قارئي اواصل ما انقطع من حديث عن التنمية و قضاياها .. وما قطعنى عنك إلا إنشغالي بك! فبيني و بينك- ارتب لجمع ما نشرته من مقالات لك في الفترة ما بين (2008-2011م) بجريدة الصحافة الغراء، في كتاب أسميته (مقالاتي و التنمية). ولايعوقني عن ذلك شئ غير تكلفة الطباعة ! إلا أن امرها مقدور عليه.. فلا تحسب أنني (هينة!) ، اذ أن لي أهلا يحجبون ضوء الشمس ! و هم ظهري الذي أتكئ عليه . أضف ان لي صديقات و زملاء تيسرت امورهم ( و الرزق بيد الله ) ، لي (أياد بيضاء!) عليهم ،تتمثل في علاقات قوية و تواصل و في (رصيد) من القفشات و الأنس و السمر احسب ذلك( دينا) عليهم ! ، و أخالهم يتسابقون في أمر الطباعة .. فلا تقلق ، الكتاب مطبوع .. مطبوع ... فماعزمت على شئ إلا و انجزته. و أحدثك انني سأنتهج نهجاً جديداً في توزيعه ، اذ أن ثمن النسخة يكون حسب تقيميك لمحتواه ( وقدر ظروفك!) و كما تهوى . اذ أن كل ما يهمني أن يكون الكتاب بين يديك لتجعل منه صديقاً تتدارس معه المعوقات و الحلول نحو التنميه ثم اتركه ورائي عملاً صالحاً ينتفع به فاكسب الاجر والاْخرة.اضف الي انه يكون ذكرى، فإننا لابد يوماً ذاهبون . أما القضية التي أنا بصددها اليوم ، هي قضية جديده ، أصبحت تطفو على السطح .. وهي (نزاعات الموارد ) و التى أصبحت تشكل معوقاً آخر و حجر عثرة إن استهدفنا تحقيق التنمية لهذا الوطن . ثم افرزت هذه القضيه مصطلحات جديده في قاموسنا اللغوي ، فأصبحنا نسمع عن تخفيف النزاعات ، وفض النزاعات ، وبناء السلام الإجتماعي و التعايش السلمي .مصطلحات لم نسمع بها من قبل أيام كنا نستمتع بالتعايش السلمي و لا نعرف غيره. مصطلحات جديده بدأت تنشأ لها المؤسسات الاكاديمية و تعقد لها ورش العمل و المؤتمرات .. فماهى هذه النزاعات و لماذا اصبحت تطفو على السطح مجددا !! . اولاً :- النزاع قارئ هو ظاهرة إجتماعية فى حياة البشر و قد ينشأ النزاع داخل الاسرة و بين أفرادها ، اى بين الزوج و الزوجة أو الاخ و اخيه أو بين قبيلة و اخرى أو بين افراد القبيلة الواحدة . يفرض هذا النزاع، صراع المصالح الطبيعي و التنافس الاجتماعى الذى هو أمر مرغوب فيه . الا أن النزاع التنافسى ان زادت حدته و اتسم بأعمال القوة و تجاوز حدود المنافسه الى الاقتتال و العنف يفقد إيجابيته و يتحول إلي معوق يعوق التعايش السلمى ومن ثم يعوق التنمية . هذا و قد أثبتت الإحصاءات إن نزاعات الموارد ، اى النزاعات حول ملكية الاراضى و إستخدامات المياه و إستخدام المرعى و المساحات الزراعية أصبحت هى من أهم النزاعات التى بدأت طافيه على السطح . ثم أخذت تنمو .. و تكبر و تنتقل من مكان الى آخر . غير إن درجات حدتها تختلف من ولاية إلى إخرى ، فكما نعلم قد وصلت في ولاية دارفورحد العنف المسلح إلا أنها بدرجات أقل فى كل من الولايات الاخرى أهمها ولاية القضارف و شمال كردفان و و لاية النيل الأزرق . و السؤال الذي يفرض نفسه هو ، ماهى الاسباب التى جعلت النزاعات ظاهره بائنة للعيان و تجسمت حتى تكاد لاتخطئها حواس اللمس و البصر . من أهم الاسباب التى ادت الى ذلك هي :- اولاً :- الزيادة السكانية المضطرده بالاضافة إلى الزيادة فى اعداد الحيوان ، أذ بلغت اعداد الحيوان فى الإحصاء الاخير لولاية شمال كردفان 25 مليون رأس من القطيع . هذه الزيادات تتنافس في نفس تلك الرقعة الجغرافيه التى كانت تحتضنها فى سلام ووئام من أعوام خلت . ثم هذه الزيادات ادت لإرتفاع ملحوظ فى الطلب على الموارد الطبيعية .كما وإن زيادة الطلب على الأرض (التربة) ادي للاستخدام الجائر للتربة، مما أدي لتدهورها. ونتجت عن ذلك ظاهرة التصحر والآثار السالبة له وتقلصت إثر ذلك الرقعة الصالحة للزراعة والرعي ونقص الإنتاج الزراعي..وارتفعت معدلات الفقر. ثم وإن تقلص الاراضي الصالحة للزراعة يخلق مزيدا من التنافس، وإرتفاع أعلي للطلب علي الموارد الطبيعية والتربة. ثانياْ :- نظام حيازة الأراضي وملكيتها يشكل مشكلة أخري. ولعلك قارئي- لا تستوعب ذلك خاصة ان كنت بعيدا عن القطاع الزراعي بشقية النباتي والحيواني الذي يحتضنه الريف. اذ ان نظام حيازة الأراضي علي امتداد الريف يحتاج لفهم عميق ودراسة متأنيه لأصلاح ومراجعة قوانين ملكية الأراضي خارج المدن. وذلك يتطلب حديثا طويلا آخر احدثك عنه في مقال آخر. ثالثا:- التدهور البيئي نتيجه للتغييرات المناخية وتدني معدلات الامطار مما أدي لظاهرة الجفاف والتصحر. رابعاً:- مشروعات التنمية القومية والتي لازالت تتخذ بقرارات مركزية وعند تنفيذها علي ارض الواقع كثيرا ما تصطدم بمصالح المجموعات السكانية للولاية المعنية،مما يخلق صراعا ومثال لذلك امتداد حظيرة الدندر في ولاية النيل الأزرق علي حساب الأراضي الرعوية بتلك الولاية. خامساً:- تضارب القوانين القومية والولائية يخلق غموضا قد يشعل فتيل الصراع. اما مجموعة المزارعين المستقرة تري ان أسباب النزاعات هي(الأنشطة الأفتراسية) للمجموعات الرعوية ضد مصالح المزراعين. ويقول الرعاة ان أسباب النزاعات هي التوسع الزراعي المتنامي علي حساب الأراضي الرعوية مما يؤدي الي حرمانهم من مصادر رعي كافية خاصة في فصل الجفاف. وفي ظل هذه الظروف التي تخلق بيئة صالحة للنزاع كيف تكون استراتجية تخفيف النزاعات؟ نري في وزارة الزراعة ان تخفيف حدة النزاعات علي الموارد لا يمكن تحقيقه الا من خلال:- - تبني استراتجية طويلة المدي تنبني علي تكامل القطاعين الزراعي والرعوي. - التخطيط السليم لإستخدام الارض وفقا لقدرتها الإنتاجية وذلك لا يأتي الا بتنفيذ خارطه لإستخدامات الأرض بكل ولاية علي حدة. - مراجعة وإصلاح السياسات المتعلقه بحيازة الأرض المستغله للزراعه والرعي بالريف. - تقوية تنظيمات الرعاة والمزارعين لتبصيرهم بحجم المشكلة وبناء قدراتهم للمشاركة المشتركة والحراك نحو الحلول. - وبما ان 80% من السكان يعيشون في مناطق ريفية ويعتمدون علي أنماط إنتاج ريفية تقليدية ويتنافسون علي موارد شحيحة ومتدهورة سنويا، يجب التركيز علي احداث تنمية ريفية متكاملة تراعي العدالة والعلمية. - تقوية ثقافة بناء السلام وحفظه واحترام حقوق الآخر من خلال العمليات التعليمية والإرشادية والاعلامية. وذلك يتم عبر المناهج والرسائل لتعزيز التربية الوطنية وحب الوطن والانتماء للقومية وعدم التعصب للانتماء القبلي. - ترسيم المسارات وربطها بمساحات مقدرة من المراعي سواء في المصايف أو المخارف وتقديم خدمات المياه والصحة. - الدعوة لتنشيط التحالفات القبلية التي تساعد علي ربط النسيج الاجتماعي وتساعد علي الوحدة والتآلف والانسجام. - تنفيذ برامج مكافحة الأراضي المتصحرة لزيادة الرقعة الصالحة للزراعه والرعي. - تقوية الادارة الاهلية وتطويرها وتوثيق تأريخها وتراثها وإدماجها في النظم الحديثة وذلك لدورها الفاعل في فض النزاعات من خلال جلسات الجودية والمؤتمرات القبلية. واخيرا اود ان اقول ان الفارق بين امم متقدمة واخري نامية يكمن في قدرة الاولي علي التخطيط العلمي لاستخدام موارد الأرض وعدم قدرة الثانية وقلة تجاربها في هذا الخصوص ،متمنية ان يوفقنا الله لتخفيف حدة نزاعات الموارد والقدرة علي فضها لتحقيق تنمية متكاملة ومتوازنة علي امتداد الريف. * ماجستير تنمية ولاية شمال كردفان الأبيض