بعد انفصال دولة الجنوب فقدت البلاد قدراً كبيراً من عائدات النقد الأجنبي الموضوعة ضمن موازناتها، ومع ذلك ظلت سياستها في ما يتعلق بالنقد دون تغيير يذكر، فاستشرى السوق الموازي لسعر الصرف لدرجة تجعل البعض منا يضحك وهو يستمع عبر التلفاز لأسعار صرفه المعلنة عبر الصرافات ومنافذ البنوك المحلية. ماذا فعل بنك السودان ليستفيد من عائدات ملايين العاملين بالخارج النقدية بعد انعدام الثقة بينهم والنظام المصرفي، وما هي السياسات التي اتخذها لتشجعهم لفتح حسابات بالنقد الأجنبي في البنوك المحلية يضخون فيها ما زاد من رواتبهم هناك أو حتى ما خصص شهرياً لذويهم بالسودان؟ أيعتبر ذلك من المستحيلات مثلاً ودول مجاورة لنا مثل مصر تطبق ذات الشيء وما علمنا يوماً تفاوتاً في سعر الصرف عندها مقارنة بما نحن فيه. كل المغتربين دون استثناء يتعاملون في تحويلاتهم خارج النطاق المصرفي، ولأسباب يعلمها الجميع، وفي ذلك هدم تشرف عليه سياسات البنك المركزي. ومرة سألت أحد العاملين في مجال التحويلات كيف توصولون مبالغكم المجمعة بالخارج للسودان، فاخبرني أنهم يشترون بها أغراضاً ترسل للسودان لأنهم وبحسب الأنظمة المعمول بها لا يستطيعون تحويل مبالغ نقدية تزيد عن ستين ألف ريال، وقال إنهم يصدرون للسودان أغراضاً مثل الهيل «الهبهان» والبطانيات، وهو كذلك يشكو من أسعارها، فما عادت ذات فائدة بالسودان مع ارتفاع أسعارها، ولك أن تتخيل حجم المأساة وأمثال هؤلاء كثر. وارى أن معهم عذراً لأن هذه المبالغ في الأصل مودعة في حسابات مواطنين خليجيين وليست في حساباتهم الخاصة، تطبيقاً لأنظمة تلك الدول، لذلك وتقليلا للمخاطر يستعجلون تصريفها حتى لا تتعرض لما لا يحمد عقباه. الدولة بحاجة ماسة لمراجعة سياستها في ما يتعلق بالنقد الأجنبي والابتعاد عن المصالح الضيقة لبعض المسؤلين وأصحاب الصرافات المدعومين من الدولة بطريقة أوبأخرى، الأمر الذي حولها فقط إلى مكان لتجميع النقد وأتحداها أن تبيع لأي مواطن بسعرها المعلن. الإخوة في جهاز العاملين بالخارج مطلوب منهم إحصاءات بعدد المغتربين وتوقعات دخولهم ولو بالتقريب، تناقش مع جهات الاختصاص بوزارة المالية لدراسة كيفية الاستفادة منها دون ظلم، وبما يشجع ويحفز الطرفين للتعاون. ونقترح تقديم حوافز معلنة لمن يستطيع إدخال مبالغ محددة مشفوعة بمستندات مثل الإعفاءات الجمركية او الاستثناءات وخلافه، واعتقد أن في الأمر فوائد متبادلة، ويمكن لإدارات البنوك القيام بجولات لدول المهجر تقدم عبرها حوافزها المشجعة للمغتربين بعيداً عن الحكومة لمن يقوم بفتح حسابات بالنقد الأجنبي فيها مثل القروض ومشروعات الإسكان وخلافه بخطة مدروسة تعود بالنفع على الطرفين، ويصب الأمر في الأخير لإحداث بعض التوازن في سعر الصرف. والعمل جدياً بكل السبل المتاحة لإعادة الثقة المفقودة بين العاملين بالخارج وبين أجهزة الدولة الرسمية والخاصة، وثمة إجماع على أن المغتربين لا يفرحهم تدهور سعر الصرف الذي يزيد من أعبائهم بدلا من راحتهم.