وصل التصعيد بين السودان ودولة جنوب السودان الى مراحل مخيفة بعد استيلاء قوات الجيش الشعبى لدولة الجنوب على منطقة هجليج الحدودية، واصبح الخيار العسكرى فقط هو المطروح من قبل الجانبين خاصة الخرطوم بعد ان بلغ الإحتقان مداه، لينعكس على الشارع العام والذى بات معبأ بزفير الحرب والقتال، هذا الى جانب تصريحات الحكومة ودعوات الإستنفار بقرع طبول الحرب واعلان مبدأ ان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة ذاتها، ما يفتح الباب الى حرب شاملة بين الدولتين وهو مايتخوف منه كثيرون بإستمرار المواجهات على طول الحدود وتبادل الغارات والهجمات لتصبح ازمة هجليج بداية النهاية للحلول السياسية حتى وان تم تحريرها او إنسحاب جيش دولة جنوب السودان منها، وفى هذه الأجواء المشحونة بالخوف والتوتر بدأت تحركات المجتمع الدولى تظهر بوضوح على مسرح الأحداث المتصاعدة لنزع فتيل الأزمة، وابلغت مصادر موثوقة «الصحافة» عن تحركات واتصالات ماكوكية تقودها كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين وبريطانيا فضلا عن جانب الأممالمتحدة والإتحاد الأفريقى، واكدت ذات المصادر ان هناك محاولات دولية للضغط على الطرفين للإسراع فى التوقيع على اتفاق وقف العدائيات بأديس ابابا وتهدئة الإحتكاك بين البلدين، موضحة ان مجلس الأمن سيعقد جلسة خاصة لمناقشة تطورات الأوضاع بالسودان وجنوب السودان هذا بجانب اتصالات الوسيط الافريقى ثابو امبيكى والرئيس الأثيوبى ملس زناوى، ومن جانبه دعا الامين العام للأمم المتحدة بان كى مون البلدين الى وقف المعارك وضبط النفس والعودة الى طاولة المفاوضات لتجنب تدهور الوضع اكثر مما هو عليه وناشد الخرطوم باعلى درجات ضبط النفس والامتناع عن شن عمليات عسكرية جديدة، كما دعا دولة جنوب السودان الى سحب قواتها من منطقة هجليج الا ان وزير الإعلام بدولة جنوب السودان برنابا مريال بنجامين نفى ل «الشرق الأوسط» مطالبة الأمين العام للمنظمة الدولية لبلاده بسحب قواتها من هجليج، وقال إن سلفا كير أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة بأن الخرطوم ظلت تستهدف جنوب السودان بعد اتفاقية السلام، وأنها قامت باحتلال منطقة أبيي الغنية بالنفط، وأن القوات السودانية هاجمت جنوب السودان جوا وبرا وبأعداد كبيرة من القوات والميليشيات، وأن الجيش الشعبي تصدى لهم وان الاعتداء على هجليج بمثابة رد، وكشف برنابا أن بان كى مون سيصل إلى جوبا، للوقوف على التطورات بين الدولتين، وتوقع ايضاً وصول ثابو مبيكي رئيس الآلية الرفيعة للاتحاد الأفريقي، باعتباره هو الذي يقود الوساطة بين دولتي السودان. وتواصلت الضغوط الدولية لاحتواء الموقف بين البدلين لوقف المعارك وشددت السفيرة الاميركية سوزان رايس في ختام اجتماع جلسة مجلس الأمن الدولى ان على الجانبين إستئناف المفاوضات وووقف المعارك، وطالبت جنوب السودان بالإنسحاب فورا من هجليج وبالمقابل ان يوقف السودان الغارات الجوية وتوغله في جنوب السودان، وتواصلت الجهود ايضاً في واشنطن حيث دعت وزارة الخارجية البلدين الى انهاء المعارك فورا ومن دون شروط والعودة الى طاولة المفاوضات وقالت المتحدثة باسم الخارجية فيكتوريا نولاند ان الولاياتالمتحدة قلقة للغاية من تصعيد المعارك بين السودان وجنوب السودان وتدين الاعمال العسكرية من الجانبين، واضافت «ندين مشاركة جنوب السودان في الهجوم والسيطرة على هجليج كما ندين الغارات الجوية المستمرة التي ينفذها الجيش السوداني في جنوب السودان، وعلى الطرفين ان يوافقا على «انهاء المعارك فورا ومن دون شروط والعودة الى طاولة المفاوضات»، إلى ذلك أعرب الاتحاد الأفريقي عن قلقه العميق من تصعيد المعارك بين السودان ودولة الجنوب، ودعا جوبا إلى الانسحاب فورا من منطقة هجليج و ضبط النفس واحترام وحدة أراضي الدولة الأخرى. وثمة اسئلة تطرح نفسها تتعلق بنجاح الضغوطات الدولية على الدولتين بعد ان غابت الحلول السياسية والداخلية بين الخرطوموجوبا وترجيح جوبا للخيار العسكرى، وهل ستقف الحرب فى محطة هجليج بتحريرها او انسحاب الجيش الشعبى لجنوب السودان منها ام ستستمر الإعتداءات المتبادلة. ويرجع المحلل السياسى الدكتور صديق تاور ان التحركات الدولية لإحتواء الموقف بان العالم ملئ بالصراعات وبؤر النزاع وتوجد ازمات اكبر من دولتى السودان ويكفى افريقيا الأزمة فى الصومال ومالى ووسط القارة، واوضح ان المجتمع الدولى بعد الأزمة المالية التى ضربت العالم اصبح يعانى من الأعباء وقال تاور ل»الصحافة» المؤسسات الدولية ليست فى حاجة لتجديد الأزمات فى مناطق يمكن ان تحل قضاياها عبر الحوار خاصة وانها فقدت القدرة المالية للدعم الإغاثى واللوجستى لقوات حفظ السلام، واضاف من هذا الباب تأتى الضغوط الدولية على السودان ودولة جنوب السودان، الا انه اشار الى ان الولاياتالمتحدة وبريطانيا لها ادوار واضحة فى تأجيج الصراع خاصة فى السودان ،لاتخفى على عين وان استراتيجيتها ومطالباتها لوقف الإعتداءات ماهى الا دعاية اعلامية من اجل مكاسب داخلية فى بلادها، الا انه قطع ان نجاح الضغوط الدولية مرهون بصدق النوايا من قبل الولاياتالمتحدة وحلفائها لأنها تملك ضغوطاً مباشرة على حكومتى الخرطوموجوبا. وفى حديثه ل «الصحافة» يقول المحلل السياسى عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهرى الدكتور آدم محمد احمد ان حكومة جنوب السودان تعرف ان هجليج تتبع للسودان وليس محلاً للنزاع ولكن ارادت بتلك الخطوة رفع سقف المفاوضات وقالت انها تتبع للجنوب حتى تفتح باب المساومات فى الملفات الأخرى خاصة منطقة أبيى، وقال محمد احمد ان دولة الجنوب اعتدت على هجليج لسببين الأول تهديد السودان واستعراض قواتها انها قادرة على مهاجمة الشمال والإستيلاء على اراضيه، والسبب الثانى ادخال طرف ثالث فى النزاع وقد نجحت فى ذلك بإثارة التحركات الدولية الحالية فهى تريد تدخل الأممالمتحدة وامريكا فى النزاع بينها والسودان، وتوقع محمد احمد نجاح الضغوط الدولية فى نزع فتيل الأزمة فى الفترة المقبلة وعودة الطرفين الى طاولة المفاوضات لأنها المخرج الوحيد للبلدين. وقال «بعد شوية سيتدخل المجتمع الدولى وهو مايبحث عنه الجنوب وما نخشاه نحن» واضاف على حكومة السودان هذه المرة توحيد الجبهة الداخلية وإشراك القوى السياسية فى المفاوضات وان تسقط نظرية «لا أعى لا أفهم لا أسمع» لأن توحيد الجبهة الداخلية فى البلاد هو المخرج الوحيد من هذه الأزمة.