أكتب هذا المقال يوم الجمعة الموافق التاسع من فبراير قبل (48) ساعة من اليوم المحدد لقيام الإنتخابات ولزوم هذا التوضيح وهو أنه ربما تحدث معجزة وتفوز قوى المعارضة برئاسة الجمهورية مع بعض مناصب الولاة وأغلبية محترمة فى مقاعد المجلس الوطنى، وبذا نكون قد تجنينا عليها بوصفنا لها بالضعف والحال الرثيث على نحو ما سيأتى فى سياق مقالنا هذا والذى يصادف نشره إستهلالية التصويت المباشر فى إنتخابات قيل ما قيل فيها وسيكون لها ما يكون فى مستقبل أيام السودان ولياليه الحابلات واللائى قد يلدن كل غريب وعجيب. فى الرياضة عموماً وفى كرة القدم على وجه الخصوص، إذا بلغ اللاعب منتصف الثلاثين من عمره يكون قد بلغ أرذل العمر الكروى ولذا ينصح خبراء الرياضية اللاعبين بأن يعتزلوا كرة القدم فى قمة عطائهم ومجدهم عندما يبدأ عمرهم بالإقتراب من هذه المرحلة من العمر، أما اللاعب الذى يتجاهل هذه النصيحة ويصر على اللعب فإن عطاءه سيتأثر ويقل مردوده وتنصرف عنه الجماهير بعد أن كان صاحب الحلول فى مباريات الفريق وجلاد خصومه ومعشوق الجماهير .. هذا هو حال اللاعب المميز والموهوب، فما بالكم باللاعب غير الموهوب والذى يمثل علةً على فريقه وثغرة ينفذ منها اللاعبون الخصوم فيهزموا الفريق بسبب هذا اللاعب العلة .. ومثله عليه أن يكف عن اللعب حتى قبل أن يبلغ سن التقاعد الكروى المشار إليها أعلاه .. خطرت على ذهنى هذه الملاحظة الرياضية وأنا أنظر إلى حال الأحزاب السودانية المعمرة ومدى الضعف الذى إعتراها، وهى تترنح أمام ضربات الزمن الموجعة وضربات حكومة الإنقاذ المتتالية والتى تهمى على رأسها كالمطر، فلماذا لا تعتزل العمل بعد أن أثبتت التجربة أن الدهر قد أكل وشرب منها، لتُصاب بفقر فى البرامج والرؤى والقدرة على الفعل السياسئ المؤثر؟. حكومة الإنقاذ تستعد اليوم الأحد الحادى عشر من فبراير من العام 2010م لإطلاق رصاصة الرحمة على أحزاب المعارضة التى ظلت تمثل عبئاً وحملاً ثقيلاً على السودان وأهله دون أن تستطيع أن تقدم له شيئاً .. فعندما تشرق شمس صباح الأربعاء ستُشيع قوى المعارضة السودانية وتُقبر على حد أقوال وسخريات الدكتور نافع على نافع والتى أصبحت من كثرتها وكثرة ترداد وسائل الإعلام لها أصبحت من أدبيات الصحافة السودانية التى تُعلق على منشط السياسة فى البلاد، فألهمت الكثيرين من الكتَّاب والمحللين السياسيين المقالات وعناوينها، ولكن فى أى مقابرٍ سيُوارون الثرى؟ هذا ما لم يُفصح عنه الدكتور الذى أشبعها سُخريةً وتهكماً ولعلّها فرصة كى ترتاح من لسانه اللاذع وعباراته الجارحة والتى لو رُصدت وجُمعت فى سفرٍ لناء بحملها العصبة من الرجال الأشدّاء .. فقبل شهرين تقريباً قال بأنهم فى الإنتخابات القادمة سيقبرون المعارضة وكنت أحسب أن الرجل واقعٌ تحت تأثير خُيلاء السلطة وبريق سدتها، ولكن يبدو أن نائب رئيس المؤتمر الوطنى للشئون السياسية كان مُحقاً وأكثر معرفةً بأحزاب المعارضة فى وقت كان المحللون السياسيون يهيمون فى وادى تشتيت الأصوات ومن ثم الإستعداد لجولة ثانية يتصارع فيها البشير مع مرشح قوى تحالف المعارضة وكانت الخطة تقضى بأن تصطف قواها حول المرشح الآخر الذى سيُنازل البشير فى الجولة الثانية ومن ثم الإطاحة به .. ولكن مع إقتراب أجل النزال بدا واضحاً أن كل الذى قيل فى هذا الأمر مجرد نظرية من نظريات المعارضة الضعيفة والتى بلغت أرذل العمر وهى تطارد سراباً لا تملك له حولاً ولا قوة ..ولعلّ أبلغ دليل على ضعفها وقلة حيلتها هو تذبذب مواقفها من الإنتخابات ، فتارة تتخذ قراراً بخوض الإنتخابات وتارة أخرى تُعلن إنسحابها ثم تعود مرةً أخرى وهكذا تتأرجح حتى قبل سويعاتٍ من موعد الإقتراع ، أى تخبطٍ هذا ؟ إن حكم بلد مثل السودان والإطاحة بنظام مثل نظام الإنقاذ يحتاج إلى أحزابٍ فتية غير تقليدية لديها رؤية واضحة ومواقف ثابتة وراسخة تجاه قضايا الوطن وتملك الحلول لمثل حالة المؤتمر الوطنى العصية. كل الأحزاب السياسية التى قررت الإنسحاب عن خوض الإنتخابات، تقول إنها إنسحبت لأن الإنتخابات ليست نزيهة ومحسومة النتائج .. ولست أدرى ما الجديد فى هذا؟ .. فالكل يدرى وقبل أكثر من خمس سنوات أن هذه الإنتخابات التى ستُقام فى هذه الأيام ستكون نتيجتها محسومة لصالح المؤتمر الوطنى فى الشمال والحركة الشعبية لتحرير السودان فى الجنوب ، فأين كانت المعارضة وقتذاك عندما تم التخطيط لهذا السيناريو؟ .. إذاً فالمعارضة كانت تدرى ولو كانت قد سجلت مواقف قوية منذ أيام طبخ إتفاق نيفاشا .. لكانت قد أجبرت المجتمعين العاكفين فى ميشاكوس ثم نيفاشا على إشراكهم فى التخطيط لهذه الإنتخابات .. ففى ذلك الوقت قد تم تحديد الفائز فى هذه الإنتخابات. كان على الأحزاب السياسية ومنذ أن جاءت الإنقاذ والتى قضت على حكم ديمقراطى غض النظر عن رأينا فيه، كان عليها أن تعد العدة لتنازل نظاماً شمولياً إستولى على السلطة عنوةً وإقتداراً، لا نقول أن تنتهج ذات الأسلوب الذى جاءت به الإنقاذ، فهذا ما لا قبل لها به .. ولكن عن طريق ترتيب صفوفها وإستنباط برامج طموحة ومقنعة للشعب تخاطب أشواقه وأمانيه بصدق وأن تُثبت أنها على قدر تحمل مسئولية قطر بحجم السودان وعظم تحدياته وقبل كل هذا وذاك أن تُمارس الديمقراطية داخل أحزابها فالذى لا يحتمل الديمقراطية داخل حزبه الذى ينتمى إليه فإنه من العسير عليه أن يتحملها خارجه فى إطار هذا البلد الشاسع والمعقد بتعدد أعراقه وكثرة جيرانه وتنوع معتقداته .. فإذا لم تفعل هذا فإنها ستكون معزولة عن الشعب السودانى الذى لا تنسى ذاكرته أنه صبر على هذه الأحزاب زماناً طويلاً فلم يأنس منها إلا الضعف وممارسة كل شئ عدا الديمقراطية. نحن فى السودان مرزوؤون بأحزابنا السياسية وفرقنا الرياضية ، فبمثلما أصبح الإخفاق سمة من سمات فرقنا الرياضية حتى يئسنا من أنها ستحقق البطولات وستصعد إلى منصات التتويج .. فإن أحزابنا السياسية ليست بأفضل حالٍ من حال فرقنا الرياضية والقاسم الأعظم بينهما هو الإخفاق وإشاعة الحزن فى قلب الشعب السودانى.