، حيث ينادي الباعة المتجولون في الغالب مستخدمين أصواتهم الطبيعية، ثم واكب الترويج التطور بالوصول الى مستوى استخدام السماعات الضخمة والمتوسطة التي تعمل بواسطة الشريحة الالكترونية «الذاكرة» او القرص القابل للنقل «الفلاش». ومن جانب آخر يتذمر عدد من المواطنين من هذه الطريقة، إذ يرون فيها إزعاجاً عاماً يتجاوز الحدود، حيث وصف المواطن الزبير حسين هذه الطريقة بالقبيحة في حق العاصمة التي من المفترض أن تبرز في وجه متحضر وجميل، مطالباً السلطات بإيقاف أساليب الترويج التي تعطي شكلاً سالباً عن العاصمة وتؤذي الموطنين، مشيداً ببعض المحليات التي أصدرت تشريعات منعت بها هذه الاساليب مثل أم درمان، كاشفاً عن أن بعض البصات ببعض الخطوط التي تعطلت فيها الشاشة التي توضح الخط الذي يعمل فيه البص، أصبحت تستخدم هذه الوسائل، حيث يركب مايكروفون في أعلاها مسجل عليه صوتياً خط السير، وحيث أن هذه المركبات تمر بمستشفيات ومدارس ودور عبادة فإن ذلك يؤثر سلبياً على الذين يرتادون هذه الأماكن، معتبراً اللجوء الى هذه الوسائل أمراً مشيناً ويسيء إلى شكل العاصمة الحضاري.