ما بعد الرحيل.. أي كان موقعه، تبرز أسئلة الحياة والاستمرارية وتحتدم معركة البقاء، وذلك ربما بعض ما يواجه الحزب الشيوعي بعد رحيل سكرتيره السياسي، في ظروف بالغة الحساسية والدقة تكاد تدق عنق الوطن ككل. فمن رحل كان يعد من كبارالقادة السياسيين المؤثرين في تاريخ البلاد وفي مسيرة حزبه. ولا جدال في ان الراحل محمد ابراهيم نقد كان مختلفا عن قادة الحزب الحاليين، تأثيرا ونفوذا وتجربة وتوافقا، غير ان المحتوم هو ان يخلفه احد في ذلك المنصب وهو ما يجري البحث والنقاش وتثار الشائعات حوله والتي قد لا تتوقف الى حين انعقاد المؤتمر العام السادس للحزب المقرر في العام 2014، او اعلان سكرتير بشكل مؤقت او نهائي. غير ان الحزب الشيوعي لا يبدو في عجلة من امر تسمية السكرتير الجديد، حيث خلا بيان الشيوعي بالامس الذي عممه على الصحف من اي اشارة لشغل المنصب في الوقت الحالي، رغما عن التطمينات التي بثها البيان بقوله «ان الحزب قادر على تعويض هذا الفقد الجلل المتمثل في غياب الزعيم التاريخي للحزب. وان إرادة الحزب ستنفذ عبر آليات الديمقراطية والمؤسسية والقيادة الجماعية التي نص عليها دستور الحزب». ولم يحمل البيان من جديد حول هذه القضية، فقد اكدت قيادات اللجنة المركزية لهذه الصحيفة قبل ايام ان الحزب ليس في عجلة من امره في هذا الخصوص، و ان الشيوعي سيتدبر امره عن طريق المؤسسية لحين اختيار شاغل هذا الموقع في التوقيت المناسب، وقللت حينها تلك القيادات من الاقاويل والشائعات التي ثارت حول هذا الامر بعد رحيل نقد، قاطعة بان امر خلافته لا يعد مصدر خلاف بينها او تكالباً على الموقع. وكان رد فعل كل من د. الشفيع خضر وسليمان حامد ويوسف حسين ل» الصحافة» حين حملت لهم تساؤلات المستقبل متطابقا لحد الدهشة. لكن الاستاذ محمد ابراهيم كبج قد قال ل(الصحافة)، انه من الطبيعي ان يوجد صراع على خلافة السكرتير السياسي للحزب، مشيرا الى ان المؤتمر العام الخامس الذي عقد في العام 2009 شهد بعضا من الصراعات، مشددا على ان نقد لم يفز بالتزكية، حيث كان ينافسه القيادي بالحزب سليمان حامد، ومضيفا ان الشيوعي من اكثر الاحزاب السودانية ترتيبا لاشيائه، ملمحا الى ان رجاء تسمية السكرتير العام يحتاج لمزيد من المشاورات والمداولات، قائلا ان هذه المسألة ستحسم عن طريق اللائحة. ولفت كبج الى ان المؤتمر العام الخامس الذي انتخب نقد كان استثنائيا، لجهة ان آخر مؤتمر عقده الشيوعي قبله كان في العام 1967، غير انه يضيف انه تم تحديث اللائحة بحيث يتم عقد المؤتمر العام كل سنتين على حد علمه كما يقول، وان المنصب تم تبديله من السكرتير العام الى السكرتير السياسي، منبها الى ان تسمية السكرتير الجديد ستكون عبر عملية انتخابية داخل اللجنة المركزية تختاره بمواصفات معلومة. بينما يقلل المحلل السياسي، عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزعيم الازهري، آدم محمد احمد، من احتمالات تأثر الحزب الشيوعي بعدم حسم مسألة السكرتير الجديد، مؤكدا انها لن تحدث فراغا يشل اجهزته، او يقعد كوادره، ويقول ل(الصحافة)، ان الحزب الشيوعي اعتاد لفترات طويلة من تاريخه على العمل بنظام الخلايا مضيفا ان الحزب لديه قيادات سرية، ولديه خبرة كبيرة للحركة في ظل الظروف الصعبة، والعمل الجماعي، منوها الى فترة مايو سابقا وحتى في فترة الانقاذ الحالية اضطر الحزب الشيوعي لاخفاء القيادات، لافتا الى ان هذا الوضع يجعل من الاتصال معها صعبا، وهذا بدوره ما يجعل كوادر الحزب تقوم بعملها في شكل خلايا تنظيمية. ويضيف احمد، ان الشيوعي لديه كوادر قيادية حقيقية راسخة، مسميا في هذا الصدد القياديين سليمان حامد ويوسف حسين، معتبرا الشيوعي حزباً غير تقليدي ولا يعاني من مشكلات بعض الاحزاب التي تتعلق بالوراثة، وانما هو حزب تقدمي وبناؤه يقوم على المؤسسية، لافتا الى انه حتى نقد في الآونة الاخيرة لم يكن دوره جوهريا بسبب ظروفه الصحية، واعتماد حزبه على العمل الجماعي. ويشير احمد الى ان تأخر تسمية خليفة نقد في الفترة الحالية، لن يخلق اية مشكلة، وقال انه لا داعي للاستعجال لانهم في فترة حداد ، وان الامر سيتم ترتيبه بكل بساطة -كما يقول احمد- بسبب عدم وجود خلافات حزبية بخصوص هذا الامر وان المؤسسية ستحسمه. ويعتقد الأمين الإعلامي لحزب الوسط السوداني، قرشي عوض، ان عدم تسمية السكرتير السياسي للحزب الشيوعي لا يعطل عمل الحزب، لجهة ما يقول انها وحدة فكرية وسياسية يعيشها الشيوعي، مضيفا ان المؤتمر العام الخامس كان قد امن على الخط السياسي للحزب وهو «استعادة الديموقراطية» وعلى المرجعية الفكرية المتمثلة في الماركسية التي تستوعب الخصوصية السودانية على حد وصفه. وشدد قرشي ل(الصحافة) على انه لا توجد اسس موضوعية للصراع داخل الشيوعي، لافتا الى ان القيادات الموجودة لها دور كبير وانها واجهت مجتمعة كل الظروف التي مر بها حزبهم، وان لا رغبة لهم في التكالب على المنصب، لان المنصب مهمة صعبة وليس تشريفا، معبرا عن اعتقاده بأنه قد تظهر نزاعات شخصية، لكن عاد مضيفا» لا اتوقع اي خلافات حول هذا الامر». ويقول قرشي ان ما يشاع من البعض حول وجود خلافات غير صحيح فالحزب قد حسم امره، وقطع بان التأخر في تسمية السكرتير السياسي الجديد لن يدخل الشيوعي في اي محك خطير او ازمة على حد قوله. ويبقى على القادم الجديد للمنصب ان يبزّ الزعيم التاريخي للشيوعي فكرياً ونظرياً وفيما يتعلق بمنهج العمل السياسي، لأن نقداً وهب حياته لحزبه ووطنه وفق اعتقاده، وذلك ما سيصعب من دون شك من مهمة السكرتير الجديد.